إعلان

هل حانت لحظة ايران لتزعم منطقة الشرق الأوسط؟

06:09 م السبت 18 يوليو 2015

عمت الفرحة بالتوصل الى الاتفاق الشارع الايراني

لندن (بي بي سي)

"النظام الإيراني مثل الوحش المربوط إلى شجرة، أخيرًا فك عقاله بناء على حسن النوايا".

يلخص هذا الرأي الذي عبر عنه الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد في صحيفة الشرق الأوسط ذات النفوذ الواسع ردود الفعل في وسائل الاعلام العربية بعد توصل ايران الى اتفاق مع القوى الغربية حول برنامج طهران النووي.

وقياسا على المحادثات التي اجريتها مع المصريين العاديين في عاصمتهم القاهرة، علاوة على الاحاديث الدائرة في وسائل التواصل الاجتماعي العربية، فإن الشارع العربي بشكل عام يشارك الاعلام هذه المخاوف.

فبالنسبة للعديد من الحكومات العربية السنية وشعوبها، ثمة قلق بأن رفع العقوبات الدولية المفروضة على ايران سيسمح للايرانيين بتكثيف دعمها لوكلائها في عموم منطقة الشرق الأوسط.

وهذا يعني أن ايران ستتمكن من توفير دعم عسكري أقوى لنظام بشار الأسد في سوريا والميليشيات الشيعية في العراق والمتمردين الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان.

وأبرزت الصحف العربية في الأيام الأخيرة تعليقا أدلى به المبعوث الدولي السابق الى سوريا الاخضر الابراهيمي بعد رحلة قام بها الى العاصمة الايرانية في عام 2013.

يقول الابراهيمي إن مضيفيه الايرانيين قالوا له بالحرف الواحد "نحن لسنا دولة مهمة في الاقليم، بل نحن الدولة المهمة فيه".

150718133853_624x351_2

من وجهة النظر هذه يتبين للعديد من العرب أن الاتفاق النووي الأخير يرقى الى ان يكون محاولة لاعادة رسم خريطة المنطقة وبعث جديد للامبراطورية الفارسية.

استراتيجية طويلة الأمد
يقول العديد من العرب إن استمرار المفاوضات الصعبة مع القوى الدولية لعقد كامل يؤكد سلوك ايران استراتيجية طويلة الأمد جرى التخطيط لها بصبر وأناة مصدرها براعة الايرانيين في نسج السجاد الفاخر.

ولكن كم من هذا الاعتقاد يستند الى حقائق؟

الموضوع الجوهري الذي يجب وضعه نصب العين هو عامل الوقت.

فنظرة فاحصة الى الشروط والجداول الزمنية والالتزامات التي يتضمنها اتفاق فيينا تؤدي الى الخروج باستنتاج مفاده إن تنفيذ كل الشروط الضرورية لرفع العقوبات سيتطلب من ايران وقتا طويلا جدا، وقد تستغرق العملية في بعض الحالات 25 عاما.

لذا تبدو بعض التوقعات التي تشير الى أن ايران ستحصل بين ليلة وضحاها على ثروة هائلة تنفقها في شراء الاسلحة مفتقرة الى الموضوعية الى حد بعيد.

وحتى في حال رفع الحجز على الحسابات الايرانية المجمدة وعودة الاموال الايرانية الى طهران، ينص اتفاق فيينا على أن حظر استيراد الاسلحة الساري حاليا سيستمر على ما هو عليه لمدة تتراوح بين 5 الى 8 سنوات أخرى.

كما أنه من المهم التأكيد على ان العقوبات التي سترفع بموجب اتفاق فيينا هي وحدها المتعلقة بنشاطات ايران النووية، ولا تشمل العقوبات الأمريكية والدولية الاخرى المفروضة على البلاد منذ الثورة الاسلامية.

فما زال الطريق طويلا جدا لايران والدول الغربية لحل كل القضايا الخلافية بينهما ووضع نهاية لعزلة ايران الدولية.

كما يخطئ بعض المعلقين العرب بالقول إن حلفا ايرانيا أمريكيا جديدا في منطقة الشرق الاوسط آخذ بالتشكل.

فالرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يترك مجالا للشك عندما قال إنه لا يتوقع عودة العلاقات الدبلوماسية مع ايران في القريب العاجل.

وقد يؤدي انتقال السلطة في واشنطن الى الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية المقبلة العام القادم الى تقويض اتفاق فيينا برمته.

وحتى لو فاز الديمقراطيون واحتفظوا بالبيت الابيض الامريكي، ليس من المضمون ان تنفذ كل مراحل الاتفاق النووي دون عراقيل اذا اخذنا بنظر الاعتبار المعارضة الشديدة التي يبديها الاسرائيليون والسعوديون.

معارضة المتشددين


كما يعارض الجناح المتشدد في ايران الاتفاق بقوة.

وبالرغم من أن المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي يبدو الى الآن من مؤيدي الاتفاق، قد يغير رأيه تبعا للظروف والتطورات في هذه المنطقة المضطربة علاوة على التوترات المتصاعدة بين الفئات السياسية المختلفة داخل ايران.

وفيما قد تبدو فكرة بعث الامبراطورية الفارسية ضربا من المبالغة، ليست هذه الفكرة من بنات الخيال الجامح لبعض السياسيين العرب فقط.

150718133853_624x351_4

فهناك دوائر وشخصيات سياسية وعسكرية متنفذة في ايران ما زالت تؤمن بقوة الهتاف الذي كان يتردد ابان الحرب العراقية الايرانية في ثمانينيات القرن الماضي والذي كان يقول إن "الطريق الى القدس يمر بكربلاء".

بالنسبة لهؤلاء، فإن قيادة ايران الشيعية لعالم اسلامي موحد مما يمهد الطريق لظهور الامام الـ 12 لحكم العالم، ليست حلما فحسب بل هي حقيقة لا يرقى اليها شك.

ولكن السياسات الواقعية التي ينتهجها الرئيس حسن روحاني لا تمت بصلة للنظرة التشاؤمية التي يؤمن بها المتشددون، فبالنسبة لروحاني وفريقه تعتبر اتفاقية فيينا نصرا عظيما.

فموقف الرئيس روحاني الآن أقوى بكثير مما كان عليه، مما يتيح له الانطلاق بعملية اعادة بناء الاقتصاد الايراني بعد عقد من العقوبات المهلكة.

وقد أوضح الرئيس الايراني بأن جزءا على الأقل من عملية اعادة البناء هذه يجب ان يشمل حل الخلافات القائمة مع الدول العربية وتطبيع العلاقات مع غيرها من الدول المتنفذة.

الاقتصاد هو الأولوية
أما بالنسبة للايرانيين العاديين، فالأولوية الآن تتلخص في وضع حد للمعاناة الاقتصادية والعزلة السياسية التي اتسمت بها السنوات العشر الاخيرة.

وسيحتاج الرئيس روحاني الى دعم المرشد الاعلى المتواصل من أجل تحويل آمال الايرانيين الى حقيقة، وطالما استمر هذا الدعم يمكن لروحاني مجابهة التحديات التي يمثلها المتشددون الحالمون بالزحف الى القدس.

ولكن لايران مخاوف حقيقية في المنطقة، فالتمدد المستمر لتنظيم "الدولة الاسلامية" ينظر اليه بخوف وتوجس في طهران.

ولذا، وفيما قد يرغب الرئيس روحاني باتباع سياسات دبلوماسية لينة مع جيران ايران العرب، فإنه من غير المرجح أن تتخلى ايران عن النفوذ الذي تتمتع به فعلا في المنطقة.

القيود والشروط التي يتضمنها اتفاق فيينا تعني أن ايران لا ينبغي ان توصف بأنها "وحش مربوط إلى شجرة، أخيرًا فك عقاله"، بل "وحش مربوط بعقال طويل".

وطالما استمرت التوترات تعصف بالمنطقة، من المرجح ألا تتخلى ايران عن اتخاذ وضع الدفاع بشكل عام.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان