كيف يمكن أن ينجو تنظيم "الدولة الإسلامية" من الحملة عليه؟
لندن – د. عمرو عاشور*
تمثل استعادة القوات العراقية مناطق واسعة في مدينة الرمادي من تنظيم "الدولة الإسلامية" أحدث انتكاسة على الأرض للجماعة المسلحة في أعقاب طردها من مناطق، مثل تكريت وسنجار وبيجي.
وعلى الرغم من الانتكاسات - على مدار عام أو يزيد بسبب الضربات الجوية - أثبت التنظيم صمودا لافتا للنظر. واستعاد بعض المناطق التي فقدها شرقي سوريا وفي وسطها، وأحكم قبضته على مناطق حول مدينة الرقة الشمالية، ولا يزال يسيطر على ثاني مدن العراق، الموصل.
وعلى غرار حالات زيادة الولايات المتحدة لقواتها عام 2007، وظهور "مجالس الصحوة" السنية المعارضة للمسلحين عامي 2007 و2008 في العراق، لم تترجم الانتصارات التكتيكية حتى الآن إلى هزيمة استراتيجية لتنظيم "الدولة الإسلامية". وهناك أسباب تقف وراء ذلك.
ويعتبر تحديد الأولويات والمركزية مفتاحين أساسيين لذلك.
وقال قائد عسكري سابق في المعارضة، رفض الكشف عن هويته: "داعش يصعد ويهاجم ... مرة كل شهرين؟ ويقصفنا الرئيس السوري بشار الأسد (وحلفاؤه) كل نصف ساعة. يمكنك إحصاء حصيلة القتلى (الناجمة)".
إذا كانت أولوية قتال الرئيس بشار الأسد بين المعارضة المسلحة في سوريا واضحة، فستؤدي اللامركزية في هياكل القيادة والسيطرة للمتمردين إلى انتكاسات ضخمة في الاستراتيجية المقترحة للائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية".
وللأسف، ليست هذه المشكلة الوحيدة.
فمقارنة بنظام طالبان الذي سقط في حملة عسكرية امتدت لشهرين قادها الغرب وقوات إسلامية أفغانية وأخرى علمانية، أثبت تنظيم الدولة أنه أكثر صلابة. وهذه الصلابة مربكة.
تفوق عددي
فعسكريا، تتضاءل قوة التنظيم ونسبة سيطرته في مقابل خصومه. وقدرت وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية في سبتمبر من العام الماضي عدد مقاتلي التنظيم ما بين 20 ألف إلى 31 ألف مقاتل.
وبحساب قوات الأمن والقوات المسلحة العراقية وحدها، يعني ذلك أن هناك ثمانية مقابل كل واحد.
ويستثنى من هذا العدد حلفاء القوات العراقية، من بينها مليشيات الحشد الشعبي، ومليشيات القبائل السنية، وقوات البيشمركة، وائتلاف يضم أكثر من 60 دولة شنت آلاف الطلعات الجوية التي تستهدف مواقع تنظيم الدولة منذ سبتمبر 2014.
وفي 10 يونيو 2014، اندحرت ثكنة الموصل العسكرية المؤلفة من 30 ألف عسكري أمام قوة هجوم لتنظيم الدولة تتراوح ما بين 800 إلى 1500 مقاتل.
وفاق عدد الفرقتين العراقيتين ومقرهما الموصل عدد المهاجمين ليكون 20 مقاتلا مقابل مقاتل واحد على الأقل. وفي غيرها من المناطق، حيث يتحكم تنظيم الدولة في مساحة محدودة جدا، مثل شمال شرقي سيناء في مصر، تتراوح نسبة القوة بين القوات الحكومية وعناصر تنظيم الدولة من 500 مقابل مقاتل واحد.
التفرق والتخفي
وحتى الآن، نجا تنظيم الدولة مما يربو على ثمانية آلاف غارة جوية ومقتل ما يزيد على 10 آلاف مقاتل منذ بداية الحملة الجوية، طبقا لوزارة الدفاع الأمريكية.
ولا يعاني التنظيم، حتى الآن، من أي مشاكل كبيرة في ضم عناصر جديدة وتعبئتهم، لا سيما بعد تدخل الائتلاف.
وتمثل رد التنظيم على الغارات الجوية هو التفرق والتخفي والانخراط بين المدنيين في حالة عدم التعرض لهجوم مباشر.
ولا يزال يتمتع التنظيم بالقدرة على إحداث المفاجآت التكتيكية وتحقيق الاستفادة الكاملة من حالة القتال غير المحسوم وإرباك ساحة المعركة.
وعدل التنظيم كذلك استراتيجيته في الإرهاب تجاه المدن الأوروبية. فقبل الغارات الجوية، كان هناك هجوم واحد مرتبط بتنظيم الدولة في مدينة أوروبية. ومنذ الضربات الجوية، هناك ما يربو على 25 هجوما مرتبطا بالتنظيم.
وهذا لا يعني أن تنظيم "الدولة الإسلامية" لن يهزم في نهاية المطاف، أو أن تنبؤات الجنرال السير ديفيد ريتشاردز، رئيس هيئة الأركان العامة البريطانية السابق، عام 2010 ستثبت صحتها.
ثلاثة ركائز
وتتمتع استراتيجية الغرب لمواجهة تنظيم الدولة ببعض النتائج الإيجابية.
وتستند هذه الاستراتيجية على ثلاثة ركائز: ضربات جوية لاحتواء قصير الأجل، وضم شركاء مسلحين محليين من أجل تدمير متوسط الأجل، وإصلاح البيئات السياسية من خلال المصالحة ونشر الديمقراطية من أجل حماية متوسطة وطويلة الأجل.
وأجبرت الغارات الجوية على العراق وسوريا تنظيم "الدولة الإسلامية" على الحد من استخدام تكتيكات عسكرية تقليدية، كالتي استخدمت في منتصف 2014 عندما اجتاح التنظيم عشرات المناطق من خلال تحريك قوافل من مئات العربات والمركبات المصفحة والشاحنات الصغيرة.
ويفترض أن يتولى شركاء الائتلاف المحليون، من الناحية النظرية، مسؤولية هزيمة تنظيم الدولة عسكريا على الأرض.
وهذه الركيزة تعترضها إشكالية كبيرة، نظرا للقضايا السابقة الذكر، وهي المركزية وتحديد الأولويات التي تؤثر في المتمردين المعارضين للأسد.
وهذا العنصر من الاستراتيجية واجهه كذلك انتكاسات كبيرة، من بينها هجمات جبهة النصرة على المسلحين المدربين على يد الولايات المتحدة المعارضين لتنظيم الدولة والضربات الجوية الروسية على الجماعات التي تؤيدها واشنطن.
قضايا خفية
ويعد النجاح في الركيزة الثالثة أكثر صعوبة.
ويجب الاعتراف بأن تنظيم الدولة عرَض، وليس سببا، لاختلال الأنظمة السياسية في المنطقة. وذلك، فإن أي حل طويل المدى يجب أن يصلح البيئة السياسية التي ولدت باستمرار التطرف لأكثر من أربعة عقود.
وهزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" عسكريا سيخفي لفترة مؤقتة فحسب المشاكل الهيكلية العميقة التي أدت لظهورها، ليس فقط في العراق وسوريا، بل في مصر وليبيا واليمن والسعودية.
لذلك، فإن هزيمة تنظيم الدولة عسكريا سيكون بمثابة وضع ضمادة على جرح متقيح.
فالإصلاح السياسي وعمليات المصالحة القوية سيكون ضروريا في نهاية المطاف، وهي هدف استراتيجي يجب ألا يغيب عن أنظار صناع القرار خلال الحملة العسكرية.
*الدكتور عمر عاشور: محاضر في الدراسات الأمنية بجامعة إكستر، وزميل مشارك في معهد تشتام هاوس في لندن، ومن مؤلفاته "مواجهة تطرف الجهاديين: تحول الحركات الإسلامية المسلحة"، و"العلاقة بين الإسلاميين والجيش في مصر من التواطؤ إلى التصادم".
فيديو قد يعجبك: