إعلان

صفقة التبادل بين لبنان وجبهة النصرة وجدل حول الاحتجاز غير القانوني

08:28 م السبت 05 ديسمبر 2015

صفقة التبادل بين لبنان وجبهة النصرة

بي بي سي

كان مشهد المرأة مع أطفالها الأربعة الذين عبرت بهم نقطة الأمن اللبناني إلى أقرب تجمع لمقاتلي جبهة النصرة على أطراف بلدة عرسال الحدودية مع سورية، مألوفا.

فهذه المرأة، هي نفسها التي عبرت الحدود في ظروف مماثلة في مارس من العام 2014، مع أطفال ثلاثة.

أمّا الطفل الرابع، فقد ولدته لاحقاً في السجون اللبنانية.

يوسف، هو أصغر أبناء سجى الدليمي من زوجها الحالي، وهي الزوجة السابقة لزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي.

وأُطلق سراح الدليمي في المرّة الأولى من السجون السورية في صفقة تبادل أدارها الأمن العام اللبناني مع جبهة النصرة بهدف الإفراج عن راهبات كانت الجبهة اختطفتهن من بلدة معلولا السورية.

وفي المرة الثانية أطلق سراحها من السجون اللبنانية في تبادل بين الدولة اللبنانية وجبهة النصرة أفرج فيه عن 16 عسكريا كانت تحتجزهم الجبهة إضافة إلى رفاة عسكري كانت قتلته قبل أكثر من عام.

لم تكن الدليمي المعتقلة الوحيدة التي خرجت في صفقة التبادل الأخير. حيث خرج معها ثمانية موقوفين كانوا مسجونين في بيروت، وأربع نساء أخريات.

ومع أن الأمن العام اللبناني الذي أدار عملية المفاوضات، التي تمت برعاية قطرية، لم يشر إلى هوية المفرج عنهم، إلا أن التسريبات التي نقلها الإعلام اللبناني، والصور الحيّة التي بثُت من مكان نقطة التبادل الحدودية، إضافة إلى بيان جبهة النصرة نفسه أفصح عن الأسماء.

وسمّت جبهة النصرة خمس نساء خرجن من السجون اللبنانية، وسبع عشرة امرأة من السجون السورية.

لا نعرف الكثير عن لائحة الإفراج السورية التي زعمت جبهة النصرة بصدقيتها، إلا أن بعض النساء الواردة أسماؤهن فيها أُطلق سراحهن بحسب البيان من مدينة التل السورية، التي يعتقد بأنها مسقط رأس أبي مالك الشامي، المعروف أيضا بأبي مالك التلي، زعيم المجموعة التابعة لجبهة النصرة في منطقة القلمون السورية، التي كانت تحتجز العسكريين اللبنانيين.

وأنهت عملية التبادل الأخيرة هذه فصلا من معاناة أهالي العسكريين اللبنانيين طالت منذ احتجازهم في أغسطس عام 2014، وشهدت بعض المحطات المأسوية، عندما أعدمت جبهة النصرة اثنين من رفاق العسكريين المتحجزين قبل أكثر من عام، وقتل تنظيم داعش ثلاثة مبقيا تسعة جنود آخرين في أسره حتى اللحظة.

لكنّ العملية نفسها، أثارت علامات استفهام كبيرة بشأن قانونية اعتقال بعض الموقوفين في السجون اللبنانية، وخصوصا بعض النساء.

الدليمي.. وتزوير في الأوراق الثبوتية

وأوقفت سجى الدليمي مع زوجها الحالي العام الماضي في لبنان، وحقق معهما بتهم تتعلق بتزوير أوراق هويّة.

وأمضت، وفق محاميها اللبناني حنا جعجع، نحو عام في السجن. فتارة يقول جعجع لبي بي سي إنها كافية لتقضي "مدّة عقوبتها" التي يعتبرها القانون اللبناني جنحة وليس جناية.

وأوضح جعجع أن القضاء اللبناني أدى دوره بكفاية في قضية الدليمي، وأن الأخيرة قررت الابتعاد عن سوريا والعراق وعيش حياة طبيعية.

بالنسبة للدليمي طويت هذه الصفحة، وُجهتها الأخيرة غير معلومة، وإن كانت صرّحت لوسائل الإعلام أثناء إطلاق سراحها بأنها قد تكون تركيا.

لكن ماذا عن أطفالها؟ ولماذا كانوا محتجزين معها؟

يلحظ القانون اللبناني وضعية خاصة للأطفال الذين يجب أن يُعنى بهم في مثل هذه الحالات مكتب حماية الأحداث، لتقييم وضعهم واتخاذ قرار بشان أفضل ظروف العيش التي يمكن تأمينها لهم.

إلا أن سمعة السجون اللبنانية غير مثالية.

فعدد من منظمات حقوق الإنسان في العالم كانت قد وجهت انتقادات للحكومة اللبنانية مطالبة إياها بتحسين ظروف السجن والاعتقال. وفي جميع الأحوال ظروف السجون الحالية، برأي المحامي نبيل الحلبي رئيس مؤسسة لايف لحقوق الإنسان، غير صالحة لعيش الأطفال.

ويقول المحامي الحلبي لبي بي سي إن تعامل الدولة اللبنانية مع حالة أطفال سجى بهذه الطريقة يعود إلى غياب أولوية حقوق الإنسان من رؤيتها.

لكن، لمحامي الدليمي، حنا جعجع، رأي آخر.

وقال جعجع إن "محاولات حدثت بالفعل للاستعانة بجمعيات أهلية لإيجاد حل لموضوع الأطفال وإيوائهم، إلا أنه لم يحدث تجاوب من هذه الجمعيات، ولم يكن بمقدور القضاء اللبناني بعد هذا أن يفعل شيئاً، وهذا ما دعا إلى أن يمكث أطفالها معها في السجن، بل إن يوسف، آخر أبنائها، كان السجن مكان ولادته".

النجار والهندي

ليلى النجار وسمر الهندي، اسمان آخران في لائحة المفرج عنهم من قبل السلطات اللبنانية.

ويؤكد حقوقيون أنهما أوقفتا في مخيم النازحين السوريين في بلدة عرسال الحدودية بسبب أنهما تنحدران من مدينة التل السورية، مسقط رأس زعيم النصرة في القلمون "أبو مالك الشامي" بينما يؤكد البعض أنهما تمتان بصلات قرابة مع بعض قادة النصرة الميدانيين في سوريا.

وحاولنا الاستفسار من الأمن اللبناني عن أسباب احتجازهما أو التهم الموجهة اليهما، لكننا حتى وقت كتابة هذا التقرير لم نتلق جوابا.

وقال المحامي نبيل الحلبي لبي بي سي إن هاتين السيدتين اللتين احتُجزتا نحو تسعة أشهر في مركز توقيف أمني، لم "تكن هناك من اتهامات قضائية بحقهما، وإن توقيفهما جاء بسبب انتمائهما إلى المدينة نفسها التي يتحدر منها قائد جبهة النصرة (في القلمون) أبو مالك التلي، بهدف ضغط الحكومة اللبنانية على جبهة النصرة من أجل إطلاق سراح العسكريين اللبنانيين".

وسألتُ المحامي الحلبي عما إذا كان القانون اللبناني الذي أتاح التوقيف الاحتياطي يمكن تطبيقه في قضيتي الهندي والنجار، فأكد أن التوقيف الاحتياطي يوجِبُ أن يحصل "ادعاءٌ من النيابة العامة، لتبدأ الضابطة العدلية بالتحقيق بإشراف النيابة العامة الاستئنافية، ويمكن للمدعي العام الأمر بتوقيفهما على ذمة التحقيق احتياطيا. لكن هاتين السيدتين لم توجه لهما أي تهمة قضائية" وحصل التوقيف "في نظارة أمنية" فقط من أجل الضغط على جبهة النصرة.

التوقيف الاحتياطي في لبنان: لا مهل زمنية؟

مع أن حقوقيين مثل نبيل الحلبي، الذي كان أحد وسطاء التفاوض مع جبهة النصرة يقولون إن التوقيف الاحتياطي لا ينطبق على النجار والهندي، إلا أن موقوفين في لبنان ينتظرون إما توجيه اتهامات إليهم أو بدء محاكماتهم.

ويشير سعد الدين شاتيلا، المدير الإقليمي لمؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان ومقرها جنيف، إلى أن لائحة وزارة العدل عن السجناء المسجلين في لبنان تضم 6251 سجينا، لكن العدد الفعلي للموقوفين والسجناء يفوق ذلك الرقم، فـ"بعض السجناء موجودون في أماكن احتجاز أمنية أو ثكنات عسكرية".

ويقول شاتيلا إنه لا توجد إحصائية رسمية محدّثة بشأن عدد الموقوفين احتياطيا في لبنان أو نسبتهم من مجمل السجناء.

لكن شاتيلا يقرّ بأنه في القانون اللبناني "ووفقا للمادة 108 فإن سقف الاحتجاز الاحتياطي يستثني جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والخطر الشامل وجرائم الإرهاب، فهذه القضايا لا سقف محددا فيها لمدة الاحتجاز".

وبهذا، يؤكد شاتيلا، أن بعض حالات التوقيف في لبنان تندرج في إطار التوقيف التعسفي، مشيرا إلى أن مؤسسة الكرامة تواصلت مع فريق الاعتقال التعسفي التابع للأمم المتحدة واستطاعت توثيق حالات ينطبق عليها هذا التوصيف.

نقص في عدد السجون ومراكز التوقيف

وترى جهات حقوقية أن القانون اللبناني، فيما يتعلق بمهل التوقيف الاحتياطي في بعض القضايا وغيرها، يتيح الباب أمام الاعتقال التعسفي، إلا أن تطبيق القانون نفسه ليس مثالياً دائما.

هذا ما يعتقده وزير العدل اللبناني السابق شكيب قرطباوي الذي قال لبي بي سي إن المشكلة تكمن في "أن النصوص (القانونية) لا تطبق بحذافيرها دائما، وبذرائع مختلفة، مرة بأن التحقيق لم ينته، وأحيانا يبقى الموقوف فترة أطول من المسموح بها في عهدة الضابطة العدلية التابعة للنيابة العامة أو قاضي التحقيق"، وغالباً ما تكون "الضابطة العدلية" قوى أمنيّة.

ويرى قرطباوي أن الحلول تكمن في إيجاد سجون ومراكز توقيف كافية، لأن هنالك نقصا في مراكز التوقيف الاحتياطي "خصوصا في ظل الوجود السوري الكثيف في لبنان"، أما الحل الثاني فيكون "بزيادة عدد القضاء وتقيّد القضاة بالنصوص القانونية".

ويقول قرطباوي في ما يتعلق بصفقة التبادل بين الدولة اللبنانية وجبهة النصرة، إنه "إذا كان هنالك البعض موقوفا من دون وجود ملف قضائي بحقه فإن توقيفه سياسي، وليس قضائيا" وذلك "لاستخدامه في ملف التبادل الذي هو أمر مهم بالنسبة لأهالي (العسكريين المحتجزين)، على المستوى الإنساني، ولكنه أمر مزعج جدا على المستوى القانوني وعلى مستوى هيبة الدولة".

إلا أن وزير العدل اللبناني السابق يرى أن الواقعية تقتضي القول أيضا "إن مثل هذه الأمور تحدث في العالم كله"، والمبادلات تحصل في جميع انحاء العالم.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان