اقتصاد مصر قبيل الانتخابات الرئاسية: ثورة الجياع على الأبواب؟
القاهرة – (دويتشه فيله):
ازداد عدد الفقراء المصريين بسبب البطالة وارتفاع الأسعار في العشر السنوات الأخيرة وتفاقم ذلك بشكل خاص بعد ثورة 25 يناير، حتى في الطبقة المتوسطة. والمشكلة تكمن في أن الحملات الانتخابية المصرية تتجاهل هذه المشكلة بشكل كبير.
رائحة حساء لحم الخروف تفوح في بيت المصري محمد وزوجته ولاء في جنوب القاهرة. ورغم أن رب الأسرة محمد لا يقدر على شراء اللحوم بسبب غلاء أسعارها إلا أن كرم الضيافة المصري دفعه في هذا اليوم إلى شراء اللحم وتكليف نفسه فوق طاقتها. فمحمد يكسب في اليوم الواحد ما يكافئ خمسة يوروهات في أحسن الأحوال.
محمد وولاء لديهما خبرة في الطبخ. فقد عمل كلاهما في هذا المجال لسنوات. لكنهما أصبحا الآن يعيشان فقط على الخبز والخضروات بشكل رئيسي، كما تقول ولاء: ''أشعر بالغضب بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، بما في ذلك الإيجار والماء والكهرباء والأدوية''.
كما أن ابنتهما البالغة من العمر عشرة أشهر تحتاج إلى الرعاية الصحية، خصوصاً أنها كانت قد وُلِدتَ كطفلة خديجة، أي قبل موعد الولادة المعتاد. وهذا يزيد من الأعباء المالية عليهما.
الطبقة المتوسطة تزداد فقراً
عائلة محمد ليست حالة انفرادية، بل إن الطبقة المتوسطة باتت أكثر فقراً في مصر وأعداد الفقراء يتزايد في البلاد. فخلال العشر السنوات الأخيرة ارتفعت نسبة الواقعين تحت خط الفقر من 17 في المئة إلى 25 في المئة في مصر، وفق الإحصاءات الرسمية.
وتسارع هذا التفاقم بشكل متزايد بعد سقوط نظام مبارك وحالة الفوضى التي عمت البلاد بعد ثورة 25 يناير، ناهيك عن البطالة البالغة 13 في المئة.
قبل عدة سنوات كان محمد يدفع ما يكافئ نصف يورو في الشهر للكهرباء لكنه الآن يدفع ما يكافئ ثمانية يوروهات. وقد غير وظيفته بعد إسقاط نظام مبارك عدة مرات: من بوّاب إلى ميكانيكي ومن نادل إلى بياع في الشوارع، كمحاولة منه لرفع دخله المادي، دون جدوى.
محمد يعزو التضخم في البلاد إلى الفساد الحكومي وإلى تجار الجملة، ويقول في هذا السياق: ''يحب معاقبة هؤلاء الناس الذين ينتهكون القوانين. إنهم يرفعون الأسعار بشكل مصطنع كي يستغلوا الفقراء''.
الاعتماد على الاستيراد
ترى خبيرة الاقتصاد هدى سليم أن سبب الفقر المتنامي في مصر هو ارتفاع الأسعار المتسارع. إذ تبلغ نسبة التضخم حالياً أكثر من عشرة في المئة (10,2 في المئة) وتزيد هذه النسبة بوضوح بالنسبة للمواد الغذائية.
وتقدِّر هدى سليم، الموظفة في مركز البحوث الاقتصادية في القاهرة، أن ثلاثة أرباع دخل العائلة المصرية يذهب إلى الأكل والشرب، وتضيف: ''معدل ارتفاع التضخم له العديد من الأسباب. فكثير من الأسواق المصرية تفتقر إلى التنافس. ولا توجد مؤسسات تعمل على تنظيم الأسواق. وهكذا لا تمارس، مثلاً، مؤسسة حماية المستهلك عملها بكفاءة''، وحتى إنْ تم تحسين القوانين على المدى المتوسط فإن ذلك لن يسهم في حل المشكلة بسهولة. فمصر معروفة منذ وقت طويل بأنها أكبر الدول استيراداً للقمح في العالم، وهذا يجعلها تابعة لتقلبات الأسعار العالمية. وتنتقد الخبيرة عدم طرح الحملات الرئاسية موضوع الاقتصاد الملح في الواجهة.
ثورة جياع؟
وفي سياق الانتخابات المصرية 2014، أشار المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، الذي يبدو فوزه في الانتخابات محسوماً، إلى أنه سيلغي الدعم الحكومي بشكل تدريجي في حال فوزه. وبالتالي ومن أجل تقليل التضخم قد يتم تخفيض الدعم بشكل كبير عن المواد الغذائية والطاقة، لأن هذا الدعم يستهلك ما يكافئ 15 مليار يورو من الميزانية المصرية العامة.
وتعتقد الخبيرة هدى سليم أن السيسي قد يجرؤ على فعل هذه الخطوة مستفيداً من شعبيته في مصر. وهنا يبرز شرط مهم وهو أن تستعمل الحكومة هذه الأموال في إيجاد مشاريع استثمارية لصالح المواطنين الفقراء.
يحذر محمد، الذي يكد ويتعب من أجل إعالة عائلته، من بلوغ الناس في مصر حدود معاناة لا يمكنهم احتمالها، ويضيف: ''كل الشعب يقترض من أجل العيش بل والحفاظ على أدنى مستويات المعيشة. لكن الناس لا يمكنهم الاحتمال أكثر من ذلك. لقد وصلنا إلى حدودنا''، ويحذر من أن الأسعار إذا استمرت في الارتفاع دون ضوابط فإن ذلك قد يؤدي إلى ثورة جياع مقبلة.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: