حكومة الأسد تبدي ثقة جديدة في ظل دعم روسيا
دمشق (بي بي سي)
تُلاحظها في طريقك إلى دمشق.
ملصقات جديدة للرئيس بشار الأسد تتدلى من بوابات المداخل التي ترحب بك في سوريا، حلت محل صور بالية كانت مُعلقة بطول الطريق القادم من الحدود مع لبنان.
بوسعك أن تلاحظها على الطريق السريع الرئيسي، وهو الشريان الاستراتيجي الذي يمتد إلى مدينة حمص، ومن ثم إلى ساحل البحر المتوسط.
كما عُززت نقاط التفتيش العسكرية، وزُود أفرادها بمعاطف جديدة، تحمل ألوان العلم السوري: الأسود والأبيض والأحمر.
وتلمس هذه المؤشرات الجديدة على الثقة كذلك في حديث أنصار الأسد.
''المشكلة ليست في الحكومة السورية''، هذا ما أصرت عليه بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري حين سألتها عن الجهود الدبلوماسية الدولية الجديدة لإيجاد حل سياسي ينهي الحرب الدائرة في سوريا.
وأضافت ''المشكلة هي في من يستهدفون سوريا''.
وبعد مرور نحو خمس سنوات على الصراع المدمر، الذي حطم أجزاء كبيرة من سوريا وحولها إلى معاقل لمجموعات متنوعة من المتمردين، تبدو حالة جديدة من الثقة في الدوائر السياسية والعسكرية في دمشق.
''سعداء بوجود الروس''
لا تشغل بالك بسوء حالة الاقتصاد، التي تزداد سوءا، فقد أدى تسارع حملة الجيش السوري المنهك لتجنيد المزيد إلى فرار الكثير من الشباب، كما غادر الكثير من المهنيين من أبناء الطبقة الوسطى البلاد، أو على الأقل يفكرون في المغادرة.
''نحن سعداء بوجود الروس هنا''، هذ هي الجملة التي سمعتها مرة تلو الأخرى في دهاليز حكومة دمشق.
ومع الدخول الروسي المفاجئ في الحملة الجوية ضد تنظيم ''الدولة الإسلامية'' في سبتمبر الماضي، وما تلاه من تدفق كميات من الأسلحة المتقدمة، وكذلك القوات الروسية التي وصفت بأنها مستشارون عسكريون، بدأ الضغط على الجيش السوري يقل في عدد من جبهات القتال الرئيسية.
ومن الواضح من طبيعة الغارات الجوية الروسية أن تعريفها بأنها ''تستهدف الإرهابيين'' يمتد إلى ما وراء تنظيم ''الدولة الإسلامية''، إلى المجموعات الأخرى التي تهدد نظام الرئيس بشار الأسد في المناطق الاستراتيجية، بما في ذلك محيط دمشق.
وسألت مسؤولا في وزارة الدفاع ''ما نوع الأسلحة التي قدموها لكم؟''
فأجابني ''كل شيء''، وذلك بابتسامة عريضة تعكس أن أكبر هدية تلقوها هي الإشارة العلنية بأن روسيا تقف معهم.
وقال دبلوماسي أوروبي يزور دمشق ''إنهم أكثر ثقة الآن، لأنهم يرون أن الموقف يتبدل لصالحهم''.
''استدعاء'' من موسكو
لكن الثمن السياسي للدعم العسكري الروسي المكثف والمكلف لا يزال غير واضح.
ولفتت زيارة الأسد النادرة إلى موسكو في أكتوبر الماضي الانتباه، وخضعت كل صورة التقطت له خلال الزيارة للتدقيق، من أجل استنباط طبيعة العلاقة الحساسة بين الجانبين.
''لقد طلب منه ألا يرفض كل شيء''، هذا ما قاله لي دبلوماسي غربي منخرط في التحركات الدبلوماسية الأخيرة.
وأضاف ''لقد أعلنها بوتين صراحة أنه لا بد من وجود نهج بناء، لأن الدعم العسكري لن يكون بلا نهاية''.
ولدى المسؤولين السوريين رؤية مختلفة بشأن هذه الزيارة، التي يصفها دبلوماسيون غربيون وعرب بأنه استدعاء.
ويلخصها مقربون من الأسد الأمر بالقول إن الرئيس السوري ''عاد من هناك سعيدا للغاية''.
دروس أفغانستان
ما يبدو واضحا هو أن روسيا لا ترغب في أن يصبح تدخلها في سوريا ''أفغانستان أخرى''، حيث تورطت موسكو في حرب طويلة ومكلفة بعد غزوها لأفغانستان في عام 1979.
لكن من ضمن هذه الدروس أيضا، أنه بمجرد أن سحبت موسكو دعمها للرئيس الأفغاني حينذاك نجيب الله، بدأ نظامه في الانهيار من الداخل، وتعاظمت الضغوط الخارجية عليه، ومن ثم سقطت كابول.
ويعد تجنب انهيار مفاجئ في دمشق، في منطقة تعاني بالفعل من الكثير من الفوضى والأزمات، الهدف الوحيد الذي يوحد بين الكثير من الأطراف في هذا الصراع.
وأدى هذا إلى تحولات طفيفة في الموقف الحازم لدول غربية وعربية، كانت ترى لفترة طويلة أن ''الأسد عليه أن يرحل''.
''العملية السياسية يمكن أن تبدأ في ظل وجود الأسد، لكن يجب أن تنتهي بدونه''، هذه هي الجملة الجديدة التي سمعتها خلال زيارتي مؤخرا إلى الرياض.
لكن السعودية ترغب في دليل واضح على أن أي مفاوضات محتملة ستنتهي عل هذا النحو، وذلك قبل أن تبدأ المفاوضات بالأساس.
أما بالنسبة للمعارضة السورية فإن وجود الأسد هو ما يغذي الحرب، بما في ذلك صعود تنظيم ''الدولة الإسلامية''.
لكن في دمشق لم تتغير الرواية.
''لا يهمنا ما يقوله الغرب''، هذا ما أعلنه وزير الإعلام السوري عمران الزعبي، الذي يصف المطالبين برحيل الأسد بـ''الواهمين''.
حتى المسؤولين الرسميين الذين لا يتحدثون علنا باسم الرئيس، يقولون في الأحاديث الخاصة إن رحيله غير مطروح على الطاولة.
ويقول أحد رجال الأعمال المقربين من نظام الأسد ''هو الرباط الذي يجمع بين كل أجهزة الأمن والمخابرات، ومن مصلحة كل شخص أن يبقى في السلطة''.
''لا تفاوض مع الإرهابيين''
السؤال الذي لا يزال يلوح في الأفق هو من سيحل محل الأسد، في وقت تركز فيه عقول المسؤولين في كثير من العواصم على التهديد المتزايد من قبل تنظيم الدولة.
أخبرني مسؤول روسي رفيع المستوى الشهر الماضي، أنه في إطار الجهود الرامية لحل هذه الأزمة المستعصية، فإنه يجري التقليل من أهمية كلمة ''انتقالي'' وكذلك الدور المستقبلي للرئيس.
وهذا ما ظهر من الجولة الثانية من محادثات فيينا، التي جمعت اللاعبين الخارجيين الرئيسيين من مؤيدي الأسد وأعدائه، على طاولة واحدة لأول مرة.
وكانت محادثات الرياض، التي جرت بين قوى المعارضة السورية الأسبوع الماضي، جزء من الجهود الجديدة لتشكيل قيادة متماسكة، لحضور المفاوضات الرامية لحل الأزمة السورية، والمقررة خلال الأسبوع الأول من يناير/ كانون الثاني المقبل.
لكن مشاركة مجموعات المعارضة المسلحة الإسلامية مثل حركة أحرار الشام زادت من حدة رد الفعل الساخر من جانب دمشق.
ورد الرئيس بشار الأسد فورا، بأنه لن يتفاوض ''مع إرهابيين''، وانعكس صدى هذا الرد في روسيا، التي تدعو إلى تحديد أوضح لمن هم في المعارضة.
حالة من التشكك
هناك حديث في دمشق عن المزيد من الهجمات العسكرية التي يدعمها حلفاؤها الآن إلى أقصى درجة.
وهناك تركيز على هدنات مناطقية، مثل تلك التي حدثت الأسبوع الماضي، في آخر الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة بمدينة حمص، والتي تعتبر أقرب إلى الاستسلام من وجهة نظر الحكومة.
وهناك العديد من جماعات المعارضة التي لا تزال تتعهد بالقتال حتى النهاية.
''كيف يلام أي شخص على تشككه؟''، تساءل بذلك مسؤول بالأمم المتحدة، وأضاف ''لكن البديل هو خمس سنوات أخرى من الحرب المدمرة''.
وفي النهاية، فإن هناك بعض التقدم الحقيقي في العملية السياسية، ولكن إلى أن تتحرك باتجاه التفاصيل الشائكة لمرحلة انتقالية حقيقية، فإن الثقة التي تشعر بها دمشق ستبقى كاملة غير منقوصة.
فيديو قد يعجبك: