فيروس كورونا والسياسة: كيف يتأثر اختيارك لارتداء الكمامة بالسياسي الذي تصوّت له؟
لندن - (بي بي سي)
ثمة العديد من أوجه التشابه السياسي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره البرازيلي يائير بولسونارو.
بيد أنه خلال تفشي وباء فيروس كورونا القاتل، بدأ أحد أوجه التشابه في أوجه، عندما أصر كلاهما على الاستخفاف بالتهديد الذي يشكله وباء كوفيد-19.
و خرجت احتجاجات ضد إجراءات الإغلاق العام في كلا البلدين بتأييد واضح من رئيسيهما.
ويقول كوستاس باناغوبولوس، وهو خبير سياسي في جامعة هارفارد: "لقد تم تسييس الوباء في الولايات المتحدة".
ويضيف: "أشار العديد من الناس ضمنياً، بمن فيهم الرئيس، إلى أن الآثار السياسية للفيروس أكثر أهمية من القضايا الصحية، وفي الوقت الذي تعيش فيه الولايات المتحدة استقطابا سياسياً، فسيكون تفاعل الناس مع الوباء بحسب آرائهم السياسية نتيجة طبيعية لذلك".
وفي غضون ذلك في بريطانيا، قام رئيس الوزراء بوريس جونسون، بتطبيق ودعم إجراءات الإغلاق العام، ولكنه تعرض هو وحزبه المحافظ لانتقادات بسبب ما وصف بسوء تقديرهم لمدى خطورة انتشار المرض.
ففي 10 مايو/أيار، أعلن جونسون عن تخفيف أولي لإجراءات الإغلاق العام في المملكة المتحدة. وتشير الأبحاث إلى أن الناخبين المؤيدين لحزب المحافظين كانوا أكثر تقبلاً للتدابير المتخذة.
"تصدعات"
وحذرت منظمة الصحة العالمية على لسان المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في بيان أصدرته في 20 أبريل / نيسان، من أن السياسات الحزبية تعرقل جهود احتواء فيروس كورونا، وأن تصدعات بين الناس و أخرى بين الأحزاب تغذي ذلك".
وأضاف غيبريسوس: "لا تستخدموا هذا الفيروس مناسبة للاقتتال فيما بينكم أو لتسجيل نقاط سياسية كل طرف على حساب الطرف الآخر، إنه أمر خطير جداً كما لو أنكم تلعبون بالنار".
وتتصدر الولايات المتحدة حالياً، دول العالم، في عدد الوفيات وحالات الإصابة بفيروس كورونا.
ولم يكن هناك قرار بفرض الإغلاق العام على الصعيد الوطني في عموم الولايات المتحدة، وبدلاً من ذلك، تُركت مسؤولية فرض القيود واتخاذ التدابير، للمدن والولايات.
وظل ترامب ينتقد أحياناً بشكل صريح، الإجراءات المفروضة، وبدا مؤيداً للاحتجاجات التي خرجت في المناطق التي تم فيها تقييد حركة الناس. كما دعا عبر تغريدة في صفحته على تويتر، إلى "تحرير" ولايات مينيسوتا وميشيغان وفرجينيا.
بيد أن المواقف تجاه الفيروس انقسمت بين مؤيدي حزب الرئيس الجمهوري، ومؤيدي الحزب الديمقراطي.
ووجد أحد أحدث استطلاعات الرأي، نشر في 12 مايو/أيار، أن 43 في المئة فقط من الأمريكيين المؤيدين للحزب الجمهوري، يعدون مرض كوفيد 19 تهديداً كبيراً على صحة السكان. في حين كانت النسبة مرتفعة بين مؤيدي الحزب الديمقراطي، ووصلت إلى 82 في المئة منهم، يرون أن الوباء يشكل تهديداً رئيسياً.
وأظهر استطلاع آخر أن احتمال ارتداء الجمهوريين للكمامات في الأماكن العامة أقل مقارنة بالديمقراطيين، إذ تباينت النسبة بين 56 في المئة مقابل 74 في المئة على التوالي.
الثقة مقابل المعرفة
وتنقسم معرفة الناس بالحقائق عن فيروس كورونا أيضاً وفقاً لسياسات الأحزاب التي يؤيدونها.
وتشير دراسة تحليلة أجريت في معهد "رويترز للصحافة" ومقره في جامعة أكسفورد ببريطانيا، إلى أن البيانات المضللة أو غير الصحيحة التي صرحت بها شخصيات سياسية، أدت إلى مستويات جهلٍ أعلى بالوباء في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وإسبانيا.
وأوضح راسموس كليس نيلسن، وهو أحد المشاركين في كتابة الدراسة،أن "البحث أظهر أن معلومات الأشخاص المؤيدين لأحزاب اليمين في تلك البلدان أقل من الآخرين عن فيروس كورونا".
وأضاف: "نحن نتحدث عن أناس متماثلين في الذكاء مقارنة مع الأخرين، لكنهم وضعوا ثقتهم في سياسيين قدموا روايات كاذبة أو خاطئة عن الفيروس."
تأثير بولسونارو
وقد كان لتصريح بولسونارو بخصوص المرض أثراً واضحاً، حين وصف علناً في أواخر مارس/آذار، الوباء على أنه مجرد "إنفلونزا بسيطة".
وبحسب قاعدة البيانات العالمية لجامعة جونز هوبكنز، تعد البرازيل ثالث أكبر بلد في العالم من حيث عدد حالات الإصابة بالفيروس.
لقد ظل الرئيس على اتصال قريب ومباشر مع جمهور أنصاره، وشارك حتى في التجمعات السياسية، بما في ذلك حدث وطني في 15 مارس/آذار.
ودقق باحثون أمريكيون وإيطاليون في عدد حالات الإصابة بالفيروس في البرازيل في ذلك الشهر، فوجدوا أن الإصابات الجديدة كانت أعلى بنسبة 20 في المئة تقريباً، في المدن التي يتركز فيها عدد أكبر من ناخبي بولسونارو.
وتتضمن القائمة، ساو باولو، وهي أكبر مدينة في البرازيل وأمريكا الجنوبية، إذ وصل عدد الوفيات بحسب الأرقام الرسمية فيها إلى 4688 شخصا، وهو رقم أعلى من العدد الإجمالي للوفيات الرسمية في الصين.
وكتب الباحثون "نستنتج من ذلك أن سلوك بولسونارو، زاد من وتيرة انتشار الوباء في البرازيل، فقد كان الانتشار السريع ليس فقط بسبب تكتل الناس خلال التظاهرات، بل وبسبب التغيير في سلوك أنصار بولسونارو أيضاً، فيما يتعلق بإجراءات التباعد الاجتماعي".
ويقول أنتوني بيريرا، مدير معهد البرازيل في "كينغز كوليج" بلندن، إنه لم يتفاجأ بالاختلاف في المواقف.
ويتذكر بيريرا: "كانت الاستجابة الأولية الأكثر شيوعاً لبعض أنصار بولسونارو، هي وصف الفيروس بأنه "خدعة".
"لذلك، عندما تحدى الرئيس النصائح الطبية والعلمية، حظيت حججه بتأييد مؤيديه الذين لم يحصلوا على معلومات كافية عن الفيروس من مكان آخر".
صورة حالكة
فرضت المملكة المتحدة إغلاقاً عاماً على مستوى البلاد لمدة سبعة أسابيع، امتدت بين شهري مارس/آذار ومايو/أيار.
وخرجت بعض الاحتجاجات، لكنها كانت محدودة جداً من حيث العدد مقارنة مع البلدان الأخرى.
وفي 10 مايو/أيار، أعلنت حكومة المحافظين في المملكة المتحدة أنها ستخفف بعض الإجراءات المتعلقة بالاغلاق العام في إنجلترا ويبدو أن رد الفعل على هذه الأخبار ظل مرتبطا بالانتماء السياسي.
وبحسب استطلاع "يو غوف بول" وافق 61 في المئة من ناخبي "حزب المحافظين" على التغيير، مقارنة بـ 32 في المئة فقط من مؤيدي "حزب العمال" المعارض.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالمواقف بشأن اتخاذ تدابير الحماية، فإن غالبية الناس في المملكة المتحدة وجميع الأطياف السياسية تصرفوا بطريقة مماثلة جداً.
ودعمت نسبة كبيرة من الناخبين من حزب العمال والمحافظين إجراءات التباعد الاجتماعي، مثل العمل من المنزل وإغلاق المدارس وحظر التجمعات الكبيرة.
ويشرح تيم بيل، أستاذ في العلوم السياسية في جامعة "كوين ماري" في لندن، ما قد بدا في البداية "كمفارقة" قائلا : "لا علاقة للمواقف تجاه نصائح الخبراء باليسار أو اليمين، بل هي أكثر ارتباطاً بالشعبوية، والتي قد ترتبط بأي من الجانبين".
ويضيف: "يميل الشعبويون في كثير من الأحيان إلى تفضيل ’الحسّ العام’ لدى ’الشعب’ على وجهات نظر النخبة من الخبراء".
هل سيكون "الجندر" الورقة الرابحة؟
تشير بعض نتائج البحوث إلى أن النوع الاجتماعي أو الجندر، (التحديد الاجتماعي لجنس الشخص)، قد يلعب دوراً أكبر من السياسة.
فقد كان النساء المؤيدات للحزب الجمهوري أكثر احتراما لإجراءات التباعد الاجتماعي من الرجال الجمهوريين في مختلف الحالات والمواقف في الولايات المتحدة.
وعندما أجرى باحثون في علم النفس مقابلات مع أشخاص تتراوح أعمارهم بين 19 و 24 عاماً ، أثناء الإغلاق العام في المملكة المتحدة، قال أكثر من نصف الشباب الذين سُئلوا، إنهم انتهكوا الحظر على التجمعات الاجتماعية عبر لقاء أصدقائهم. أما بخصوص الشابات فكانت نسبة من اخترقن الحظر أقل من 30 في المئة.
وتقول ليا ليفيتا، وهي عالمة نفس من جامعة "شيفيلد" البريطانية، عملت في هذه الدراسة: "نحن نعلم أن الذكور بشكل عام مجازفون أكثر".
وتستدرك: "ولكن كان الأمر حقاً مفاجئاً عند معرفة كيف انتهك المراهقون الذكور الأكبر سناً، القواعد أكثر من ذلك بكثير".
وفي ألمانيا، أيد الحزب اليميني المتطرف "إي إف دي" احتجاجات خرجت إلى الشوارع ضد القيود المفروضة جراء تفشي الفيروس.
وأشارت استطلاعات الرأي مؤخراً، إلى أن شعبية الحزب اليميني قد تقلصت في جميع أنحاء البلاد إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2017.
وفي الوقت نفسه، انتقد حزب " يونايتد فيوتشر برايس" المعارض في كوريا الجنوبية، طريقة تعامل الحكومة مع الوباء، بما في ذلك رفض حظر دخول الصينيين إلى البلاد في المراحل الأولى من استجابة الدولة للمرض.
وبدا في طريقه إلى النجاح في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 15 أبريل/نيسان.
ولكن بحلول موعد الانتخابات وبدء الكوريين بالتصويت في صناديق الاقتراع، كانت كوريا الجنوبية قد أصبحت تمثل قصة نجاح في كيفية معالجة تفشي الفيروس.
وفي نهاية المطاف، حقق الحزب الديمقراطي للرئيس مون جاي إن، فوزاً ساحقاً ، وانتقل من أقلية في البرلمان إلى حكومة أغلبية فيه.
فيديو قد يعجبك: