بطء التقاضي في ميزان العدالة .. أسباب وحلول ؟
كتب- أحمد أبو النجا وصابر المحلاوي:
بعد أن كثرت العمليات الإرهابية التي عصفت بالبلاد في الآونة الأخيرة، وكان آخرها حادث تفجير الكنيسة البطرسية بالكاتدرائية العباسية، الأحد الماضي، وأسفر عن سقوط 25 قتيلًا وإصابة نحو 48 آخرين.
فقانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، يعوّل عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي للحد من العمليات الإرهابية، كما صرح مرتين في حادثتين مختلفتين، قدّمت فيهما مصر شهداءً إثر أعمال إرهابية، وأطلق تصريحه خلال الجنازة الرسمية المقامة في المناسبتين، بضرورة تعديل قانون الإجراءات الجنائية، والذي لم يُعدّل حتى الآن.
انتفضت السلطات التشريعية والتنفيذية، لإيجاد مخرج للقضاء على الإرهابين، فكان الحل هو تعديل القوانين والإجراءات القضائية لإنجاز العدالة والقضاء على بطء التقاضي.
ويرصد مصراوي آراء القضاة وأساتذة القانون حول إجراء التعديلات القضائية المقترحة للوصول للعدالة الناجزة..
قال المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي يقصد بالقوانين المكبلة لعمل القضاء، والمطلوب تعديلها قانون الإجراءات الجنائية.
القضايا المكتظة داخل إدراج المحاكم
وأوضح الجمل، في تصريح خاص لمصراوي، أن قانون الإجراءات الجنائية، به الكثير من الأحكام التي تُعيق سرعة الفصل في القضايا، ويجب تعديلها ومنها: "ألا يمتد الفصل في القضية لأكثر من سنتين، مما يلزم القضاة بالانتهاء من القضايا المكتظة بها إدراج المحاكم، وهي قضايا بها مستندات كثيرة ومتضخمة تتنقل كل سنة بين الدوائر المختلفة مما يتسبب في تضخمها.
وأضاف الجمل، أنه من بين المعوقات التي شملها قانون الإجراءات الجنائية تقديم طلبات الرد، وهذا يؤدي إلى وقف الدعوى بقوة القانون، وإحالة القضية إلى دائرة أخرى لإعادة النظر فيها مع تكرار الإجراءات من البداية بما يستغرق زمنًا طويلًا في الانتهاء من القضية،
وأكد الجمل على أن يكون طلب رد المحكمة لابد أن يكون له مبررات مقبولة، وأن يتم تقديمه في أولى جلسات نظر القضية، وليس بعد المرافعة لتيسير الوقت وأن يكون للمحكمة سلطة التقدير.
بينما يرى المحامي محمد رشوان، أن أسباب بطء التقاضي أمام المحاكم يرجع إلى عدة أسباب، أولهًا عدم تثبيت القاضي بدائرة واحدة لأكثر من العام القضائي، مما يسبب في إطالة أحبال القضية من أجل استلام قاضي جديد بقضية جديدة، فيقوم بالتأجيل لأكثر من جلسة لدراسة القضية حتى يتسنى له الاطلاع على الدعاوي.
وأوضح رشوان، أن كثرة الإجازات القضائية التي كانت من قبل شهر أغسطس فقط، بينما الآن تبدأ من شهر يوليو وتنتهي نصف سبتمبر، وبعدها لم نجد قاضي يفصل بالقضية لأنه ينتظر عقد الجمعية العمومية في نهاية سبتمبر بسبب نقل القضاة أو حركتهم لدوائر أخرى، وغيرها من أحكام الإحالة وعدم الاختصاص.
المحاكمات الغيابية
فيما ذكر محمود كبيش عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة السابق، لمصراوي، أن المحاكمات الغيابية تؤدى إلى تعطيل المحاكمة، حيث يؤدى صدور الأحكام غيابيا إلى طول فترة التقاضي بسبب إعادة المتهم لإجراءات المحاكمة من جديد مرة أخرى.
وطالب كبيش، أن التعديل لابد أن يشمل أن حضور محامي المتهم الغائب يكفي لإصدار الحكم دون إعادة المحاكمة مرة أخرى، وإذا لم يوكل المتهم محاميا، فإنه على المحكمة أن تنتدب محاميا للدفاع عنه، وبهذا يكون الحكم الصادر واجب النفاذ.
زيادة عمل الدوائر القضائية
واقترح "كبيش" زيادة عمل الدوائر القضائية من أسبوع في الشهر إلى أسبوعين مقابل مكافأة مادية للقضاة الذين يعملون فترة أطول، مؤكدا أن الإشكالية في تحقيق العدالة الناجزة ليست مرتبطة فقط بالمحاكمات وإنما ينصب أيضا على المواجهة الأمنية، حيث إن الكثير من منفذي العمليات الإرهابية ومرتكبي الجرائم يفلتون بفعلتهم ويتمكنون من الهرب عقب ارتكابهم الجريمة.
حقوقي: الأمن سببا في بطء التقاضي
يري الدكتور أسامة عبيد أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة، أن بطء إجراءات التقاضي، لم يكن المقصر بها القضاء فقط، أو القانون فهناك بطء في إجراءات التقاضي مرتبط بشكل كبير بعدم تنفيذ طلبات القضاة، بسبب الأمن أيضًا، ولكن السبب فيه ليس له علاقة بالقانون في هذه الحالة، وإنما بالأمن.
فكرة القضاء المستعجل
كما طالب "عبيد" بضرورة عرض المتهم على النيابة عقب القبض عليه قبل مرور 24 ساعة على ضبطه، بالإضافة إلى تقليل مدة نظر الطعن التي تستمر لما يقرب من 7 أشهر، وأن يتم تقصيرها إلى 3 أشهر تحتسب منذ صدور الحكم، مضيفا أنه يجب أيضا النظر في كيفية تطبيق فكرة القضاء المستعجل في المحاكمات الجنائية ومدى نجاحها.
قاضٍ: المحاميين وطلباتهم والخبراء وراء البطء
وفسر المستشار على محجوب رئيس محكمة استئناف القاهرة، بشأن بطء التقاضي داخل المحاكم قائلا: المشترك فيها بداية من المحاميين وطلباتهم والخبراء، موضحًا أن في بداية القضية القاضي يؤجل أولي الجلسات فقط للاطلاع، وعلى حسب المحامين، أحيانا يأتي طلب الدفاع إحالة القضية للخبراء أو الاستماع للشهود أو المستندات أو أي طلبات أخر تتعلق بسير القضية، فتؤدي طلباتهم لتأخير الفصل في القضية وامتداد أحبالها.
التعديل المقترح لقانون الإجراءات الجنائية
وعن تعديل القانون قال رئيس محكمة الاستئناف إن التعديل الجديد للإجراءات الجنائية في العدالة الناجزة التي طرحته وزارة العدل على مجلس الشعب، إنه سيساهم في إنهاء القضية والفصل بها لأنه سيكون من درجتين فقط.
وأوضح "محجوب" لمصراوي، أنه في حالة النطق بالحكم في أي قضية، سيتقدم المتهم بطعن على الحكم أمام النقض وهي صاحبة الشأن أم أن تؤيد الحكم أو ترفضه، مثلها مثل المحاكمة العسكرية، ستكون فصلها سريعا.
وأشار رئيس محكمة الاستئناف إلى أن العدالة الناجزة ستوفر في وقت النظر بالقضية، كما أنها وفرت درجه من درجات التقاضي، وأصبحت القضية بدلًا من نظرها ثلاث أو أربع أعوام، تنظر في عام أو اثنين فقط مثل قضايا الإرهاب.
وحسب تصريحات النائب محمد زكريا محي الدين، فإن تعديل بعض أحكام مواد قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950، "ستنشئ في كل محكمة استئناف محكمة جنايات مستأنفة تختص بنظر الطعون علي الأحكام الصادرة من محاكم الجنايات إذا ما تقرر استئنافها من قبل المتهم في حالة الحكم عليه بالإدانة أو من قبل النيابة العامة في حالة الحكم علي المتهم بالبراءة إذا ما رأت وجها لذلك، وستخصص دائرة أو أكثر من دوائر محكمة الجنايات لنظر قضايا الجنايات وترفع الدعوى إلى تلك الدوائر مباشرة من النيابة العامة ويفصل في هذه الدعاوى على وجه السرعة.
كما تخصص دوائر في كل محكمة جنايات مستأنفة، مكونة من خمسة قضاة من رؤساء محاكم الاستئناف يرأسها أحد نواب محكمة النقض بترشيح من رئيسها للفصل في الطعون المحالة إليها من محاكم الجنايات الكائنة بدوائر اختصاصها، على أن تفصل في موضوع الدعوى خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ الاستئناف ويطعن على الأحكام الصادرة منها بطريق الطعن بالنقض أو إعادة النظر".
ولكن بين انتفاضة النواب وإثارة نادي القضاة، ومطالبات السيسي، يظل تعديل قانون الإجراءات الجنائية داحل أدراج الحكومة، حتى يتم خروجه إلى النور باستفتاء النواب عليه ونشره في الجريدة الرسمية.
ومنذ عام ونصف العام وتحديدًا في 30 يونيو 2015، قال الرئيس السيسي، في كلمته التي ألقاها خلال تشييع جنازة النائب العام المستشار هشام بركات، إن الدولة ملتزمة بالقوانين المعمول بها والتي تسير المحاكمات وفقًا لها، إلا أن نصوص هذه القوانين الجنائية تكبّل عمل القضاء وتحول دون تحقيق القصاص الناجز ممن يريقون دماء أبناء الشعب المصري.
وطالب القضاء والبرلمان والحكومة بالتحرك، قائلا: "لازم نتحرك أكتر من كده، القضاء مش هينفع كده ومش هينفع يتعامل قوانين بشكل حاسم".
يذكر أن قانون الإجراءات القانونية مطروح عبر البوابة الإلكترونية لوزارة العدل، ومكتوب إلى جواره أنه "طبقًا لأحدث التعديلات بالقانون 95 لسنة 2003"، ومكون من 560 مادة.
فيديو قد يعجبك: