إعلان

الصراع في إثيوبيا.. لماذا قتل مدرّس شاب من الأورومو رميًا بالرصاص؟

11:51 م السبت 16 يناير 2021

المدرّس كيتيلا غوداتا

أديس أبابا - (بي بي سي)

ترك مقتل المدرّس الأثيوبي كيتيلا غوداتا، عائلته في صدمة.

ذهب الشاب الذي يبلغ من العمر 32 عاماً، ضحية جديدة للصراع القائم بين القوات الحكومية من جهة، والمتمردين من جهة أخرى في منطقة أوروميا الإثيوبية.

وتدور أعمال العنف حول مطالب جماعة متمردة بتحرير "أوروميا" - مساحة شاسعة من الأراضي تضمّ الأورومو، أكبر مجموعة عرقية في أثيوبيا - وبسبب الإجراءات الأمنية الصارمة التي أتت لاحقاً.

وتسبّب ذلك بوقوع مدنيين في مرمى النيران، من بينهم كيتيلا، الذي تزعم عائلته أنه قتل بعد أن اقتاده عشرة أفراد من الشرطة من منزله في بلدة سيكيلا، في 19نوفمبر/ تشرين الثاني.

"أخبروها أنه سيعود"

وقال أحد أقارب كيتيلا الذي لم يذكر اسمه خوفاً من التعرض لأعمال ثأر، إن "زوجته، الأمّ لطفلين، توسّلت إليهم أن يأخذوها بدلاً منه، لكنهم أخبروها أنه سيعود بعد الاستجواب".

لم يعد المدرّس إلى منزله. وقالت عائلته إنها بعد يومين من "البحث الجنوني"، عثرت على جثته إلى جانب جثتي شخصين آخرين.

وزعم قريب كيتيلا "أنهم قتلوه على صخرة" بجانب النهر. وأنه قد "أطلق عليه النار من الوراء، وكانت يداه مكبلتين إلى الخلف. ويبدو أنهم استخدموه كهدف للتدرب على إطلاق النار".

ولم تنجح محاولات الحصول على تعليق من "قوّة شرطة أوروميا الخاصة" حول الحادث. لكنّ المتحدث باسم حكومة الإقليم، غيتاشو بالشا، قال إنه لم يكن على علم بأن قوى الأمن تتهم الناس زوراً بالتحالف مع منظمة "جيش تحرير أوروما".

وقال لإذاعة "بي بي سي أفان أورومو"، إن "الإجراءات تتخذ فقط ضدّ من تعرف جرائمهم ويفضحها الناس".

وأضاف: "لكنّ أي شخص يُثبَت ارتكابه جريمة، ويشمل ذلك أفراد الشرطة والمسؤولين الحكوميين، سيُحاسب".

وتشارك "قوّة شرطة أوروميا الخاصة" بشكل متزايد في العمليات التي تهدف إلى قمع التمرد في جنوب وغرب أوروما، بعد إعادة نشر عدد غير محدد من الجنود في إقليم تيغراي، منذ اندلاع الصراع هناك في بداية نوفمبر/تشرين الثاني.

ويسلّط ما يجري الضوء على التحديات الأمنية في إثيوبيا، ويضع حداً للنشوة التي سادت البلاد مع وصول رئيس الوزراء آبي أحمد إلى السلطة في أبريل/نيسان 2018، وفوزه بجائزة نوبل للسلام في العام التالي.

واعتمد آبي أحمد إصلاحات شاملة لإنهاء عقود من الحكم الاستبدادي، تضمنت رفع الحظر عن الأحزاب السياسية والمجموعات المتمردة، وإطلاق سراح آلاف المعتقلين والسماح للمنفيين بالعودة إلى البلاد.

ورحبّت أوروميا بشكل خاص، بوصول آبي أحمد إلى رئاسة الحكومة، بصفته أوّل رئيس وزراء ينتمي إلى عرقية الأورومو. وتحوّلت "جبهة تحرير أورومو"، إحدى أكبر المجموعات المتمردة، إلى حزب سياسي معارض.

لكنّ، لم يتمكن أحد كبار قادتها، كومسا ديريبا والمعروف أيضاً باسم "جال مارو"، بالتوصل إلى اتفاق مع الحكومة حول نزع سلاح المقاتلين.

وبعد خلاف بينه وبين جبهة التحرير، واصل ديريبا تمرّده تحت اسم"جيش تحرير أورومو"، من مخبأه في الغابات في غرب الإقليم.

كان ذلك عام 2018، ووعدت حينها قوات الأمن بسحق المجموعة المتمردة خلال أسبوعين. لكنها لا تزال تقاتل المتمردين بعد مرور أكثر من عامين.

"دُفن دون علم العائلة"

في غضون ذلك، يزيد ورود تقارير عن خسائر في الأرواح بين المدنيين.

جلانا إيمانا، أب لطفلين، واحد من الضحايا. قالت شقيقته الصغرى شالتو إيمانا ل"بي بي سي أفان أورومو"، إن ما يقارب من عشرين عنصراً مسلحاً أوقفوه في منزله في أمبو تاون، على بعد نحو 100 كلم إلى الغرب من أديس أبابا، في نوفمبر/تشرين الثاني.

وأضافت أنها بحثت عنه كثيراً خلال أربعة أيام، إلى أن تلقت خبراً عن عثور الشرطة على جثة بجانب النهر. ذهبت عندها إلى قسم الشرطة المحلية، حيث أكّدوا لها أنهم عثروا على جثّة وقاموا بدفنها.

وقالت: "طلبوا إلينا بعد بعض المداولات، إحضار صورته ووصف ما كان يرتديه ليلة توقيفه. بعدها أكدوا لنا أن مواصفات الرجل الذي دفنوه، تطابقت مع تلك التي أعطيناها لهم".

وتابعت: " قالوا لنا اذهبوا إلى المنزل لم يكن لدينا خيار آخر"، وقالت إنّ الضباط أكدوا مقتل شقيقها متأثراً بجرح طلق ناري.

وأَضافت شالتو: "نحن نعلم فقط بشأن توقيفه. لا نعلم ما هو الجرم الذي ارتكبه، لا نعلم لماذا فضّلوا قتله على أخذه إلى المحكمة".

وقالت إن شقيقها كان ناشطاً سياسياً فقط في "جبهة تحرير أورومو"، وقد عمل في لجنة للترحيب بالقادة العائدين من المنفى عام 2018.

مخاوف من توترات عرقية

عدد ضحايا الصراع غير واضح، لكنّ "لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية" المرتبطة بالدولة قالت إنها سجّلت ادعاءات مقتل 12 مدنياً على يد قوى الأمن في أوروميا، فقط في نوفمبر/تشرين الثاني".

وقال مستشار اللجنة عماد عبد الفتاح لإذاعة بي بي سي أفان أورومو، إنّ "الخلافات السياسية تكلّف المدنيين غالياً".

وأكّد أن مقاتلي "جيش تحرير أورومو" متهمون أيضاً باستهداف مدنيين.

ومن بين ضحاياهم الأمهرة، ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، وحكّامها التاريخيين. وقتل أكثر من خمسين شخصاً منهم في هورو غودورو غرب أوروميا، في محاولة واضحة لطردهم من المنطقة.

وعرفت المنطقة هدوءاً نسبياً. لكنّ الهجمات تشير إلى أن "جيش تحرير أورومو" تحرّك الآن، وأثارت عمليات القتل الصدمة والمخاوف من التسبب بتوترات عرقية.

وبحسب الروايات الحكومية، قتل 13 شخصاً من الأمهرة في منطقة أمورو في نوفمبر/ تشرين الثاني. وفي هجوم منفصل في الشهر ذاته، قتل ما لا يقل عن 35 فرداً من الأمهرة، بعد أن دعاهم "جيش تحرير أوروميا" إلى الاجتماع داخل حرم مدرسة في منطقة غوليسو.

وقال السكان إن مسلحين، لم يتأكدوا من هوياتهم، استخدموا مكبرات الصوت لدعوة الأورومو والأمهرة إلى اجتماع مساء الثامن من ديسمبر/كانون الأول.

رؤى سياسية متنافسة

وقال أحد السكان الأورومو: "كانوا ثمانية مسلّحين، شعرهم طويل ووجوههم مكشوفة، طلبوا إلى السكان الأمهرة الكشف عن أنفسهم. وطلبوا من من تبقى منا الذهاب إلى المنزل، وأخذوا نحو عشرة أشخاص من الذين وقفوا".

وأضاف: "انتظرنا طوال الليل إطلاق سراحهم، لم يعودوا. وجدنا سبع جثث في الصباح التالي".

وبينما لا يزال غير واضح ما الذي يعنيه جيش التحرير في شعار "تحرير أورومو"، تطالب أحزاب المعارضة الرئيسية في الإقليم، بمزيد من الحكم الذاتي، اعتقاداً من جانبها بأنها الطريقة الأفضل لضمان الحقوق السياسية والثقافية واللغوية لمختلف المجموعات العرقية.

لكن منتقديهم، وخاصة النخب، يثيرون مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى ترسيخ الهويات العرقية وإلى تفكّك إثيوبيا إلى إقطاعيات عرقية.

ويشعر العديد من الأورومو أن آبي أحمد يميل إلى وجهة النظر الأخيرة، ويسعى إلى مركزية السلطة. ونما هذا التصوّر بعد أن حلّ الإتلاف القائم على العرق عام 2019. ومنح "حزب الازدهار" الذي أسّسه حديثاً، السلطة في الوسط وفي أقاليم إثيوبيا العشرة.

الجدال ذاته يشكّل جزءاً من أسباب الصراع في إقليم تيغراي.

"عدو الشعب"

كذلك، أوقفت القوى الأمنية في أوروميا، جميع القيادات تقريباً في حزبين معارضين رئيسيين، "جبهة تحرير أورومو" و"مجلس أورومو الفدرالي"، بتهمة تأجيج العنف للدفع بقضيتهم نحو المزيد من الحكم الذاتي. ونفى الموقوفون التهم المتعلقة بتأجيج العنف.

وأدى اعتقالهم إلى استنتاج العديد من أنصار المعارضة أن المساحة السياسية التي وفرّها آبي أحمد عام 2018، قد أغلقت الآن. وأدّى ذلك إلى التعاطف، إن لم يكن الدعم، لصعود "جيش تحرير أوروميا"، وخاصة بين الشباب الذين لا يتحلون بالصبر من أجل التغيير.

وهاجم جيش التحرير بشكل أساسي، المسؤولين الحكوميين وضباط الشرطة - ومن ضمنهم القادة - في البلدات والقرى الصغيرة، كجزء من استراتيجية لجعلها غير قابلة للحكم بالنسبة لآبي.

لكنّ ذلك أدّى إلى انتشار ثقافة الخوف بين الأورومو. فقد أغار مسلحون على مصرفين في قرية هاغامسا في ديسمبر/كانون الأول، وأشعلوا النيران في سيارة إسعاف كانت تنقل امرأة حامل إلى منشأة طبية لتلد طفلها، وفي سيارة خاصة في بلدة شامبو القريبة. ويشتبه السكان المحليون بأن المتمردين كانوا يحاولون الحصول على أموال وسيارات لدعم تمردهم.

ويعدّ جيش التحرير، التنظيم الأقوى في جنوب أوروميا المتاخمة لكينيا. وقد تعرّض لضربة قوية هناك، في ديسمبر/كانون الأول، حين ندّد به زعيم تقليدي نافذ في المنطقة، كورا جارسو ، ووصفه بأنه "عدو الشعب"، بعد أن اتهم مقاتليه بقتل المدنيين واغتصاب النساء وسرقة الماشية.

وامتد الصراع أيضا إلى كينيا ، حيث يعيش عشرات الآلاف من الأورومو وهم موالون لكورا. وقال سكان في بلدة مويالي الكينية في نوفمبر / تشرين الثاني، إن قوات أثيوبية عبرت الحدود ونهبت الأحياء وأخذت عشرة أشخاص بتهمة إيواء أفراد من "جيش تحرير أورومو".

وزار آبي أحمد الجانب الكيني من الحدود برفقة الرئيس الكيني أوهورو كينياتا في ديسمبر/كانون الأول.

وجمع خطاب ألقاه، بين متمردي أورومو وجماعة "الشباب" الإسلامية المتشددة، التي تتخذ من الصومال مقراً لها، والتي تمثل التهديد الأمني الرئيسي في كينيا. وقال إنه يجب "القضاء" على كليهما، رغم عدم وجود دليل يربط القوميين العرقيين بالمقاتلين الصوماليين.

كانت هذه إِشارة أخرى إلى أن آبي يعتزم الاستمرار في اتباع نهج متشدد لمعالجة النزاعات في إثيوبيا.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان