كورونا: زوجان لم يبتعدا عن بعضهما حتى عند مواجهة الموت
لندن- (بي بي سي):
قبل أيام، روى لنا الطبيب جون رايت قصة مريض تزوج حبيبته قبل موته بساعات. يكتب رايت يومياته لتوثيق ما يحدث في الصفوف الأمامية لمواجهة كورونا، في مستشفى برادفورد الملكي في منطقة بوركشاير البريطانية. هذه المرّة، يحكي لنا قصة ثنائي انتصر بالحبّ على المرض.
حملت سيارة الإسعاف زوجين في الستينات إلى المستشفى، بفارق ساعات قليلة بينهما. كانت حالة كليهما حرجة، ومستوى الأوكسيجين لديهما منخفضاً جداً.
كان الزوج مايكل دايفيد بليسينغتون، 68 عاماً، قد شخّص بسرطان الرئة قبل مدّة قصيرة، بينما تعاني زوجته ماري إليزابيث، وهي أصغر منه بعام واحد، من الربو.
اضطر الطاقم الطبّي لأداء مهمّة صعبة: أن يسأل مايكل إن كان يرغب بإنعاشه في حال أصيب بصدمة مفاجئة.
يقول: "في البداية، فكرت أن أقول لهم بألا ينعشوني، إن كان الوضع بذلك السوء، ثمّ تحدّثت إلى ماري، فغيرت لي رأيي".
أدخل مايكل إلى الجناح 29 وماري إلى الجناح 23. أزعج ذلك ابنهما البكر، غريغ، فبدأ يتصل بالمستشفى بشكل متكرّر، طالباً جمع والديه في غرفة واحدة. كان يعرف أنّهما سيقلقان كثيراً على بعضهما البعض.
يقول: "لم ينفصلا عن بعضهما البعض منذ كانا في سنّ الثالثة عشر، رفيقين على مقاعد الدراسة في مدرسة رودزواي، وبدآ يتواعدان. حين أصابت طابة بايسبول بريطانية رأسها قفز والدي من شباك المدرسة ليصل إليها".
ويتابع الابن: "هما مستعدان للقيام بأيّ شيء لأجل بعضهما البعض، ويلازمان بعضهما البعض طيلة الوقت. في الأعطال، يمارس والدي الصيد، وتجلس أمي بجانبه وتقرأ. جسم أبي مليء بالوشم، وهو شخصيّة فريدة، لكنّ علاقتهما مميّزة".
ماري ومايكل
استجاب المستشفى لطلب غريغ، ونقل الزوجان إلى الغرفة ذاتها.
يقول الابن: "أدخلا إلى المستشفى السبت (11 أبريل)، وتمكنّا الخميس من ادخال هاتف لوالدي. وحين اتصلنا به، كان أوّل ما قاله لنا "إنّها معي".
ويضيف: "أعتقد أنّها كانت محطّة مفصليّة لأبي، كان مريضاً للغاية، واعتقد أنّه سيموت. كان لونه مخطوفاً، ويواجه صعوبة بالتنفّس، وحالته تتدهور. حين نقلوه مع أمي إلى الغرفة ذاتها، تغيّر الوضع، لقد شعرنا بذلك".
يوميات من الصفوف الأمامية
البروفيسور جون رايت عالم أوبئة، وهو رئيس قسم الأبحاث في مستشفى برادفورد. خلال مسيرته، عمل في مواجهة الكوليرا، الايدز، والايبولا. وخلال عمله في مواجهة كورونا، يسجلّ يومياته لراديو بي بي سي من المستشفى.
تقول ماري: "إنّه لأمر رهيب، ظننت أني سأموت. في الليلة الأولى طلبت من الأطباء أن يعطوني جرعة ما لكي أموت". وتضيف: "إنّه فظيع. جرّبت ألم الولادة، ونوبات الربو الحادة، ولا يوجد شيء مثله".
تقول الزوجة إنّ الوضع في جناح المرضى مخيف. "يرتدي أفراد الطاقم الطبّي بذلات للحماية، ولا نستطيع أن نرى أحداً. يركضون في الجناح حين ينهار أحدهم، وهناك مرضى يفارقون الحياة. وكنا نسأل أنفسنا ماذا سيكون مصيرنا؟".
في المستشفى، صرنا أفضل بسبب الاحتفال بالناجين. كلّ مريض يغادر الجناح المخصص لكورونا، هو انتصار. لكنّ هذا الفرح لا يمكنه التعويض عن مأساة الوفيات التي تتفاقم بأرقام لم نشهد لها مثيلاً من قبل.
مايكل هو أحد انتصاراتنا، ونأمل أن تتبعه ماري قريباً على الطريق ذاته. رؤيتهما جنباً إلى جنب، بحالة أفضل، تنعش القلب، خصوصاً أنّ اصابتهما بالمرض جاءت بعد تشخيص مايكل بسرطان الرئة، ووفاة ابنهما الأوسط، بول، في فبراير/ شباط.
في حديثه معي، يبدو مايكل بحالة ممتازة.
- مايكل: أريد سريراً مزدوجاً.
- أنا: سرير مزدوج في المستشفى، سنحاول أن نرفع طلباً خاصاً. هل تعتقد أن لدينا جناجاً لقضاء شهر العسل؟
- مايكل: أجل، لم نحتفل بشهر العسل أبداً.
- ماري: لم تعد تملك الطاقة لذلك!
- مايكل: لا تختبريني في هذا الشأن.
من الواضح أنهما يرفعان معنويات بعضهما البعض، ويتطلعان لليوم الذي تصير فيه ماري بصحّة أفضل، لكي يغادرا المستشفى معاً.
يقول مايكل إنّه يحلم بفطور إنكليزي كامل، بينما تفكّر ماري بطبق "فيش أند تشيبس".
في سبتمبر المقبل، يحتفل مايكل وماري بمرور 48 عاماً على زواجهما. "الأطباء يعتنون بنا جيداً، لكنّنا نريد العودة إلى البيت معاً. هذا ما ننتظره الآن".
فيديو قد يعجبك: