إعلان

مخاوف الركود.. هل يفلح المزيد من رفع سعر الفائدة بمصر في كبح التضخم؟

05:11 م الأحد 12 فبراير 2023

البنك المركزي المصري

كتبت- منال المصري:

شهد العام الماضي رفعا مكثفا من البنك المركزي لأسعار الفائدة بمجموع 8% في جهود يرى البنك أنها استباقية للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة، وكان هذا الرفع المسبق أحد الأسباب التي أعلنتها لجنة السياسة النقدية بالبنك لقرارها بتثبيت الفائدة في اجتماعها الأخير، على عكس توقعات بعض المحللين والخبراء بأن المركزي كان سيرفع الفائدة.

ولا تزال التوقعات بالمزيد من رفع أسعار الفائدة بالمركزي خلال الشهور القليلة المقبلة مسيطرة على كثير من المحللين من أجل مواجهة التضخم ومسايرة رفع الفائدة الأمريكية وجذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، في الوقت الذي يرى فيه البعض أن استمرار هذه السياسة لن تجدي كثيرا في السيطرة على الموجة التضخمية المشتعلة حاليا.

ويأتي ذلك تزامنا مع الإعلان عن معدلات تضخم خلال يناير فاقت توقعات كثيرين متجاوزة مستوى 25%، وذلك بسبب تداعيات استمرار انخفاض سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية على أسعار السلع، وهي أسباب متعلقة بالعرض وليست بالطلب والتي تؤثر عليها وتستوعبها إجراءات رفع الفائدة.

كان البنك المركزي رفع سعر الفائدة بواقع 1% في مارس الماضي في أول زيادة من 5 سنوات، ثم 2% في مايو، ثم 2% في أكتوبر، وآخرها 3% في ديسمبر 2022 ليسجل سعر الفائدة لدى المركزي 16.25% للإيداع و17.25% للإقراض.

لكن المركزي فاجأ السوق بقرار تثبيت سعر الفائدة دون تغيير في أول اجتماع له في 2023 يوم الخميس الماضي رغم استمرار زيادة معدل التضخم، الذي ظهرت آخر بياناته والتي تخص شهر يناير الماضي، بعد اجتماع المركزي الأخير، وأشارت إلى قفزة كبيرة فيه.

وقبيل قرار المركزي الأخير بتثبيت الفائدة، أوقف بنكا الأهلي ومصر، ذراعي البنك المركزي لتنفيذ سياسته النقدية، في نهاية يناير الماضي إصدار الشهادة مرتفعة العائد بنسبة 22.5 و25% وذلك بعد 28 يوما من السماح لهما بإصدارها، حيث جمعت نحو 500 مليار جنيه.

وأعلن البنك المركزي ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي، المعد من جانبه، إلى 31.2% في شهر يناير الماضي مقابل 24.4% في شهر ديسمبر الماضي السابق له، وهو أعلى مستوى في 6 سنوات.

كما قفز معدل التضخم العام السنوي في مصر خلال شهر يناير الماضي، للمدن إلى 25.5% مقابل 21.3% في ديسمبر الماضي، بحسب بيان من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يوم الخميس الماضي.

هل يؤثر المزيد من رفع الفائدة في استيعاب معدلات التضخم؟

قال محمد عبد العال، الخبير المصرفي، لمصراوي، إن المزيد من زيادة سعر الفائدة لن يؤثر في امتصاص معدل التضخم المرتفعة حاليا بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار على إثر اتباع البنك المركزي سياسة سعر صرف مرن للجنيه.

وأضاف عبد العال أن قرار زيادة الفائدة تعد من القرارات شديدة الصعوبة بسبب العوامل الداخلية من انخفاض قيمة الجنيه التي انعكست على زيادة تكاليف مدخلات الإنتاج، إلى جانب أن جزءا من هذا التضخم يعد مستوردا بسبب زيادة أسعار بعض السلع عالميا خلال الشهور الأخيرة وبالتالي هي أسباب تتعلق بالعرض لا بالطلب.

ذكر عبد العال أنه في هذه الحالة يضعف دور السياسة النقدية في كبح التضخم بل قد تؤدي زيادة الفائدة في هذه الحالة إلى ما هو أصعب وهو دخول الاقتصاد في حالة ركود، أي تراجع معدل الإنتاج، وزيادة الأسعار أكثر لأنها ترفع التكلفة.

كان صندوق النقد الدولي أعلن في تقرير له مطلع الشهر الماضي بشأن تفاصيل قرضه لمصر بقيمة 3 مليارات دولار، التزام السلطات المصرية ممثلة في البنك المركزي باتباع سياسة سعر صرف مرن للجنيه يخضع فيها تحديد قيمته لسياسة العرض والطلب، وهو ما يعد أحد أهم مطالب الصندوق لاستمرار التعاون.

وانخفض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار بداية من مارس الماضي ليحقق سعر الدولار ارتفاعا متتاليا نحو 92.5%، ليسجل متوسط سعر صرف بيع الدولار 30.33 جنيه حتى كتابة هذا التقرير.

واتفق محمود نجلة، المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت في شركة الأهلي للاستثمارات المالية، مع الرأي السابق في عدم جدوى زيادة سعر الفائدة في كبح التضخم خلال الفترة الحالية، بسبب كونه ناجما من صدمة العرض (زيادة التكلفة) وليس في زيادة الطلب.

وأوضح أن استمرار صعود سعر الدولار مقابل الجنيه ينعكس على زيادة أسعار السلع، مما يؤدي إلى زيادة التضخم مما قد يدفع في حالة رفع سعر الفائدة إلى الدخول في حالة ركود تضخمي.

وساهم تأكيد البنك المركزي العام الماضي على اتباع سياسة سعر صرف مرن الجنيه في الحصول على موافقة صندوق النقد الدولي في ديسمبر الماضي لضخ قرض بقيمة 3 مليارات دولار لمصر يتم صرفها على شرائح متساوية على مدة 46 شهرًا.

ومن المتوقع أن يسهم هذا التعاون في جذب نحو 14 مليار دولار تمويلات أخرى لمصر من خلال مؤسسات تمويل دولية وإقليمية وبيع أصول حكومية للشركاء الخليجيين لتمويل سد عجز الموازنة والفجوة التمويلية.

ورغم أن لجنة السياسة النقدية ترى استمرار الضغوط التضخمية من جانب الطلب خلال الفترة الأخيرة، فإنها أكدت أن مسار أسعار الفائدة الأساسية يعتمد على معدلات التضخم المتوقعة وليس معدلات التضخم السائدة، بحسب بيانها الصادر يوم الخميس قبل الماضي.

كما أكدت اللجنة أن المسار المستقبلي لمعدلات التضخم يعتمد على الزيادات التراكمية لأسعار الفائدة حتى تاريخه والتي تستغرق وقتاً للتأثير على معدلات التضخم، كما أشارت إلى أن هذه الزيادات التراكمية التي حدثت في العام الماضي هي سياسة استباقية تهدف للسيطرة على الضغوط التضخمية وخفض توقعات التضخم للمستوى المستهدف.

ووضع البنك المركزي مستهدفات جديدة لمعدل التضخم عند 7% (±2٪؜) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024، مستهدفا تراجعه إلى 5% (±2%) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2026.

ويرى محمد بدرة، الخبير المصرفي، أن الاستمرار في رفع سعر الفائدة هو العامل الأساسي في يد السياسة النقدية لكبح التضخم وتعويض العملاء من تآكل القيمة الحقيقية لأموالهم بسبب التضخم.

وأوضح أن خطوات البنك المركزي للوصول و لمعدل التضخم المستهدف تستلزم منه زيادة الفائدة لتحفيز المواطنين على الادخار في البنوك أكثر من إنفاق أموالهم على شراء سلع استهلاكية ولن يتحقق ذلك إلا عندما يشعر المواطن بوجود عائد حقيقي على مدخراته في الجهاز المصرفي.

مخاوف الدخول في ركود تضخمي

تضع الأوضاع الاقتصادية الراهنة متخذي القرار في البنك المركزي في موقف شديد الصعوبة ففي الوقت التي تؤدي فيه زيادة سعر الفائدة للمساهمة في كبح التضخم، قد تنعكس بآثار سلبية ودخول الاقتصاد في حالة ركود تضخمي.

والركود هو مصطلح يعكس زيادة المعروض من المنتجات مع ضعف القدرة الشرائية بسبب زيادة الأسعار مما يؤدي إلى ارتفاع العرض وانخفاض الطلب، ومن ثم انخفاض إيرادات الصناعة والتجارة، وبالتالي يؤدي إلى انخفاض قيمة الاستثمار وتزايد معدلات البطالة بالإضافة إلى احتمالية آثار اجتماعية وسياسية سلبية.

وقال محمد عبد العال، إن المركزي يستهدف مع كبح التضخم عدم دخول الاقتصاد في حالة ركود حيث كل زيادة في تكلفة الإقراض سيؤدي للمزيد من التضخم.

وأوضح أن تكلفة زيادة سعر الفائدة تعد أحد العوامل في تسعير المنتج النهائي والمزيد من التضخم، ولذلك ليس من المطلوب وجود زيادات جديدة في تكلفة الفائدة تجنبًا لوجود ركود تضخمي.

ووفق ما قاله محمود نجلة، فإن زيادة أسعار الفائدة ستزيد من عبء استمرار زيادة أسعار السلع بما يؤدي في النهاية إلى الدخول في ركود تضخمي وهو ما يعمل المركزي على تجنبه.

وأوضح أن نجاح أمريكا في كبح التضخم من خلال سياسة رفع سعر الفائدة يرجع إلى أن جزءا كبيرا من أسباب التضخم لديها يتعلق بشكل عام بزيادة الطلب "وتيرة الشراء" وليس العرض.

وتأثرت أمريكا بأزمة نقص الإمدادات على إثر الحرب الروسية الأوكرانية ولكن تبعاتها عليها لم تكن بنفس القوة التي أثرت بها على دول أخرى.

ورفع البنك المركزي الأمريكي (الاحتياطي الفيدرالي) سعر الفائدة 0.25% في أول اجتماع له هذا العام في الأول من فبراير، وذلك للمرة الثامنة على التوالي ليسجل العائد على الدولار بين 4.5% و4.75%.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان