كيف تكون مديراً عظيماً وتغادر عملك في الموعد المحدد
بي بي سي:
لم تكن الساعة قد قاربت الخامسة مساءً، وهي المسؤولة عن إدارة 475 موظفاً في فرع المكتب في ''ميلووكي'' بولاية ''ويسكونسون''. كان الموظفون لا يزالون يعملون بجد. لكن بيرهاتش، أرادت اللحاق بمباراة بيسبول يشارك فيها ابنها البالغ من العمر 11 عاما.
تذكرت بيرهاتش قائلة: ''أمسك الكرة بشكل رائع في الجهة اليسرى من الملعب. وقد اعتلت وجهه ابتسامة عريضة. لم أكن لأفوت تلك اللحظة مقابل أي شيء في العالم''.
وجدت بيرهاتش التوازن المناسب بين عملها وحياتها الخاصة، وتستطيع تحديد الأولويات التي تهمها حقاً، وهي تلك اللحظات العزيزة في حياة الإنسان.
لكن ليس جميع المديرين محظوظين مثلها. يعتقد الكثير ممن يحتلون مراكز المسؤولية أنه يتوجب عليهم الوصول إلى مكاتبهم قبل الجميع، وأن يكونوا آخر من يتركها. يظنون أن خلوّ الكرسي الذي يشغلونه هو إشارة لموظفيهم كي يتثاقلوا في العمل، وأن الوظيفة تأتي في المقام الأول مهما كلف الأمر.
يعمل جيمس أدونيس كاستشاري في مجال إسهام الموظفين في العمل وقيادة فرق العمل في سيدني باستراليا، ويقول: ''هناك توقع في كثير من مواقع العمل بأنه لا يمكنك أن تكون مديراً وتعيش حياتك الخاصة في نفس الوقت''.
لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك، فالكثير من الدراسات والأبحاث تدعم فكرة مفادها أن العمل لساعات طويلة يجعل الناس أقل سعادة وإنتاجية.
إذا كنت مديراً يقضي كل وقته في مكتب العمل، فتأمل ما يعنيه ذلك بالنسبة للموظفين. إن المديرين الذين يبقون في مكاتبهم لمجرد إثبات وجودهم يعطون انطباعاً بأنهم لا يجيدون إدارة الوقت، حسب رأي أدونيس.
والأهم من ذلك أن الموظفين سيظنون أنك لا تثمّن الحياة بعيداً عن جو العمل.
يقول أدونيس: ''الرسالة التي تريد نشرها هي أنه لا يتوجب علينا العيش في مكاتب العمل، وأنكم تستطيعون العمل معي وفي نفس الوقت أن تعيشوا حياتكم''.
المحاولة الأخيرة
يحتاج المديرون للتركيز على النتائج وليس الوقت المصروف في مكاتب العمل، ذلك ما يقوله ستيوارت فريدمان، وهو أستاذ ورئيس مشروع ''التكامل بين الحياة والعمل'' بكلية وارتن بجامعة بنسيلفانيا الأمريكية.
في عام 2001، كان فريدمان أحد كبار المديرين التنفيذين في شركة فورد لصناعة السيارات. وقتها، أسس نهجا للريادة في العمل، أكد فيه على النتائج بدلاً من الوقت المصروف في العمل.
أدى هذا النهج إلى زيادة عدد الموظفين من ذوي الإنتاجية الأعلى، ممن أحسوا بسعادة أكبر في وظائفهم.
إذا لم تكن متأكداً من أن مديرك سيقتنع بالفكرة ويطبقها، يقترح فريدمان أن تضع خطة مكونة من جزئين قبل الترويج لتلك الفكرة.
أولاً، حدد الأولويات وما هو الأهم، ثم قرر كم يتطلب الأمر من الوقت واقعياً. واسأل أفراد عائلتك وأصدقائك عما يريدونه منك لتقوم به إن توفر لك متسع أكثر من الوقت.
ليس هذا تهرباً من العمل، لكنه يخص حقاً جدولة الوقت لترتيب الأمور التي تعتبر مهمة بالنسبة لك. ربما يتعلق الأمر بزيارة والدتك المقيمة في دار المتقاعدين أيام الثلاثاء، أو اللحاق بتدريبات ابنتك الرياضية في لعبة الجمباز أيام الخميس.
يقول فريدمان: ''غالباً ما تجد أن توقعات الناس لما يمكنك أن تقوم به هي أقل بكثير مما تظنه. يكمن الجواب، على الأغلب، في نوعية الوقت لا أكثر. ساعتان من وقتك أسبوعياً لتقدم فيه دعمك النفسي، بدون أن تفكر في العمل أو تتحقق من بريدك الإلكتروني.''
ثانياً، ضع خطة لتعرضها على مسؤوليك توضح إمكانية غيابك عن العمل لبعض الوقت. لتكن الخطة معقولة، كما يقول فريدمان. فأي مدير يتسم بالمنطق سيوافق عليها.
ربما تكون مجرد مقترح بغيابك عن العمل من الساعة الثالثة عصراً أيام الثلاثاء دون الرد على بريدك الإلكتروني أو هاتفك النقال. وقبل أن يرفض مسؤولك في العمل ما تقدمت به، اشرح له كيف أن الأمر لن يؤثر على إنتاجيتك في العمل.
جرّب الأمر لمدة شهر مثلاً، وإذا تخلفت عن تحقيق أهدافك في العمل، فعليك أن تعد بالعودة إلى القيام بواجباتك الوظيفية في ذلك الوقت أيام الثلاثاء.
يقول فريدمان: ''يقول الناس دوماً إنهم لا يستطيعون ترك مكان العمل بسبب عدم موافقة المدير على ذلك. لكن عبء المسؤولية يقع على عاتقك لضبط سير الأمور.''
أعد ترتيب يومك
كما يتعلق الأمر بإعادة ترتيب أمورك اليومية، حسبما تضيف بيرهاتش. ويكون ذلك بالابتعاد عن العقلية التقليدية ليوم العمل المكون من ثمانِ ساعات، وفي العديد من بنوك الاستثمار ومكاتب المحاماة يمتد يوم العمل إلى 16 ساعة.
وتضيف بيرهاتش أنها نجحت في ترك العمل مبكراً في بعض الأحيان، لأنها ثبتت مركزها في مكتب المحاماة، وتنجز العمل في وقته. وإذا تطلب الأمر، فإنها تعود إلى المكتب مساءً لإنجاز بعض مهام العمل.
تقول بيرهاتش: ''ما دمتُ قد كوّنت لنفسي سمعة بأني مجتهدة في عملي، فإن الناس لن يلاحظوا كثيراً عدم تواجدي في مكتبي كل دقيقة من ساعات العمل.''
في تلك الليلة، وبعد لحاقها بمباراة ابنها، تناولا معا شطائر البرغر في أحد مطاعم النادي، ثم توجّها إلى البيت لمساعدة أطفالها الثلاثة في ارتداء بيجاماتهم والتوجه للفراش. وعندما راودهم النعاس وناموا، شغّلت جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بها على مكتبها لتعاود مزاولة بعض واجباتها الوظيفية.
في تلك الأثناء، كانت لا تزال مبتهجة وهي تفكر بالطريقة الرائعة التي أمسك فيها ابنها بالكرة في ذلك اليوم. بالتأكيد، كانت تزاول عملها ثانية، ولكنها كانت تشعر بسعادة أكبر. فما قامت به هو أنها خلقت توازناً رائعا بين ما هو مهم في حياتها وفي عملها.
تقول بيرهاتش: ''لم يكن ذلك لينجح لو لم أشكل نفسي لأكون إنسانة يمكنها إنجاز ما يجب إنجازه. يجب أن يكون لديك سجل بالنجاحات. عندها سيثق الناس بأنه يمكنك إنجاز الأمور دون الحاجة لتواجدك في مكتبك طوال الوقت.''
من المؤكد أنه كان بإمكانها البقاء في مكتب العمل لتبدو منهمكة أمام بقية الموظفين والعاملين لديها. لكن بيرهاتش لا تحبّذ ذلك، وتقول: ''لا أود حتى التفكير في تفويت فرصة مثل مشاهدة تلك الطريقة التي أمسك ابني بها الكرة.''
فيديو قد يعجبك: