لاجئون سوريون في تركيا يتجنبون الحديث باللغة العربية خوفًا من التعرض للعنصرية
أنقرة - (بي بي سي)
في جوف الليل، في ساحة خلفية لمعمل لتصنيع بلاط الأرصفة بمدينة إزمير التركية، أقبل مواطن على إضرام النار في غرفة يقيم بها ثلاثة لاجئين سوريين يعملون هناك، بعد أن سكب البنزين بداخلها وهم نيام.
ثلاثة شهور فقط مرت على التحاق أحمد العلي ومحمد البش ومأمون النبهان بالعمل في هذا المكان، ليفقدوا حياتهم حرقا، وصدر في التقرير الرسمي للشرطة أن الجريمة تمت بدافع عنصري، وذلك في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي.
منذ 2011، كانت تركيا الوجهة الأبرز للفارين من الحرب الدائرة في سوريا، وبحسب أحدث حصيلة رسمية فإن تعداد اللاجئين السوريين في تركيا يقترب من أربعة ملايين، في حين يعتقد أن العدد الحقيقي يتجاوز ذلك.
"لم أفارقه على مدار سبع سنوات في تركيا، كنا سويا حتى غادر إلى العمل في إزمير، وقد فاجأني خبر وفاته"، يقول حسين شقيق أحمد العلي أحد ضحايا الحريق في إزمير متحدثا عن انتشار العنصرية لدى بعض الأتراك تجاه السوريين.
نقطة التحول
وطالما كانت تركيا الداعم الرئيسي لثورة السوريين ضد حكم الرئيس بشار الأسد عام 2011، إذ تستضيف الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية منذ سنوات، كما كانت الراعي الأساسي لـ"الجيش الوطني السوري" أو ما عرف في البداية بـ"الجيش السوري الحر".
تقول إيما سينكلير ويب، مديرة مكتب هيومان رايتس ووتش في تركيا، إن "المشاعر تجاه السوريين بدأت تتغير بشكل حاد منذ (أحداث أنقرة) في أغسطس/ آب عام 2021 عندما قُتل مواطن تركي على يد لاجيء سوري طعنا، وأسفر ذلك عن أعمال عنف واسعة استهدفت ممتلكات السوريين هناك وخاصة في حي ألتن داغ".
في أعقاب الحادث، نشر المعارض المتطرف أوميت أوزداغ تغريدة قال فيها "حان وقت الرحيل". ويترأس أوزداغ "حزب النصر" الذي تتركز سياساته على محاربة فكرة وجود المهاجرين في تركيا.
وتشير ويب إلى أن "الاستخدام السياسي للحادث للضغط على الحكومة مع اقتراب الانتخابات أجج مشاعر الكراهية تجاه السوريين هناك بشكل عام، وأن المعارضة المعتدلة لم تبعد نفسها عما يثار بخصوص إنهاء وجود السوريين في البلاد".
موقف إردوغان
لم يرَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في البداية واقعية في المطالبة بترحيل اللاجئين السوريين، بل دائما ما اعتبرهم "ضيوفا في تركيا، وسيرحلون عندما تنقضي محنتهم".
لكن مع الارتفاع الملحوظ في المشاعر القومية ومعاداة المهاجرين، بدأت نبرة الرئيس التركي تتغير وأعلن عن مشروع وصفة بـ"إعادة تسكين" مليون لاجيء سوري في مناطق الشمال السوري الواقعة تحت سيطرة تركيا في وقت قريب، وهي خطة لا يراها عدد من المراقبين صالحة للتنفيذ نظرا للأوضاع "المهترئة" في الشمال السوري.
وترى ويب أن "حديث الحكومة التركية من منطلق المدافع عن نفسه، فيه تسابق مع المعارضة في استخدام قضية اللاجئين لتحقيق مكاسب انتخابية، وهو أمر يوحي بأنه نفد صبرنا ولا نريد استضافة هؤلاء اللاجئين".
وتزامن ذلك أيضا مع تصريح أردوغان بـ "أهمية الإقدام على خطوات متقدمة مع سوريا من أجل إفساد مخططات المنطقة"، وهو تصريح أثار حفيظة السوريين بداية من الائتلاف المعارض وحتى السوريين أنفسهم في الشمال السوري أو اللاجئين في تركيا.
التحدث بالعربية قد يمثل خطورة
"أتجنب تفقد هاتفي المحمول طوال الطريق"، يقول "ماجد"، وهو مواطن سوري يعيش في تركيا منذ سنوات، فضل عدم ذكر اسمه، متحدثاً عن الصعوبات التي يواجهها بشكل يومي مؤخرا.
ويضيف ماجد الذي لا يتجاوز عمره 30 عاما، "أخشى تعرضي للمضايقات أو الضرب إن رأى أحدهم اللغة العربية على هاتفي أو سمعني أتحدث بالعربية لأقربائي مثلا، ساعتان من الترقب وعمل اللا شيء حتى الوصول إلى مكان عملي".
تمكن ماجد من النجاة بنفسه حتى الآن من أي اعتداء محتمل بسبب الهوية، لكن آخرون كانوا ضحايا لذلك.
يعمل فرقان طوبجو، محام تركي في إسطنبول، على متابعة جرائم الكراهية بحق غير الأتراك. الشاب السوري شريف الأحمد هو أحد تلك الحالات التي يتابعها طوبجو منذ يونيو/ حزيران الماضي.
انتشر مقطع مصور على الإنترنت حينها يظهر شريف وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد إطلاق النار عليه من قبل شبان أتراك لا يعرفونه، ولكنهم تحرشوا به وأصدقائه بسبب اللغة التي يتحدثون بها، وفق شهود العيان حينها.
"بخلاف هذه القضية، هناك قضية أخرى أتابعها بنفسي خصوصا تجاه اللاجئين السوريين، على سبيل المثال، هناك من تم التعدي عليه وطعنه في مكان عام فقط لأنه يتحدث اللغة العربية"، يقول طوبجو، مشيرا إلى أن الطعن والخطف والتعذيب هي أشكال أخرى من جرائم الكراهية التي يعاني منها السوريون.
ولا يوجد حصر دقيق لتلك الجرائم التي يعاني منها السوريون، الشباب من الذكور تحديدا، "فهم يخافون من إبلاغ الشرطة خوفا من الترحيل القسري"، بحسب ما تقوله إيما سينكلير ويب مديرة مكتب هيومان رايتس ووتش في تركيا.
حاولنا الحصول على تعليق من قبل الحكومة ولم نتلقى أي رد، لكن موالين للحزب الحاكم اتهموا الأحزاب المعارضة بالوقوف وراء تأجيج الخطاب العنصري.
ويرى المحلل السياسي وعضو حزب العدالة والتنمية، يوسف كاتب أوغلو، أن "المعاملة السيئة من قبل الشرطة التركية للاجئين السوريين بما في ذلك الترحيل القسري مرده الانتماءات السياسية لهؤلاء الضباط وأنهم يعملون وفق أجندات المعارضة وليس الشرطة أو الحكومة".
خيار العودة
يتذكر محمد الخلف آخر أيامه في تركيا قبل عودته إلى منزله الذي تعرض للقصف في محافظة إدلب واستقراره هناك، ويقول "أثناء عودتي من العمل بعد 12 ساعة في إسطنبول، اعترضني بعض الشباب الأتراك وسألوني عن هويتي إن كنت سورياً أم لا، ثم اعتدوا علي وطعنوني ثماني مرات".
وبرر الخلف عودته إلى سوريا بإن إصابته لن تسعفه على العمل الشاق في تركيا لمدة 12 ساعة فضلا عن أن الشرطة "لم تساعد في التحقيق في جريمته، بل إن الاعتداءات العنصرية بحق السوريين كانت تحدث في المنطقة التي كان يسكن بها ولم تتوقف".
فيديو قد يعجبك: