إعلان

الجزائر بلاد تعددت تعديلاتها الدستورية بعدد رؤسائها

10:37 م السبت 31 أكتوبر 2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

لندن - (بي بي سي)

بمجرد أن تقلد زمام الأمور في الجزائر نهاية العام الماضي، تعهد الرئيس عبد المجيد تبون بتعديل الدستور. وها هو يفي بعهده ويستفتي شعبه بشأن مسودة مشروع تعديلات دستورية في الفاتح من نوفمبر - تشرين الثاني من العام الجاري، وهو موعد له دلالة رمزية كبيرة في تاريخ البلاد.

وبالتالي يكون تبون قد ظل وفيا لعادة سلفه من الرؤساء. إذ ما فتئ أي رئيس يصل إلى سدة الحكم منذ استقلال الجزائر من المستعمر الفرنسي، يدخِل تعديلات جديدة على الدستور السائر. وكان للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة حصة الأسد إذ أدخل تعديلا بعد تعديل عبر العشرين سنة التي دام فيها حكمه.

وصاغ أول رئيس للجزائر، الراحل أحمد بن بلة، بعد عام من نيل الجزائر استقلالها في الخامس من يوليو/ تموز 1962، أول دستور للبلاد، أقر تطبيق المبدأ الاشتراكي في الجزائر وأحقية حزب واحد فقط في حكم البلاد: حزب جبهة التحرير الوطني.

"تدخل الجيش في الحياة السياسية واجب"
وكان من أهم مخرجات دستور 1963 التي سوف تترك أثرا عميقا على نفسية البلاد السياسية؛ أن يكون "تدخل الجيش في الحياة السياسية واجب وليس مباحا فقط" كما يوضح البروفيسور رضا دغبار، الاستاذ في القانون الدستوري بجامعة الجزائر العاصمة، وذلك بناء على ما نصت عليه المادة 8 من دستور الاستقلال.

وفي عام 1966، استولى الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع آنذاك، على الحكم من بن بلة، في انقلاب عسكري نفذه في 19 يونيو/ حزيران من تلك السنة.

"ثم تدارك بومدين تلك الثغرة القانونية في دستور 1976" يضيف البروفيسور دغبار، "بجعل حقيبة الشؤون العسكرية في البلاد من صلاحيات الرئيس".

وتنص المادة 88 من دستور 1963 على أن "الجيش الوطني جيش شعبي، وهو في خدمة الشعب وتحت تصرف الحكومة بحكم وفائه لتقاليد الكفاح من أجل التحرير الوطني وهو يتولى الدفاع عن أراضي الجمهورية ويسهم في مناحي النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد في نطاق الحزب".

أحداث أكتوبر
عقب وفاة بومدين عام 1978، خلفه الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد الذي حكم للفترة من 1979 إلى 1992، إلا انه لم يعدل الوثيقة الرسمية في بداية الأمر، ولمدة طويلة، حتى انتفض عليه الشعب عام 1988.

فقد عاشت الجزائر انتفاضة شعبية رافقتها احتجاجات عنيفة، تنعت محليا بأحداث أكتوبر ـ تشرين الثاني 1988، بسبب تدهور القدرة الشرائية جراء أزمة انهيار أسعار البترول عام 1986 العالمية، وأودت بحياة المئات من الأشخاص، قدرت بين 150 شخصا حسب الأرقام الرسمية، و 500 شخص حسب المنظمات الحقوقية والمعارضين.

ولعل الإفراز الرئيسي ضمن التعديلات الدستورية التي تمخضت عن تلك الأحداث كان إنهاء نظام الحزب الواحد، لتشق البلاد طريقها نحو التعددية الحزبية.

وأنجب ذلك الانفتاح السياسي أحزابا معارضة كانت من أهمها جبهة الإنقاذ الوطني (الفيس) التي فازت بالأغلبية في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية عام 1991، لكن سرعان ما ألغي الدور الثاني من هذه الانتخابات من قبل الجيش، لتدخل الجزائر في حرب أهلية، يشار إليها محليا بالعشرية السوداء، واستغرقت أكثر من عقد وراح ضحيتها نحو 250 ألف جزائري على الأقل، فيما اختفى عدد كبير آخر إلى يومنا هذا.

وفي خضم الحقبة الدامية، أدخل الرئيس لمين زروال (الذي حكم في الفترة 1994ـ 1999) تغييرات على الدستور؛ كانت البارزة منها تقييد العهدة الرئاسية في عهدتين كل واحدة منهما لخمس سنوات غير قابلة لتجديد.

كما استحدث دستور زروال مجلس للأمة والمحكمة العليا للدولة ومجلس الدولة، وكرس الرقابة الدستورية عبر المجلس الدستوري.

وعندما وصل أكبر معمر في قصر المرادية في تاريخ الجزائر إلى يومنا هذا، الرئس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، إلى الحكم، مكث فيه عشرين سنة متتالية وأدخل أكبر عدد من التعديلات مقارنة بأي ممن حكموا البلاد من قبله.

عهدات لا منتهية
عدل بوتفليقة الدستور ثلات مرات، في 2002 وفي 2008 ثم في 2016.

ومن المحاور الأساسية الجديدة التي أدخلها تعديل 2002 وهو اعتبار اللغة الأمازيغية لغة وطنية لتتم ترقيتها إلى لغة رسمية أيضا في تعديل 2016.

بيد أن التغيير الجريء الذي أثار انتقادات شديدة في تعديل 2008 تعلق بمادة فك القيد على عدد الولايات الرئاسية التي يمكن للرئيس أن يترشح فيها دون انقطاع، ثم عاد بوتفليقة ليحصر عدد العهدات المسموح بها لعهدتين اثنتين فقط عندما أجرى تعديل 2016.

واللافت أن "كل التعديلات التي أجراها بوتفليقة لم يستفت فيها الشعب" يلاحظ الخبير الدستوري دغبار، "بل اكتفى بتمريرها عبر مجلس الشعب (الغرفة السفلى في البرلمان) ومجلس الأمة (الغرفة العليا)".

ثم جاءت رياح الحراك الشعبي مطلع 2019، لتستغرق أكثر من عام إلى غاية بداية انتشار وباء كورونا مطلع العام الحالي، لتطيح بنظام بوتفليقة ويتم انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجزائر في 13 ديسمبر/ كانون الأول.

وبغض النظر عن وجود معارضة كبيرة لطريقة انتخاب تبون بسبب انتمائه لنظام بوتفليقة وكذلك لضعف الإقبال على تلك الانتخابات، كان أول ما قام به الرئيس الجديد هو الإعراب عن نيته في إدخال تعديلات جديدة على الدستور.

"صلاحيات إمبراطورية"
وفعلا كان لتبون ما نوى، في فترة وجيزة نسبيا، وفي وقت استفحلت فيه أزمة صحية عالمية خانقة، بحيث صاغت لجنة مؤلفة من ستة عشر متخصصا في القانون الدستوري مسودة المشروع الأولية، أعلن عنها الرئيس في 7 مايو/ أيار الماضي، ثم صادق البرلمان بغرفتيه على المسودة النهائية في سبتمبر - أيلول الماضي.

وضمن المواد الجديدة في مقترحات تبون: تحديد ولاية الرئيس بولايتين فقط متتاليتين أو منفصلتين، لن تتجاوز مدة كل واحدة منهما خمسة أعوام، غير أن خبراء أعابوا على هذه المسودة أنها تعطي صلاحيات "امبراطورية" للرئيس، بصفته من يعين العديد من أعضاء او رؤساء أهم مؤسسات الدولة.

وتقول فريدة بلفراق، أستاذة قانون دولي وعلاقات دولية بجامعة باتنة: "يتضح من خلال النصوص الموضوعة أننا أمام حكم إمبراطوري تُشرف عليه سلطتين"

وتوضح أن تلك السلطتين "واحدة علنية أو ما يُعرف بالسلطة الواقعية، والأخرى خفية وهي السلطة الفعلية بالتعبير القانوني".

كما نصت المسودة المعروضة على الاستفتاء على اعتبار اللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية لا تخضع لأي تعديل دستوري مستقبلا.

إرسال الجيش إلى الخارج؟
بيد أن المادة التي أثارت الكثير من الجدل محليا هي إمكانية إرسال الجيش لمهام خارج البلاد بعد موافقة ثلثي أعضاء البرلمان.

ويعد هذا الموقف الجديد في سياسة الجزائر الخارجية "بمثابة تراجع راديكالي عن عقيدة الجيش الجزائري الدفاعية، الملتزمة دبلوماسيا بمبدأ عدم التدخل، واقتصار مهمته الأساسية في حماية الحدود" حسب الدكتورة بلفراق.

وتنص البند الثالث من المادة 31 المتعلقة بذلك على: "يقرر إرسال وحدات من الجيش الوطني الشعبي إلى خارج الوطن بعد مصادقة البرلمان بأغلبية ثلثي أعضاء كل غرفة من غرفتي البرلمان".

ووسط الجدل بين المؤيدين لتعديلات تبون الدستورية والمناهضين لها، وفي ظل وضع اقتصاد الجزائر الخانق بسبب انهيار أسعار البترول من جهة وتداعيات وباء كورونا من جهة أخرى، يتطلع الجزائريون إلى أن تخرج بلادهم إلى بر الأمان قريبا.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان