إعلان

من داخل محاكمات "أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية" بالعراق

12:03 م الأحد 03 سبتمبر 2017

تجرى الآف المحاكمات لأشخاص يشتبه في انتمائهم لتنظي

 

لندن (بي بي سي)

وقف الشاب عبدالله يرتدي زيا بُنيا باليا للسجناء، أمام ثلاثة قضاة يرتدون عباءات سوداء، في ساحة ضيقة لمحكمة محلية، وكان يهتز بعصبية.

وبعد أن ارتشف بعض المياه، أكد اسمه قائلا: عبدالله حسين، ويُتهم بالانتماء لمقاتلي تنظيم الدولة.

"اتخذ قرار المحكمة وفقا للمادة 2، و3 من قانون مكافحة الإرهاب لعام 2005". هذا ما أعلنه القاضي "حكم بالإعدام شنقا".

وفي ذلك الحين انهار عبدالله في البكاء.

واعتقل عبدالله، مثل كثير من المشتبه بهم هنا، على جبهة القتال في الموصل.

وبعد هزيمة تنظيم الدولة في ميادين القتال في شمالي العراق، ينتظر نحو ثلاثة آلاف شخص يشتبه في انتمائهم أو تعاونهم مع التنظيم دورهم في المحاكمات، حيث يعقد نحو خمسين جلسة على الأقل يوميا لهذا الغرض.

ولأسباب أمنية، يرسل معظم هؤلاء إلى محكمتين في بلدة قرة قوش ذات الغالبية المسيحية، وتبعد نحو 30 كيلومترا جنوب شرقي الموصل، وقد استعادت القوات العراقية السيطرة عليها بمساعدة الولايات المتحدة، في أكتوبر الماضي.

وينتقد بعض النشطاء الحقوقيين تلك المحاكمات، لكن قضاة عراقيين رفيعي المستوى يصرون على أن تلك المحاكمات تلعب دورا حيويا في استعادة القانون والنظام.

لقد سُمح لي بحضور بعض المحاكمات.

اعتراف أمام المحكمة

المتهم التالي يدعى خليل حماده، ويبلغ من العمر 21 عاما، وهو أكثر طلاقة في الحديث.

وينحدر حماده من بلدة سيطر عليها تنظيم الدولة طيلة عامين، وحكى عن سعيه للوصول إلى الشخص، الذي كان يجند الشباب المحليين في صفوف التنظيم.

وقال حماده: "لقد ذهبت بنفسي. لم يجبرني أحد. لقد انضم كثيرون منا للتنظيم".

_97629377_ea6030bb-97a7-4a2b-afbe-a77b1c2c6d67

وسأله القاضي: "كيف انضممت للتنظيم؟ أي قسم أقسمته؟"، فأجاب حماده: "لا أتذكر بالضبط نص العبارات، لكني أقسمت على الولاء لزعيم التنظيم أبوبكر البغدادي والخلافة".

واستمر حماده في الحكي كيف درس في صفوف التنظيم الشريعة الإسلامية، وكيف تدرب على كمال الأجسام واستخدام السلاح.

لكنه أخبر المحكمة أنه أصبح "مجرد طباخ"، قبل أن يعترف بأنه كان أيضا واحدا من بين ستة حراس، "يحملون بنادق الكلاشينكوف" في إحدى قواعد التنظيم. وكان حماده يتلقى راتبا شهريا قدره 150 دولار.

وحينما لخص القاضي تاريخ حماده، أومأ الأخير بالموافقة قائلا: "نعم. صحيح". وتحدثت قاضية امرأة ومحامية معينة من قبل الدولة، لوقت قصير خلال الجلسة.

ومثل عبدالله حسين تلقى خليل حماده حكما بالإعدام.

وأخبُر حماده أن بإمكانه الطعن على هذا الحكم، أمام محكمة أعلى في بغداد، لكن منظر حماده، الذي يبدو عليه الاستسلام، أوحي بأنه يعلم أن ذلك مجرد إجراء شكلي ليس إلا.

"ترسل رسالة"

خلال القتال في الموصل، وجدت منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية أدلة، على أن بعض الجنود العراقيين كانوا يقتلون أشخاصا يشتبه في انتمائهم لتنظيم الدولة، بدلا من تقديمهم للمحاكمة.

وقالت المنظمة إن رجالا وفتية، فروا من المدينة، تعرضوا لسوء المعاملة والقتل والتعذيب. واعترف رئيس الوزراء العراقي منذ ذلك الحين بوجود "انتهاكات صريحة".

وتقول منظمة هيومان رايتس ووتش الآن إن لديها "مخاوف جدية"، بشأن جودة الدفاع في القضايا التي تعقد جلساتها في محكمة جنايات نينوى، الواقعة في بلدة قراقوش.

لكن كبير القضاة، سلام نوري، يصر على أن محكمته تتصرف بمهنية، وتقوم بوظيفة مهمة.

ويقول: "إنها ترسل رسالة إلى المواطنين بأن القضاء هو أعلى سلطة، وأن الحكومة العراقية استعادت السيطرة على زمام الأمور".

ويقول القاضي يونس جميلي رئيس محكمة التحقيق، التي أنشأت مؤقتا في منزل عائلي كبير: "القاضي يبقى محايدا".

وأشار جميل إلى أن تنظيم الدولة استهدف القضاة في الموصل، وأن 15 من زملائه قتلوا على أيدي التنظيم.

وأضاف: "كل فرد منا فقد عضوا من عائلته أو دمر له منزل، لكن حينما يقف أمامنا شخص مشتبه، نعامله وفقا للقانون".

وحينما سألت القاضي جميلي عن الأدلة، رأيت بريقا في عينيه ورد قائلا: "أنت تعلم أن أعضاء تنظيم الدولة يساعدوننا لكي ندينهم"، ومد يده وأمسك بملف كان على مكتبه.

وبداخل الملف كان هناك دليل إضافي، على أن تنظيم الدولة ليس ميليشيا عشوائية، بل إنهم كانوا يتصرفون باعتبارهم دولة.

إنه جدول بيانات مطبوع من على جهاز كمبيوتر، اكتشفته الاستخبارات العراقية.

ويحتوي كل صف من صفوف الجدول الـ 196 على بيانات تفصيلية لأحد أفراد التنظيم، منها اسمه بالكامل وعنوانه ووظيفته وصورة شخصية له.

"اعتقالات بالخطأ"

ومع وجود مخاوف حقيقية، من أن يحاول المتطرفون الاندماج مرة أخرى مع الشعب العراقي، فإن هناك أمل في أن تتمكن المحاكمات من منع ظهور تنظيم الدولة كجماعة متمردة مجددا، ومنع الأعمال الانتقامية.

وخارج المحكمة التقيت الشاب موفق، الذي جاء من الموصل ليتقدم بطلب فتح تحقيق رسمي. وقال لي إن جاره، الذي التحق بصفوف تنظيم الدولة، أحرق منزله.

وقال: "أتمنى أن يمثُل أمام المحكمة قبل أن أراه".

لكن أشخاصا آخرين يقولون إن أحباء لهم اعتقلوا بالخطأ.

وتقول امرأة إن زوجها، الذي اعتقل قبل نحو شهرين، يعاني من مشكلات في صحته العقلية.

ويقول أحد الآباء إن ابنه "شاب عادي يبيع الخضروات على عربة يدوية"، وليس عضوا في تنظيم الدولة.

وبالحديث إليهم، يبدو جليا أن الحكم بأن شخصا ما كان متعاونا مع تنظيم الدولة أمر شائك، حيث إنه من الصعب أن تقول إن بعض المواطنين فعلوا ما اضطروا لفعله فقط لكي ينجوا بحياتهم، أو لأنهم اعتنقوا أيدلوجية تنظيم الدولة.

ومع انتهاء إجراءات المحاكمات في نهاية اليوم، يسيِّر حراس مسلحون صفا من السجناء إلى خارج البوابات، ورؤوسهم إلى أسفل.

وتبدو الشوارع في جميع أنحاء بلدة قراقوش خالية تقريبا.

وقبل نحو ثلاث سنوات فر عشرات الآلاف من سكان البلدة، وغالبيتهم مسيحيون، مع تقدم تنظيم الدولة نحوها، والآن عاد عدد قليل للغاية منهم إلى ديارهم.

والآن تحمل قرة قوش، بكنائسها المهجورة، شهادة على بربرية تنظيم الدولة، وعلى الصعوبة التي سيواجهها العراقيون العاديون في إعادة بناء حياتهم.

 

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان