إعلان

الديكتاتور ووالدتي وحذائي..رحلة حذيفة من سوريا إلى هولندا

09:06 ص الثلاثاء 31 مارس 2015

انضم حذيفة للثورة السورية من اليوم الأول

(بي بي سي):

عام 2009 وقبل اندلاع الثورة السورية بعامين لفت نظر الشاب حذيفة زوجين من الأحذية في أحد مراكز التسوق.

كان الحذاء معروضا في محل يحمل اسم ماركة "زارا" العالمية الباهظة الأسعار بالنسبة للغالبية العظمى من السوريين.

كان حذيفة يعمل مدير مبيعات إقليمي لشركة الهاتف الخليوي "سيرياتيل" وكان يرى أنه من الضروري أن يكون أنيق المظهر بشكل يتناسب مع مركزه الوظيفي. فاشترى الحذاء وأخذه إلى المنزل.

لم يكن حذيفة الوحيد الذي ازدهرت أحوله، فقد كانت الفنادق العالمية والمتاجر التي تحمل أسماء عالمية مشهورة تشرع أبوابها في كل من دمشق وحلب.

افتتحت شركة زارا للملابس في نفس الفترة متجرها في مدينة حلب واضعة نصب أعينها طبقة الميسورين أمثال حذيفة كزبائن محتملين لمنتجاتها.

يقول حذيفة "كنت أشتري الملابس الرسمية الضرورية للعمل، عثرت على الحذاء في زارا، أعجني فاشتريته، قلت لزوجتي لن ارتدي هذا الحذاء إلا للقاء والدتي، اخذت عهدا على نفسي أمام الله، كان ذلك أشبه بالأمنية"

لم ير حذيفة والدته منذ 6 سنوات فهي تعيش في بريطانيا منذ عام 2003 وتعاني من مشاكل في القلب.

أخبر حذيفة والدته عن الحذاء وعن قراره "فضحكت الوالدة ، لأنها كانت تعلم أنه من المستحيل أن يحصل حذيفة على فيزا لزيارة بريطانيا".

فاذا كان من المستبعد مقابلة والدته في بريطانيا فإن رؤيتها في سوريا لا يمكن حتى مجرد التفكير فيها.

فقد فرت من بلدها قبل 30 عاما وهربت إلى الأردن تاركة كل شي خلفها في مدينة حلب حاملة معها فقط طفلها حذيفة الذي كان عمره عدة أشهر فقط ملفوفا ببطانية صغيرة.

فقد ولد الطفل عام 1979 وكانت سوريا في بداية مرحلة حرب أهلية، فقد كان حافظ الأسد والد الرئيس الحالي بشار الأسد، قد مضى عليه في الحكم نحو عقد من الزمن وكان يواجه أول موجة جدية من القلاقل الداخلية.

وكانت جماعة الإخوان المسلمين تتمتع بنفوذ قوي في مدينة حلب وهي التي قادت نشاطات المعارضة ضد حكم الأسد الأب.

إندلعت أعمال العنف في شتاء 1979 وبحلول ربيع العام التالي حاصرت قوات الأسد الأحياء المضطربة وشنت حملة بحث عنيفة من منزل إلى منزل بحثا عن المعارضين.

وكان رجال الأمن في كل مكان وكان والد حذيفة عبد اللطيف بين الأشخاص الذين كانت أجهزة الأمن تبحث عنهم.

كان عبد اللطيف يبلغ من العمر أنذاك 20 عاما وكان طالبا في جامعة حلب، وكانت والدة حذيفة خارج البيت مع رضيعها "حذيفة" عندما داهمت قوات الأمن المنزل وألقت القبض الوالد الذي لم يشاهدوه منذ ذلك الحين.

علمت فدوى والدة حذيفة باعتقال زوجها وأدركت أنها ستواجه نفس المصير لاحقا فاستقلت حافلة عامة واتجهت إلى جنوب سوريا تحمل رضيعها بين ذراعيها وفرت إلى الأردن.

بعد ذلك أيقنت فدوى أن زوجها إما قتل أو سيبقى رهن الاعتقال مدى الحياة فقررت الزواج من أحد أبناء مدينتها الفارين إلى الخارج.

ترعرع حذيفة في المنفى، كانت البداية في الأردن ثم في السعودية وفي الإمارات العربية المتحدة وكبر وسط مجموعة من الإخوة والأخوات من زواج والدته الثاني.

كانت سوريا حاضرة في حياة الأسرة في المنفى، في الطعام والأغاني والقصص التي كان الوالدان يرونها، كان ذلك جزءا من ماضي بالنسبة للأطفال.

عندما بلغ حذيفة الثامنة عشر من العمر قرر العودة إلى بلده لإكمال دراسته في الجامعة بسبب عدم قدرة الأسرة على دفع تكاليف الدراسة في الإمارات.

انتاب الوالدة خوف شديد وحاولت جاهدة منع ابنها من الذهاب إلى سوريا لكنه بقي مصرا على العودة إلى مدينة حلب.

وصل حذيفة مطار حلب عام 1997 حاملا حقيبة سفر وكيسا بلاستيكيا مليئا بقطع الشوكولاته، كان الأسد الأب ما لا يزال ممسكا بالسلطة .

أوقف حذيفة في المطار مباشرة وتم استجوابه عن صلته بشخص اعتقل قبل 20 عاما، سأله رجال الأمن عن والده في النهاية صادروا كيس الشوكولا وختموا جواز سفره وتركوه.

بدأ حذيفة الدراسة في جامعة حلب وكرس كل جهوده للدراسة فقط لكنه بقي تحت أنظار رجال الأمن طوال الوقت وزاروه في الجامعة أكثر من خمس مرات طالبين منه الانضمام إلى صفوف حزب البعث الحاكم.

اعتذر حذيفة وقال لهم إنه لا يرغب بالانضمام إلى أي جماعة سياسية.

"ضغطوا علي بكل الوسائل، مثل منعي من النجاح في الامتحانات، لكني بقيت مصرا على موقفي، وفي أخر مرة تم استدعائي إلى مقر المخابرات وبقيت نحو خمس ساعات تم استجوابي بخصوص أمور كثيرة ومن بين الأسئلة التي طرحت علي، هل أنت مثل والدك؟ هل تعلم أن والدك كان معارضا للأسد؟ فقلت لهم أنا لا أعارض أحدا، أريد أن أكون حرا فقط".

رغم كل الضغوط أنهى حذيفة دراسته الجامعية وبدأ العمل كمندوب مبيعات في شركة سيرياتيل للهاتف الخلوي السورية.

وفي أواسط 2003 غادرت أسرته أبو ظبي وتوجهت إلى بريطانيا، انتقلت الوالدة وأطفالها الصغار إلى بر الأمان في بريطانيا لكن حذيفة كان لا يزال في المدينة التي اختفى فيها الوالد إلى الأبد.

رغم قلق الوالدة نجح حذيفة في عمله إلى أن ارتقى إلى منصب مدير المبيعات الإقليمي في شركة الهاتف الخليوي واشترى سيارة وتزوج.

بعد عامين كان الحذاء في مكانه داخل الصندوق شعرت فدوى بالقلق على ابنها عندما جلست في منزلها في مدينة روزرهام البريطانية تشاهد عبر شاشة التلفاز مظاهرات السوريين في شوارع مدينة درعا جنوب سوريا في شهر أذار/مارس عام 2011.

كان هناك ما يبرر قلقها على ابنها، يقول حذيفة " شاركت في الاحتجاجات ضد نظام الأسد منذ اليوم الأول، عندما كان الأخرون يرون أن ما جرى في درعا ليس سوى مزحة ولن تسفر عن شي، كنت أرى غير ذلك، كنت أعتقد أن شيئأ ما يحدث، شيء ضد حكم الأسد ولم أتردد في الانضمام إلى ذلك".

"وقفت إلى جانب الثورة منذ بدايتها ومن صميم قلبي، كنت أنشد الحرية للشعب السوري، أدركت لاحقا أن عشرات رجال الأمن كانوا يندسون بين المتظاهرين ، كانوا أيضا يهتفون مثل المتظاهرين لكن عملهم كان جمع الأسماء وأخذ صور المتظاهرين، بقيت أشارك في المظاهرات لكن بدأت أغطي وجهي وأخفي سيارتي".

"كنا نساعد النازحين من أبناء القرى التي دمرها النظام في ريف حلب، كنا نوفر المسكن والطعام للأسر النازحة ونجمع الأموال سرا من الأصدقاء ونشتري الملابس وأغطية النوم للنازحين، كنت أشعر بالخوف طوال الوقت".

في ربيع 2012 بدأت الأمال بانتصار الثورة بالتراجع وانحدرت البلاد إلى حرب أهلية ضروس، شاهد حذيفة قناصي الحكومة يطلقون النار على المتظاهرين والجثث تلقى أمام أبواب الثكنات من قبل جنود النظام، "كنا نعثر على الكثير من الجثث على مكبات القمامة، كانت قوات الأمن تقتلهم وترميهم جانبها".

ألقت قوات الأمن القبض على أقرب أصدقاء حذيفة، وكان يعمل معه في شركة سيرياتيل، ويقود فريقا من العاملين في مجال الإغاثة، شعر أن الدائرة تضيق عليه، "أخذوه إلى فرع المخابرات الجوية وهو الأكثر بطشا والأكبر رهبة لدى الناس في حلب، قتلوه هناك ورموا جثته في الشارع، لقد كان رجلا طيبا جدا".

مع بدء نظام الأسد حملة القصف الجوي على الأجزاء الشرقية من حلب بدأ حذيفة بنقل الحذاء معه أينما انتقل بعد أن لفه بعدة أكياس محاولا إقناع نفسه بان كل شيء سيكون على ما يرام ما دام الحذاء بخير".

"كان الحذاء معي طوال الوقت، في العمل في المنزل، في السيارة، كنت أخشى عليه كثيرا، كان يمثل حلمي بلقاء أمي، وأسرتي عندما أرتديه يوما ما".

في صيف 2012 تلقى حذيفة مكالمة هاتفية لمراجعة فرع المخابرات العسكرية في حلب، وفي نفس الليلة اتصل به أحد الأصدقاء وحذره بالقول " لا تذهب، إنهم يعرفون أنك تساعد الأطباء، يجب أن تخرج من سوريا".

اصطحب حذيفة زوجته وابنه إلى منزل صغير بناه في ضواحي المدينة، " كنا بأمان هناك، كنت قد انتهيت من تجهيز المنزل منذ فترة قصيرة ولا أحد يعلم به".

استرجع حذيفة الأموال التي أودعها لدى الأصدقاء واشترى الوقود من السوق السوداء.

بعد خمسة عشر يوما توجه حذيفة بالسيارة إلى معبر باب الهوا مع تركيا الذي يسيطر عليه المعارضون برفقة زوجته وابنه الصغير زيد وبالطبع "الحذاء".

ترك حذيفة أسرته الصغيرة في بيت مستأجر في مدينة مرسين التركية واتجه إلى أوروبا.

استهلكت الرحلة كل ما ادخره، تنقل خلالها إلى مصر ثم غانا وتوجو ثم العودة إلى مصر وتركيا وبعدها اختبأ داخل شاحنة لنقل البضائع لعدة أيام إلى أن وصل هولندا.

حصل حذيفة أخيرا على حق اللجوء في هولندا عام 2013 وبعدها فورا تقدم بطلب لزيارة والدته.

وفي يونيو/ حزيران 2104 استقل الطائرة من هولندا إلى مدينة مانشستر وكانت والدته وإخوته بانتظاره في المطار.

بعد المرور بقسم الجوازات، توجه حذيفة إلى دورة المياه لارتداء الحذاء الذي كان يحمله معه في حقيبة السفر

"أخرجت الحذاء وارتديته وسرت به نحو والداتي، لقد كانت تلك واحدة من أهم لحظات حياتي، فقد التقيت أسرتي بعد كل هذه السنوات".

مكث حذيفة مع أسرته في بريطانيا أسبوعين ثم عاد إلى هولندا، انضمت إليه زوجته وابنه زيد وهو الأن يدرس اللغة الهولندية ويحضر رسالة ماجستير ويطمح ببناء حياة جديدة له في هذا البلد.

ما زال حذيفة يحتفظ بالحذاء في حزانة الملابس ويرتديه فقط في المناسبات الخاصة جدا " ترى زوجتي أن هذا نوع من الجنون، لكنها تدرك أيضا أن هذا لهذا الحذاء مكانة خاصة لدي.

باستخدام #أنت_ماذاستأخذمعك؟ #رحلةسورية نريد ان تشاركونا بإجاباتكم بالنص المكتوب والصور والفيديو وذلك في اطار مشروع بي بي سي العربية المتعلق بموضوع الهجرة من سوريا .

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان