أمهات صنعن رجالاً.. أم الإمام سفيان الثوري فقيه العرب (1)
كتبت – سارة عبد الخالق:
يزخر التاريخ الإسلامي بنماذج مشرفة وأمهات رائعات استطعن أن يضعن أثرهن ويصنعن رجالا بحق!.. هؤلاء الأمهات كان لهن دور فعال في بناء رجال وشخصيات عظيمة حفرت أسماءها عبر العصور، وتركت علامات فارقة في عدة مجالات مختلفة.
يقدم مصراوي عبر حلقات تحت عنوان "أمهات صنعن رجالاً" نماذج لأمهات كانت سندا وعونا ومحفزا لأبنائهن، ساعدتهم لكي يكونوا بحق رجالا صنعوا تاريخا، ومنهن:
أم الإمام سفيان الثوري:
كانت أم الإمام سفيان الثوري، امرأة صالحة، تعمل بالغزل، سجل التاريخ مكانتها ودورها العظيم الذي لعبته في حياة ابنها سفيان الثوري، لكن للتعرف على هذا الدور العظيم الذي أتى بثماره بعد ذلك، لا بد من التعرف بداية على سفيان الثوري؟.
الإمام سفيان الثوري هو: "فقيه العرب ومحدثهم، وأحد أصحاب المذاهب الستة المتبوعة، إنه أمير المؤمنين في الحديث الذي قال فيه زائدة: "الثوري سيد المسلمين"، وقال الأوزاعي: "ولم يبق من تجتمع عليه الأمة بالرضا إلا سفيان" وقال أيضا: "لو قيل: اختر لهذه الأمة رجلاً يقوم فيها بكتاب الله وسنة نبيه، لاخترت لهم سفيان الثوري" - وفقا لما جاء في (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) للأصبهاني و((الزواج الإسلامي السعيد) للشيخ محمود المصري.
وتحدث عنه الإمام أحمد بن حنبل قائلا: "أتدري من الإمام؟ الإمام سفيان الثوري، لا يتقدمه أحد في قلبي"، فيما ذكره أبوحاتم الرازي بقوله: "سفيان فقيه حافظ زاهد إمام، هو أحفظ من شعبة".
يثني الشيخ محمود المصري - في كتابه السابق ذكره - على دور أم الإمام سفيان الثوري قائلا: "ما كان ذلك الإمام الجليل، والعلم الشامخ إلا ثمرة أم صالحة، حفظ التاريخ لنا مآثرها، وفضائلها، ومكانتها، وإن كان ضن علينا باسمها".
فكانت أم سفيان الثوري تعمل لتترك ابنها لكي يتفرغ للعلم، وكانت ترعاه بالنصيحة والموعظة، فقد روى الإمام أبوعبد الله أحمد بن حنبل – رحمه الله – بسنده عن وكيع قال: قالت أم سفيان لسفيان: "يا بني اطلب العلم، وأنا أكفيك بمغزلي"، وفقا لما جاء في (صفة الصفوة) لابن الجوزي.
فكانت هي العون والسند لابنها والمحفز الأساسي الذي ينير طريقه في طلب العلم، فعن وكيع بن الجراح، قال: قالت أم سفيان الثوري لسفيان:
"يا بني، إذا كتبت عشرة أحاديث (وفي رواية: عشرة أحرف) فانظر هل ترى في نفسك زيادة في مشيك وحلمك ووقارك؟ فإن لم تر ذلك فاعلم أنه يضرك ولا ينفعك" – رواه في (تاريخ جرجان) أبوالقاسم السهمي، وأورده في "صفة الصفوة" ابن الجوزي.
فهذه الأم العظيمة التي كانت تعمل بالغزل، وتقدم نفقة الكتب والتعلم لابنها هي السبب والدافع لصنع هذا الرجل العظيم الذي ترك بصمته عبر التاريخ، فلقد كلل الله تعالى مجهودها وإخلاصها وتفانيها في تربية ابنها وتنشئته تنشئة علمية سلمية، بأن تبوأ هذه المكانة العظيمة وأصبح إمامًا لأهل الحديث في زمانه.
فقد ذاع صيته، وكان شديد الذكاء والحفظ منذ صغره، حتى قال عنه الوليد بن مسلم – أحد رواة الحديث – أنه: "رأى الثوري بمكة يُستفتى، ولم يكن شعر لحيته قد نبت بعد"، وفقا لما جاء في (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم.
فيديو قد يعجبك: