غرور السلطة
لندن (بي بي سي)
هناك في كل أنحاء العالم قادة يرفضون التنحي عن السلطة.
وأكبر مثال عن ذلك هو الرئيس البورندي بيير نكورونزيزا الذي قرر الترشح لفترة رئاسية ثالثة رغم معارضة شعبية واسعة والمادة الدستورية القائلة إن الرئيس لا يجوز ان يتعدى فترتين رئاسيتين.
ويقول نكورونزيزا إنه عين لفترة رئاسته الأولى ولم ينتخب، ولذا فلا يجوز ان تحتسب فترته الأولى.
ويعتقد كثيرون أن الرئيس الرواندي بول كاغامي ينوي هو الآخر الترشح لفترة ثالثة.
ولكن نوايا هذين الرئيسين لا تقارن بالرئيس الغامبي يحيى جماح الذي قال لبي بي سي عام 2011 "إذا كان علي أن احكم هذا البلد لمليار سنة فسأفعل".
ولكن التمسك بكرسي الحكم ليس سبيلا ناجحا في كل الأحوال.
فرئيس بوركينا فاسو، بلايس كامباور، أطيح به في احتجاجات شعبية في العام الماضي لمحاولته تعديل الدستور للسماح لنفسه بالترشح مرة أخرى.
"دعوه يستمر"
وفيما يلجأ بعض الرؤساء إلى التلاعب باللوائح القانونية من أجل تفادي الحدود المفروضة على فترات الولاية، يرفض غيرهم هذه الحدود جملة وتفصيلا.
فرئيس زيمبابوي روبرت موغابي، الذي يتولى حكم البلاد لفترة سابعة، يقول إن هذه الحدود غير ديمقراطية. وقال في قمة الاتحاد الأفريقي التي عقدت في وقت سابق من العام الحالي "نضع حبلا حول عنقنا إذا قلنا إن الزعماء لا ينبغي لهم أن يقضوا إلا فترتين في الحكم".
ومضى للقول "إنه النظام الديمقراطي. إذا أراد الشعب من الرئيس أن يستمر، دعوه يستمر".
وكان بعض زعماء القارة الآسيوية في فترة ما بعد الاستقلال لا يرون بأسا في الاستمرار في الحكم لفترات طويلة.
فالرئيس الإندونيسي أحمد سوكارنو تزعم بلاده لـ 22 سنة، فيما تولى لي كوان يو رئاسة الحكومة في سنغافورة من 1959 إلى 1990.
وقال الاستاذ كيشور محبوباني من كلية لي كوان يو للسياسات العامة في سنغافورة لبي بي سي "كان لي كوان يو شخصية متميزة، وكان الدخل القومي لسنغافورة في نهاية عهده يبلغ 12 ضعف ما كان عليه عند توليه السلطة".
وأضاف محبوباني "يجب أن ينظر إلى كل حالة بمفردها، والامتناع عن الافتراض بأن النظام الغربي يلائم كل دول العالم".
فكرة غربية؟
ينظر الى تحديد فترات الولاية باعتبارها فكرة غربية، لأن الولايات المتحدة تقيد رؤسائها بولايتين.
ولكن هذا التقييد استحدث في التعديل الـ 22 للدستور الأمريكي في عام 1951، أي بعد 6 سنوات من فوز فرانكلين ديلانو روزفلت بفترة رئاسية رابعة.
وكان فكرة الولايتين قبل ذلك الفوز لروزفلت مجرد عرف درج الأمريكيون عليه منذ أيام رئيسهم الأول جورج واشنطن.
وبالرغم من أن فكرة تقييد فترات القيادة يمكن تعقب خيوطها إلى اليونان القديمة، ليس واضحا إذا كانت بالفعل فكرة غربية.
فبعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا وسويسرا وروسيا ليست لديها تحديدات من هذا النوع.
كما تتمتع الفكرة بتأييد في مناطق أخرى من العالم.
يقول الاستاذ نك تشيزمان من جامعة أوكسفورد "إذا نظرت الى نتائج استطلاعات الرأي المتوفرة من معظم الدول الأفريقية، ترى أن أغلبية الشعوب الأفريقية تؤيد فكرة تقييد فترات الرئاسة".
ويضيف "هذا ليس أمرا يروج له الغرب فحسب".
متلازمة الغطرسة
يقول البعض من مؤيدي فرض قيود على الفترات الرئاسية إن قضاء فترات طويلة في قمة هرم السلطة يؤدي إلى تغيير شخصية الرئيس وإلى الإضرار بصحة القرارات التي يتخذها.
ويجادل وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد أوين، وهو بالأصل طبيب أمراض نفسية، أن قضاء سنوات طويلة في السلطة تؤدي بالشخص إلى الغرور والعجرفة ورفض الاستماع إلى آراء الغير وتجعلهم متفائلين أكثر من اللازم بأن قراراتهم ستكون سليمة.
وقال أوين لبي بي سي "8 سنوات تكفي، فتوني بلير يعتبر النموذج الأمثل للغطرسة التي كان لها آثار خطيرة لأن غطرسته عززت غطرسة بوش والعكس بالعكس مما أدى بهما إلى ارتكاب أخطاء شنيعة".
ولكن أوين يعتقد أن مخاطر الغطرسة ليست محدودة بالسياسيين بل تتعادهم إلى مدراء المصارف إذ يحمل ما يطلق عليها "متلازمة الغطرسة" مسؤولية الأزمة المالية التي مر بها العالم في عام 2008.
وبالفعل هناك بحوث طبية تدعم ما ذهب اليه أوين.
يقول أستاذ علم النفس في كلية ترينيتي بدبلن اين روبرتسون "الفوز المتكرر يزيد من إفراز الهرمون الذكري تيستوستيرون، الذي يزيد بدوره فعالية الدوبامين في الدماغ ويعزز ما يعرف بشبكة المكافئة (أي أن يميل الفرد إلى مكافأة ذاته)".
ويقول "إذا زادت فعالية الدوبامين بشكل كبير ما يحصل هو تقويض قدرة الدماغ على التقدير".
يعتقد الصحفي ويلف مبانغا أن بعض أعراض متلازمة الغطرسة موجود فعلا عند روبرت موغابي.
وكان مبانغا قريبا جدا من الرئيس الزيمبابوي، بحيث كانا يستمعان إلى الموسيقى معا، ويقول "كنت يوما مؤيدا مهووسا بموغابي وحزبه".
ولكنه يقول إن موغابي تغير بمرور الزمن، "وأصبح الآن يعتقد بأنه يملك زيمبابوي كضيعة خاصة به".
فيديو قد يعجبك: