إعلان

لماذا تتكرر أحكام بطلان تعيينات النيابة الإدارية؟

03:27 م الأحد 29 يناير 2017

كتب – محمود الشوربجي:
على مدار الأشهر الماضية، أصدر مجلس الدولة أكثر من حكم ببطلان تعيينات النيابة الإدارية لإخلالها بالشروط والقواعد الواجب توافرها، كان آخرها الحكم الصادر أمس من المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية، ببطلان تعيينات النيابة الإدارية في الوظائف التخصُصية والخدمات المعاونة.
كما سبق أن أصدرت المحكمة نفسها حكما مماثلا في 25 يونيو الماضي، في الدعوى رقم 2388 لسنة 63 قضائية، وقضت بوقف تنفيذ إجراءات إعلان نتيجة وظائف النيابة الإدارية، بعد ثبوت مخالفتها للدستور والقانون، وأمرت بإلغاء القرار المطعون فيه.
مصراوي يرصد في التقرير التالي أسباب تكرار أحكام بطلان التعيينات والإجراءات المتوقع اتخاذها الأيام المقبلة من قبل النيابة الإدارية.
يقول محمد حامد، الفقيه القانوني: معظم إعلانات الوظائف بهيئة النيابة الإدارية تتضمن شروط في المتقدمين من حيث السن وموقعهم الجغرافي، وهو الأمر الذي يتنافى مع أبسط قواعد العدالة والمساواة، حيث اعتمدت هذه الوظائف على التمييز الجغرافي والتمييز في السن، موضحًا أن قانون الخدمة المدنية أوجب أن يتضمن الإعلان كافة البيانات التي تضمن تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين بما يضمن الحماية المتكافئة للحقوق جميعها.
وأضاف: هذا التمييز صار حاجزاً مانعاً لجموع المواطنين عن التزاحم على شغل الوظائف المعلن عنها، دونما سند من الدستور أو القانون، ولا ريب أن الجهة الإدارية عندما اشترطت في هذا الإعلان إقامة المتقدمين لشغل الوظائف المعلن عنها في محافظات بذاتها؛ قد خالفت قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية، لإخلالها بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين.
وأشار إلى أن تصرفها انطوى على أحد صور التمييز المنهي عنه دستورياً، بنص آمر قطعي الدلالة والثبوت؛ بعدم التمييز بين المواطنين على أساس جغرافي أو على أساس السن، كأحد الحقوق والحريات والواجبات العامة التي تتبوأ أعلى مكانه وأرفع منزلة، بما يترتب على هذه المخالفة عدم مشروعية ما يصدر عن أي من السلطات العامة في هذا الشأن.
ولفت إلى أن الفترة الماضية شهدت صدور أكثر من حكم من مجلس الدولة بإلغاء قرارات تعيينات أخرى، وهو الأمر الذي يكشف عن تكرار هيئة النيابة الإدارية لذات الأخطاء، وضربها بالقانون عرض الحائط -وفق قوله-، مطالبًا بتعويض المتضررين من هذه القرارات الملغاة بأحكام القضاء سواء من تم استبعادهم أو تم إلغاء تعيينهم نظرًا لما تكبدوه من أموال وضياع للوقت والجهد.
وأكد أن إلغاء التعيينات يترتب عليه فتح التقدم مرة أخرى، والاعلان عن الوظائف بعد إزالة كل صور التمييز والمخالفات التي انطوت عليها الاعلانات السابقة، فالحكم لا يكتسب منه صاحبه مركزًا قانونيًا بتعيينه، وإنما هو كاشف عن العوار الدستوري والقانوني الذي انطوى عليه الاعلان، ومن ثم يترتب عليه إعادة فتح باب التقديم لكل من تم استبعاده وكل من توافرت فيه شروط الوظيفة العامة، لأن هذا الحكم يستفيد منه كل ذوي الشأن الذين تضرروا من قرارات التعيين المعيبة.
ولفت إلى أن الحكم الصادر ببطلان تعيينات النيابة الإدارية يعتبر حكما ابتدائيا ويجوز الطعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري، وبالتالي فإن هيئة النيابة الإدارية مازال أمامها مرحلة أخرى من التقاضي حيث أنه من حق الهيئة التقدم بطعن استئنافي خلال مدة 60 يومًا من تاريخ صدور الحكم، وذلك وفقًا للمادة 13 من قانون مجلس الدولة، بحيث تنظره محكمة القضاء الاداري كدائرة استئنافية.
وحصل مصراوي على حيثيات حكم بطلان تعيينات النيابة الإدارية وذكرت أن إعلان هيئة النيابة الإدارية بوجود الوظائف التخصُصية والخدمات المعاونة انزلق إلى عدم المشروعية، بما يفقده كيانه ويجرده من صفاته ويزيل عنه مقوماته كتصرف قانوني نابع من جهة الإدارة، وانخلع عنه ما كان يتوجب عليه أن يلتحف به من عباءة القانون.
وأكدت المحكمة أن القرار لم يكفل تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز، وجعل العمل حقُ وواجبُ، وشرفُ تكفله الدولة، وشغل الوظائف العامة قائمِ؛ على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، ولا تمييز بين المواطنين بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر.
وأضافت أن قانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015 أخذًا بذات النهج الدستوري، في تولي الوظائف العامة؛ على أساس الكفاءة والجدارة، دون محاباة أو وساطة من خلال إعلان مركزي على موقع بوابة الحكومة المصرية يتضمن البيانات المتعلقة بالوظيفة وشروط شغلها على نحو يكفل تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين، إضافة الى أن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع استظهرت أن المساواة التي يوجبها إعمال مبدأ تكافؤ الفرص تتحقق بتوافر شرطي العموم والتجريد في كافة القواعد التنظيمية التي تضعها جهة الإدارة التي تملك بمقتضى سلطتها التقديرية وفقًا لمقتضيات الصالح العام وإعمالًا للقانون وضع شروط عامة مجردة تحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون، بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية، وإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط في البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بينهم وكان لمن توافرت فيهم هذه الشروط دون سواهم أن يتمسكوا بها، باعتبار أن المشرع هنا إنما يخاطب الكافة من خلال هذه الشروط.
وقالت المحكمة إن إعلان هيئة النيابة الإدارية رقم (1) لسنة 2015 ـ الذي بني عليه القرار الطعين هوى إلى درك عدم المشروعية الجسيم وأصبح الاعلان منعدماً، وإذ صدر القرار الطعين رقم (93) لسنة 2016 من رئيس هيئة النيابة الإدارية استنادا إلى هذا الإعلان، فمن ثم يضحى غير مبرءِ من هذا العيب؛ إعمالاً للقاعدة الأصولية أن ما بنى على باطل فهو باطل، ويغدو تبعاً لذلك والعدم سواء، وزال عنه وصفه كتصرف قانوني قائم ومنتج لأثاره ومن ثم تقضى المحكمة بإلغائه إلغاءً مجرداً.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان