بالصور..في حضرة الإمام الحسين .. الحجرة النبوية آثار وأنوار
بقلم – هاني ضوَّه :
عند باب حجرة الآثار النبوية الشريفة بمسجد الإمام الحسين .. تسارعت دقات قلبي فرحًا .. فخلف هذا الباب توجد آثار الحبيب المصطفى صلَّى الله عليه وآله وسلم ..
وعما قليل سأنعم برؤية سيفه وقطعاً من قميصه، وعصاه التي أشار بها يوم فتح مكة إلى الأصنام فتهاوت، كذلك أرى مروده ومكحلته وأربع شعرات من شعر رأسه الشريف صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله.
دخلت إلى الغرفة وكلى هيبه .. شعور عجيب يمزج ما بين الفرح والشوق .. حواسي تتبارك بنفحات الحبيب .. وعيناي تدوران بأرجاء الحجرة تريد أن تكتحل برؤية آثاره الشريفة، ولساني يلهج بالصلاة والسلام عليه وعلى آله وصحبه، ونفسي تخاطبني:
هو ذا الحبيبُ وهذه آثارهُ *** فاغنم فإن العمر ذا لحظاتُ
أثرٌ أثار الشوق في أرواحنا *** فإذا تَبدَّى تنجلي الظلماتُ
أثرٌ تُنالُ المكرماتُ بسرهِ *** فبسر طه تنزلُ البركاتُ
قد يشكك البعض في نسبة هذه الآثار الشريفة إلي النبي صلَّى الله عليه وسلم، ويتساءل كيف تبقي هذه الآثار حتي الآن، وكيف وصلت إلي مصر وغيرها من البلدان في مختلف الاتجاهات؟
وليس بعجيب أن تبقي آثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس لوقتنا هذا بل ولقيام الساعة، فليس هو بالشخص العادي حتي تفني آثاره الشريفة، وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم هذا، فكانوا يتخاطفون الشعرة الواحدة من رأسه و لحيته، ويتفاخرون بالاحتفاظ بها ويتوارثونها على مر الزمان، وهنا يكمن سر خلود آثار النبي المادية حتى الآن.
رحلة الآثار النبوية
مَنَّ الله على مصر بأن جعل فيها مجموعة فريدة من الآثار النبوية التي أجمع المؤرخون على أنها كانت عند بني إبراهيم بينبع، وقد تلقوها بالميراث عن آبائهم وأجدادهم الأولين في أجيال متعاقبة تمتد إلى زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وظلت تلك الآثار لدي بني إبراهيم وفي عقبهم حتى اشتراها منهم الوزير المصري الصاحب تاج الدين ابن حنا، وكان ذلك في القرن السابع الهجري في عهد السلطان الظاهر بيبرس، وقام ببناء رباط لها على شاطئ النيل بمصر القديمة عرف "برباط الآثار" أو "أثر النبي"، وجعل له وقفاً وعين شيخاً للحفاظ عليهاوصيانتها.
وبمرور الزمن تصدع هذا الرباط وخشي على الآثار النبوية من السرقة أو الأذي، فبنى لها السلطان قنصوه الغوري في أوائل القرن العاشر الهجري قبة عظيمة تجاه مدرسته بشارع الغورية الآن، لتظل محفوظة بها أكثر من ثلاثة قرون، إلى أن تم نقلها إلى مسجد السيدة زينب رضوان الله عليها، ثم نقلت بعد ذلك إلى خزانة الأمتعة بالقلعة، وبعد فترة قصيرة نقلت منها إلى ديوان الأوقاف، ثم إلى سراي عابدين حيث أمر الخديو توفيق بحفظها في قطع الحرير الاخضر المطرزة بأسلاك من فضة مذهبة، وتم نقلها إلى مسجد الإمام الحسين في موكب عظيم عام 1888 سار فيه العلماء والوزراء، وفي عام 1893 في عهد الخديوي عباس حلمي تم بناء الحجرة التي أنشئت خصيصاً لهذه الاثار وهي الغرفة الحالية، وتقع وراء الحائط الشرقي للمسجد الحسيني والحائط الجنوبي لقبة المسجد.
شعرات النصر
نظرتُ إليها .. أربع شعرات من شعر رأس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شرفت بها الغرفة، الشعرات الشريفة لونها كستنائي، طول إحداها 7سم، مثبتة في شمع مع باقي الشعرات داخل اسطوانة معدنية محاطة بصندوق زجاجي ذو قبة وهلال فضي.
عندما رأيت الشعرات الشريفة تذكرت سيدنا خالد ابن الوليد سيف الله عندما ضاعت قلنسوته في غزوة اليرموك فقال لجنوده ابحثوا عنها، فلم يجدوها في البداية وعندما وجدوها تعجبوا لأنها كانت قديمة ومتهالكة، فتعجبوا من الأمر، فأخبرهم خالد أن في هذه القلنسوة سراً .. فعندما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحلق رأسه سارع الناس على شعره، فأخذ خالد ابن الوليد شعرات من ناصية الحبيب ووضعها في هذه القلنسوة، فلم يشهد قتالاً وهي معه إلا رزق النصر.
من شعرات النبي الكريم
وهناك شعرات أخري للنبي صلَّى الله عليه وآله وسلم محفوظة بالمسجد غير معروضه، فقد أضيف إلى الشعرات الأربع شعرة أخري كانت عند أحمد طلعت باشا رئيس ديوان الخديوى سعيد وابنه توفيق، يقال أن هذه الشعرة منحها إياه السلطان في إحدى سفرياته إلى القسطنطينية، وهى شعرة بيضاء وقد كان من شعره الشريف صلَّى الله عليه وآله وسلم شعرات بيضاء تصل إلى شحمة الأذن يبلغ طولها 8 سم، وأضيفت إليها أيضاً ثلاث شعرات كانت بتكية الكلشني بمنطقة تحت الربع، وهي أيضا من الشعر المترجل ويتراوح طولها بين 8 و10سم ولونها كستنائي فاتح، كأنها كانت بيضاء وتخضبت بالحناء.
وفي عام 1921 أحضرت الحاجة ملكة حاضنة الأمير كمال الدين ابن السلطان حسين، قارورة إلى المسجد الحسيني وقالت أن بها شعرات من اللحية النبوية الشريفة، وعدد هذه الشعرات خمس، 4 منها لونها كستنائي داكن، وواحدة بيضاء ويتراوح طولها بين 3 إلي 5 سنتيمترات.
كذلك ارسلت تكية النقشبندية شعرة أخرى لتحفظ مع آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمسجد الحسيني، وبذلك يبلغ مجموع الشعرات المحفوظة مع الآثار النبوية بالحسين 15 شعرة، المعروض منها أربعة فقط.
ليس لها ظل
وقد يتبادر إلى ذهن البعض أن تلك الشعرات الشريفة لا تصح نسبتها إلى النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم، وأنها مكذوبه .. رغم يقيني الشخصي بثبوت نسبة هذه الشعرات الشريفة إلى الحبيب المصطفي، إلا أنه لا بد من توضيح أمر هام، فباختبار بسيط نستطيع التأكد من مدى صحة نسبتها وهي طريقة جربتها أنا شخصياً، كل ما علينا هو أن نجعل هذه الشعرة تحت ضوء فإن كان لها ظل فهي قطعاً ليست من شعرات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإن جعلناها تحت الضوء ولم نر لها ظلاً فهي يقيناً من شعرات الحبيب، لأنه كما جاء في كتب الشمائل والخصائص المحمدية وذكره الكثير من العلماء أن سيدنا ابن عباس ذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يُرى له ظل في شمس ولا قمر. وهي من خصائص حضرته صلَّى الله عليه وآله وسلم فظله كان لا يقع على الأرض، وأنه كان نورًا، ويشهد له قوله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: "واجعلني نورا" كما جاء بصحيح مسلم. كذلك فالشعرة الشريفة لا يؤثر فيها النار. فالأمر من السهل كشفه.
وفي عهد السلطان عبدالحميد لما كثر زعم البعض امتلاكهم للشعرات الشريفة، استدعي السلطان عبدالحميد جمع من العلماء وكان من بينهم الشيخ أسعد الشقيري –والد السيد أحمد الشقيري- وسألهم عن عن كيفية التعرف على صحة نسب هذه الشعرات للنبي، فاقترح الشيخ الشقيري على السلطان هذا الاختبار فشعر الرسول لا ظل له أيضاً، والشعرة التي تعرض على النور ولا تترك ظلاً تكون صحيحة النسب، وأما ذات الظل فإن أصحابها اصطنعوها اصطناعاً، وبناء على هذا تم الفحص وأعطي السلطان عبدالحميد أصحاب الشعرات الصحيحة شهادات - فرمان- بصحة نسبها.
قميص النبي
داخل الحجره أيضاً رأيت ثلاث قطع من قميص النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم، ذلك القميص الذي لامس جسده الشريف وتشرب من عرقه العطر .. القطع الثلاث توجد داخل صندوق زجاجي تعلوه قبة وهلال من الفضة، وهي بيضاء اللون منسوجة على أنوال يدوية بسيطة، ولا يوجد عليها أي زخارف ملونة أو حتي زخارف نسجية، القطعة الأولى من الكتان ليست مخيطة وتدل خيوطها على أنها من الكتان الجيد، ومن المرجح أن تكون واحدًا من تلك الأثواب العشرين التي أهداها المقوقس للرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
أما القطعتان الأخرتان فهما من القطن، وقد تكونان من الأثواب السحولية نسبة إلى مكان باليمن مما تركه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أنواع الملابس.
وتؤكد الدكتورة سعاد ماهر -أستاذ التاريخ الاسلامي وأول عميد لكلية الآثار جامعة القاهرة- أنها درست ما جاء في المراجع التاريخية خاصة التي وصفت أنواع اللباس التي تركها النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواء من ناحية الشكل والمادة الخام ومكان الصناعة، وأنها قامت بتحليل المواد الخام والخيوط في المعمل الكيميائي لمصلحة الآثار وثبت صحة نسبتها للنبي صلَّى الله عليه وآله وسلم.
مكحلة الحبيب
مكحلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومروده الذي مس جفونه هي أيضاً ضمن محتويات الغرفة، فقد كان الحبيب يكتحل منها عند النوم ثلاثاً في كل عين، لم يكن اكتحاله صلَّى الله عليه وآله وسلم للزينة فهو ليس بحاجة إليها، ولكنها من قبيل التداوي للحفاظ على العين، فعين الحبيب كحيلة واسعة .. شديدة سواد الحدقة .. وشديدة البياض من حولها مشربة بحمرة خفيفة.
والمكحلة تشبه الملعقة وهي من النحاس الأصفر غلف مقبضها بغلاف من الفضة من المرجح أن يكون أضيف إليها فيما بعد، يبلغ طولها 3.5سم، أما مقبضها فطوله 11.5سم، وبجوارها المرود أو ما يسمى بالميل، وهو من الحديد ويبلغ طوله 11سم، أما مقبضه فمن الفضة وطوله 2.5سم.
وترجح الدكتورة سعاد ماهر أن المكحلة والمرود صنعا من مادة الحديد أو النحاس الأحمر وأن نسبتهما إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم صحيحة.
عصا التوحيد
لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة كانت عليه عمامة سوداء فوقف على باب الكعبة وأثنى على الله تعالى وقال: "يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم" قالوا: خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء " فعفا عنهم، وكان على الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً وكان بيده قضيب "عصا" وكان يشير به إلى الأصنام وهو يقرأ : "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" فلا يشير لصنم منها إلا سقط على وجهه وتكسر.
كانت تلك عصي التوحيد التي توجد في غرفة الآثار النبوية بمسجد الإمام الحسين، تلك العصي كانت تسمي "البيضاء" غنمها رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم من بني قينقاع، وهي مصنوعة من خشب "الشوحط" وهو أحد أنواع خشب الأرز، والعصا مكسوة بغلاف أظهرت التحاليل أنه من الفضه الجيدة يبلغ طوله 18.4 سم.
القطعة الباقية من القضيب وطولها حوالي 4 سم يبدو عليها القدم الشديد، وقد غطي بطبقة من الراتنج "الجو مالاكة" لوقايته من التلف أو التآكل والتسويس خاصة بعد أن تلف الكثير منه، وترجح الدكتورة سعاد ماهر أن هذه العصا هي التي تسمي "البيضاء" خاصة وأن أوصافها التي ذكرها المؤرخون تنطبق عليها.
سيف "العضب"
"العضب" .. سيف من سيوف الحبيب صلَّى الله عليه وآله وسلم عندما تمسك بمقبضه الخشبي الذي لامس كفه الشريف تستشعر معاني الفتوة والشجاعة التي كان يتحلي بها النبي عليه الصلاة والسلام.
السيف له غمد خشبي مغلف بغلاف من الجلد الرقيق، طبع على طرفه المدبب زخارف وكتابات بماء الذهب، يرجح أنها تنتمي إلى القرن التاسع أو العاشر الهجري، الوقت الذي قام فيه السلطان الغوري بتجديد الغمد وغلاف المصحف المنسوب إلى سيدنا عثمان عندما نقل آثار الرسول من قلعة أثر النبي إلى قبته بحي الغورية أحد أحياء القاهرة الإسلامية.
والمقبض الخشبي للسيف مثبت في نهاية النَّصل بثلاثة مسامير وفي نهايته توجد حديدة معترضة على الغمد تعرف باسم "الواقية"، كان النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قد قال يوم أُحد: "من يأخذ هذا السيف بحقه؟" قال أبو دجانة: وما حقه يا رسول الله؟، قال النبي: "حقه أن يضرب به حتى يثنى!"، فأخذه أبو دجانة وراح يضرب به، ثم يذهب إلى حجر فيشحذه -أي يسنه- حتى تعود إليه حدته وينزل به إلى ساحة القتال مرة أخرى.
وقد أظهر التقرير العلمي الذي أشرفت عليه الدكتورة سعاد ماهر عن هذه الآثار، أن السيف يحتوي على شقوق وتجويفات حادة نتيجة "السن" أو الشخذ، وبفحص "العضب" بالمجهر تبين وجود نص عربي محفور في معدن السيف، وبدراسة أسلوب خط الكتابة تبين أنها مشتقة من الخط النبطي، أصل الكتابة العربية، والذي كتب به معظم كتابات عصر الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلم.
مصاحف الصحابة
آخر محتويات الحجرة مصحفان، الأول ينسب إلى أمير المؤمنين الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه، والآخر ينسب لسيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه، وتشكك د.سعاد ماهر في صحة نسبهما إلى الإمام على وسيدنا عثمان قائلة: المصحف الأول مكتوب بمداد يميل إلى السواد، أما خط المصحف فهو كوفى بسيط نقطت حروفه بنقط حمراء الشكل وأخرى سوداء للإعجام، بما يقطع بأنه لم يكتب قبل عصر الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك عندما قام نصر بن عاصم بنقط الحروف.
كما أنه من المؤكد أنه لم يكتب بعد 16 هـ حين اختفت النقط الحمراء وحل مكانها الجرات التي وضعها الخليل بن أحمد للدلالة على الشكل في أوائل العصر العباسي.
كذلك فإنه لم يسمع بهذا المصحف إلا فى القرن الثامن الهجرى عند زيارة ابن بطوطة لمصر، وبناء عليه ينتفي نسب المصحف لسيدنا على رضى الله عنه.
أما المصحف المنسوب لسيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه فبعد دراستها لنوع الخط والرقم والمداد والورق تقول دكتورة سعاد: "أنفى نسبة المصحف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأؤكد أنه يرجع إلى الفترة ما بين نهاية القرن الأول وأوائل القرن الثانيالهجرى".
وربما يكون هو المصحف الذي أمر بكتابته والي مصر عبد العزيز بن مروان المتوفي سنة 86 هـ والذي عرف باسم حفيدته أسماء، وهو بذلك يعتبر أقدم مصحف كتب بمصر.
انتهت جولتي داخل حجرة الآثار النبوية .. تمنيت أن لا تنتهي .. أو أن أتخذ تلك الحجرة مسكناً لي .. لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه .. انصرفت ولسان حالي يقول مخاطباً الآثار الشريفة:
أنتِ الغرامُ لذي الفطانة والحِجَى ** أنا قد حُرمتُ ففي الحشى زفراتُ
هل لي بلَثمٍ أو بلَمس ثانياً ** فعسى تزولُ بسركِ الحسراتُ
فبطيبك روحي زادَ حنينها ** وبنورك قد زالت الكرباتُ
فأدعو الإله بسركِ متوسلاً ** فعسى تجابُ بسركِ الدعواتُ
فيديو قد يعجبك: