كيف ينتهي القمع والتمرد في سيناء؟
لندن (بي بي سي)
"إنهم يريدون أن يبادلوني بالنساء المسلمات، المعتقلات في السجون المصرية. ولابد من تحقيق ذلك قبل 48 ساعة من الآن، وإذا لم يتحقق فإن جنود ولاية سيناء سيقتلونني". هذا ما قاله الرجل الذي عرف نفسه بأنه توميسلاف سالوبيك، في فيديو بث في الخامس من أغسطس/ آب الجاري.
وبعد بث هذا الفيديو بنحو أسبوع نشر تنظيم ولاية سيناء، وهو جماعة متشددة أعلنت مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2014، ما بدا أنه صورة لجثة سالوبيك مقطوعة الرأس.
وتضمنت الصورة نصا مرفقا، يقول إن الرهينة الكرواتي الذي يبلغ من العمر 31 عاما قتل، بسبب "مشاركة بلاده في الحرب على تنظيم الدولة".
أهداف سهلة
وكان سالوبيك يعمل مسّاحا في شركة فرنسية متخصصة في علوم الجيولوجيا، حينما اختطف أثناء سفره على طريق غربي القاهرة، في الثاني والعشرين من يوليو/ تموز الماضي.
ويمثل مقتل سالوبيك تغيرا مهما.
كان سالوبيك يعمل مسّاحا لصالح شركة فرنسية في مصر
وهذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها ولاية سيناء مدنيين أجانب في مصر، لكنها المرة الأولى التي يختطف فيها التنظيم المسلح مواطنا غربيا من العاصمة المصرية، ثم ينقله ويقتله في أحد معاقله.
واستهداف مواطنين غربيين - بالنسبة لتنظيم ولاية سيناء - يلقى اهتماما أكبر من جانب الصحف الدولية، مقارنة باستهداف مواقع عسكرية للجيش المصري.
ويبدو الأجانب والسياح أهدافا أقل تكلفة و"سهلة" بالنسبة للمسلحين، وهذا الرأي الذي ثبت خطؤه في التسعينيات من القرن الماضي، حينما أثارت مذبحة أسفرت عن مقتل أكثر من خمسين سائحا أجنبيا في الأقصر غضبا دوليا.
ونفذ تنظيم ولاية سيناء، وسابقه (الذي يضم معظم فصائل تنظيم أنصار بيت المقدس بشكل أساسي) وجماعات متشددة أخرى أكثر من 400 هجوم، ما بين عامي 2012 و2015.
واستهدف معظم تلك الهجمات قوات الجيش أو الشرطة، ووقعت في الطريق الساحلي بين العريش ورفح، شمال شرقي شبه جزيرة سيناء.
أما بقية الهجمات فقد استهدفت إسرائيل، أو أهدافا مدنية سهلة مثل خطوط أنابيب الغاز.
كما تمكن تنظيم ولاية سيناء من تنفيذ هجمات كبيرة خارج سيناء، أبرزها القاهرة ومنطقة دلتا النيل وشمالي صعيد مصر، والصحراء الغربية التي تبعد بأكثر من 1000 كيلومتر عن شمال شرقي سيناء.
أسلحة متطورة
قتل أكثر من 600 جندي مصري منذ بدء الهجمات عام 2013
وقد تطورت الحركة المسلحة في سيناء فيما بين عامي 2004 و2015، من حملة إرهابية تستهدف تفجير الأهداف السهلة في المناطق الحضرية، مثل فندق طابا هيلتون عام 2004، إلى حركة تمرد مسلحة، تصنف ما بين المستوى المنخفض إلى المتوسط، وتستهدف بشكل أساسي الأهداف "الصعبة"، مثل معسكر الكتيبة 101 بالعريش، ومقر الحملة العسكرية الذي يطلق عليه السكان المحليون اسم "غوانتانامو سيناء".
واستخدمت ولاية سيناء في هجماتها صواريخ أرض-جو موجهة مضادة للطائرات لإسقاط مروحيات الجيش، وقذائف هاون عيار 60 ملليمتر و120 ملليمتر، ورشاشات ثقيلة عيار 12.7 ملليمتر، وصواريخ غراد لمهاجمة مطار العريش، كما استخدمت صواريخ موجهة مضادة للدبابات، وعبوات ناسفة بدائية.
وتميز الكثير من هجمات التنظيم في شمال سيناء منذ عام 2014 بأنه منسق ومتزامن.
وكان أكثر الهجمات تعقيدا في الأول من يوليو/تموز الماضي، حين هوجمت 16 نقطة أمنية وعسكرية، واحتل ما يقدر بنحو 300 مسلح مدينة الشيخ زويد لفترة وجيزة.
وتمكن المسلحون من الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة، التي أرسلها الجيش كتعزيزات إلى سيناء، وعرضوا بعضها في فيديوهات دعائية، بما في ذلك عربات مدرعة.
ولم يستطع أي تنظيم مسلح في مصر من قبل الحصول على تلك الأسلحة، حتى خلال مرحلة العنف الذي انتهجه إسلاميون في التسعينيات من القرن الماضي في إقليم الصعيد.
أخطاء في مواجهة المسلحين
وتأتي هذه التطورات المقلقة بعد أكثر من 18 شهرا، شن خلالها الجيش حملة عسكرية شرسة للغاية، لكنها لم تكن ذات جدوى، على المسلحين في شمال سيناء.
فشلت العمليات العسكرية حتى الآن في وقف هجمات المسلحين في شمال سيناء
وهدمت السلطات المصرية أكثر من خمسة آلاف منزل وسوتها بالأرض، ليس فقط في مدينة رفح شرقي سيناء، لإقامة منطقة عازلة بطول الحدود مع قطاع غزة، بل أيضا بعيدا عن الحدود في وسط مدينة الشيخ زويد، وذلك في عقاب جماعي لعائلات المشتبه بهم.
ولا تبدو السلطات في مصر مدركة للمخاطر الجديدة، إذ إنها غير راغبة في مراجعة سياساتها في مكافحة الإرهابيين والمسلحين.
وفي الرابع من يوليو/تموز، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي من مكان لم يكشف عنه في سيناء، وهو يرتدي الزي العسكري: "تعبير ’تحت السيطرة’ ليس كافيا لوصف الوضع في سيناء، بل إن الموقف مستقر تماما ومئة في المئة".
لكن تصريحات السيسي بدت متناقضة مع زيه العسكري، ومع إعلان رئيس وزرائه في وقت سابق بأن مصر "في حالة حرب"، والأهم من ذلك أنها تتناقض مع الهجمات المتزامنة على 15 نقطة عسكرية وأمنية، والتي وقعت قبل تصريحاته تلك بثلاثة أيام.
وتتميز أزمة سيناء بأنها متعددة الأبعاد والتطورات، وهذا يعني أنها تحتاج إلى استراتيجية معقدة لمكافحة الإرهاب، تتضمن مناهج ذات نطاق أوسع على المديين المتوسط والطويل.
يصر الرئيس عبدالفتاح السيسي على أن الأوضاع في سيناء مستقرة
وتعود أبعاد الأزمة السياسية والاجتماعية والبنيوية والأمنية والإنسانية إلى ما بعد انسحاب إسرائيل من سيناء عام 1982.
فقد اعتبرت السياسات الأمنية والاجتماعية منذ ذلك الحين سيناء تهديدا وليس فرصة، وأن سكانها جواسيس، أو إرهابيين، أو مهربين محتملين، وليس مواطنين مصريين كاملي المواطنة.
تفاقم الأزمة
وكانت السمة المطردة في تلك السياسات، التي يسيطر عليها الجانب الأمني، هي المزج بين القمع المكثف ومحاولات تعاون مع قيادات قبلية مختارة.
وكانت النتيجة الرئيسية لهذه السياسات هي تحويل المشكلة، من مشكلة أمنية محدودة مرتبطة بدعم لوجيستي لفصائل فلسطينية مسلحة متعددة في قطاع غزة، إلى تمرد محلي مسلح، اتسع نطاقه وشدته وشرعيته، وأدى هذا إلى تغيير هدفه بشكل كبير ليصبح له بعد إقليمي معقد.
كما يعد الخلل البنيوي في العلاقة بين الجيش والمجتمع المدني جزءا من مشكلة سيناء.
ويرتبط ذلك بشكل خاص بفقدان السيطرة على صياغة سياسات الأمن القومي وتنفيذها، بالإضافة إلى عدم وجود محاسبة بشكل عام، حينما تفشل تلك السياسات أو تؤدي إلى تفاقم أزمة ما.
أثارت السياسات الحكومية استياء أهالي سيناء المهمشين بالفعل
ولم تحدث مراجعة شاملة للسياسات الأمنية والعسكرية في سيناء على الإطلاق.
وكان النقاش الوحيد المفتوح الذي حدث بشأن سيناء خلال الفترة الانتقالية القصيرة، في الفترة ما بين فبراير/شباط 2011 ويونيو/حزيران 2013، ولكنه لم يسفر عن أي سياسة تنفيذية، ثم تلاشى سريعا بعد إزاحة الجيش للرئيس المنتخب محمد مرسي في يوليو/تموز 2013.
ومن المرجح أن تستمر الأزمة الأمنية في سيناء، طالما ظلت السمة الرئيسية لسياسات الجيش في شبه الجزيرة دون تغيير.
فيديو قد يعجبك: