إعلان

خواطر الشعراوي.. ما اعد الله لعبادة من ثواب فى الدنيا والأخرة

09:01 ص الأحد 06 أغسطس 2017

خواطر الشعراوي.. ما اعد الله لعبادة من ثواب فى الد

قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}.. [النساء : 134].

ومادام الرسل قد أبلغوا الإنسان أن عند الله ثواب الدنيا والآخرة فلمَ الغفلة؟ ولمَ لا تأخذ الزيادة؟، ولماذا نذهب إلى صفقة الدنيا فقط مادام الحق يملك ثواب الدنيا من صحة ومال وكل شيء، وإن اجتهد الإنسان في الأسباب يأخذ نتيجة أسبابه. فالحق يقول: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِن نَّصِيبٍ}.. [الشورى: 20].

ولم يقل الحق: إن (الآخرة) في مقابلة للدنيا؛ وأن من يأخذ الدنيا لن يأخذ الاخرة أو العكس، بل يريد- سبحانه للإنسان أن يأخذ الدنيا والآخرة معاً، فيا من تريد ثواب الدنيا لا تحرم نفسك بالحمق من ثواب الآخرة. وكلمة (ثواب) فيها ملحظ؛ فهناك أشياء تفعل لك وإن لم تطلب منها أن تفعل، وتنتفع بعملها وإن لم تطلب من الأشياء أن تفعل. وهناك أشياء أخرى تنفعل بحركتك، فإن تحركت وسعيت وعملت فيها تعطك.

مثال ذلك الأرض، فإن بذرت فيها تخرج الزرع، واختلافات الناس في الدنيا تقدماً وتأخراً وحضارة وبداوة وقوة وضعفاً إنما تأتي من القسم الذي ينفعل للإنسان، لا من القسم الذي يُفْعَل للإنسان. ويسخر له، وتقدم بعض البشر في الحضارة إنما جاء لأنهم بحثوا في المادة والعناصر، وأنجزوا إنجازات علمية هائلة في المعامل، فإن أردت أن تكون متقدماً فعليك أن تتعامل مع العناصر التي تنفعل لك، والأمم كلها إنما تأخذ حضارتها من قسم ما ينفعل لها، وهم والمتأخرون شركاء فقط فيما يُفعل لهم ويسخَّر لصالحهم.

وإن أردنا الارتقاء أكثر في التحضر.. فعلينا أن نذهب إلى ما يُفْعل ويسخّر لنا ونتعامل نعه حتى ينفعل لنا.. كيف؟.

الشمس تمدنا بالضوء والحرارة، ونستطيع أن نتعامل مع الشمس تعاملاً آخر يجعلها تنفعل لنا، مثلما جئنا بعدسة اسمها (العدسة اللاّمة) التي تستقبل أشعة الشمس وتتجمع الأشعة في بؤرة العدسة؛ فتحدث حرارة تشعل النار، أي أننا جعلنا ما يُفْعَل لنا يتحول إلى منفعل لنا أيضاً. ويسمون ذلك الطموح الانبعاثي. والمطر يفعل للإنسان عندما ينزل من السماء في وديان، ويستطيع الإنسان أن يحوله إلى منفعل عندما يضع توربينات ضخمة في مسارات نزوله فينتج الكهرباء.

إذن فحضارات الأمم إنما تنشأ من مراحل. المرحلة الأولى: تستخدم ما ينفعل لها، والمرحلة الثانية: ترتقي فتستخدم ما ينفعل معها. والمرحلة الثالثة: تستخدم ما يفعل لها كمنفعل لها؛ مثال ذلك استخدام الطاقة الشمسية بوساطة أجهزة تجمع هذه الطاقة ارتقاءً مع استخدام ما يفعل للإنسان لينفعل مع الإنسان.

وأسمى شيء في الحضارة الآن هو أشعة الليزر التي تصنع شبه المعجزات في دنيا الطب. وكلمة (ليزر) مأخوذة كحروف من كلمات تؤدي معنى تضخيم الطاقة بواسطة الانبعاث الاستحثائي، فكلمة (ليزر)- إذن- مثلها كلمة (ليمتد) فاللام من كلمة.

والياء من كلمة، والتاء من كلمة، والدال من كلمة، وذلك لتدل على مسمّى.

وترجمة مسمّى (ليزر) هو تضخيم الطاقة عن طريق الانبعاث الاستحثائي. ففيه انبعاث تلقائي هو مصدر الطاقة الذي يُفعل للإنسان وإن لم يطلبه، أما الانبعاث الاستحثائي فينتج عندما يحث الإنسان الطاقة لتفعل له شيئاً آخر. والانبعاث التلقائي متمثل في الشمس فتعطي ضوءا وحرارة. وعندما جلس العلماء في المعامل وصمموا العدسة التي تنتج هذه الأشعة أهاجوها وأثاروها وأخذوا ليصنعوا منها طاقة كبيرة. وهكذا أنتجوا أشعة الليزر التي هي تضخيم للطاقة عن طريق الانبعاث الاستحثائي، ولأن العنوان طويل فقد أخذوا من كل كلمة حرفاً وكوّنوا كلمة (ليزر).

إذن فالارتقاءات الحضارية تأتي عن طريق تعامل الإنسان مع القسم الذي ينفعل للإنسان، واستحثاث واستخدام ما يُفعل له بطريقته التلقائية لينفعل معه كأشعة الشمس مثلا.

وجئنا بذكر كل ذلك من أجل أن نستوضح آفاق قول الحق: {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدنيا}. وكلمة (ثواب) إذن توحي بأن هناك عملاً، فالثواب جزاء على عمل. فإن أردت ثواب الدنيا، فلابد أن تعمل من أجل ذلك. فلا أحد يأخذ ثواب الدنيا بدون عمل.

ومن عظمة الحق ولطفه وفضله ورحمته أن جعل ثواب الدنيا جائزة لمن يعمل، سواء آمن أم كفر، ولكنه خص المؤمنين بثواب باق في الآخرة.

ولذلك يقال: (الدنيا متاع). ويزيد الحق على ذلك: {فَعِندَ الله ثَوَابُ الدنيا والآخرة وَكَانَ الله سَمِيعاً بَصِيراً}. ومن الحمق أن يوجد طريق يعطي الإنسان جزاءين ثم يقصر همته على جزاء واحد.

وهنا ملحظ آخر؛ فحينما تكلم الحق عن ثواب الدنيا، دل على أنه لابد من العمل لنأخذ الدنيا، ولم يذكر الحق ثواباً للآخرة، بل جعل سبحانه الثواب للاثنين.. الدنيا والآخرة، إذن فالذي يعمل للدنيا من المؤمنين إنما يأخذ الآخرة أيضاً؛ لأن الآخرة هي دار جزاء، والدنيا هي مطية وطريق وسبيل. فكأن كل عمل يفعله المسلم ويجعل الله في باله.. فالله يعطيه ثواباً في الدنيا، ويعطيه ثواباً في الآخرة.

ويذيل الحق الآية: {وَكَانَ الله سَمِيعاً بَصِيراً}- إذن- فثواب الدنيا والآخرة لا يتأتى إلا بالعمل، والعمل هو كل حدث يحدث من جوارح الإنسان، القول- مثلاً- حدث من اللسان، وهو عمل أيضاً، والمقابل للقول هو الفعل. فالأعمال تنقسم إلى قسمين: إلى الأقوال وإلى الأفعال. ولتوضيح هذا الأمر نقرأ قول الحق: {كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم وَلاَ تَحَآضُّونَ على طَعَامِ المسكين وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً}.. [الفجر: 17-19].

وعندما سمع الأغنياء هذا القول عرفوا سلوكهم، ولما سمع الفقراء هذا القول، كأنهم قالوا: نحن لا نملك ما نطعم به المسكين، فكان في قوله تعالى: {وَلاَ تَحَآضُّونَ على طَعَامِ المسكين} ما يوضح لهم الطريق إلى العطاء: أي حضوا غيركم على العطاء.

أي أن الذي لا يملك يمكنه أن يكلم الغني ليعطي المسكين، والحضُّ هو كلام. والكلام من العمل.

والحق سبحانه وتعالى يستنفر المؤمنين لينصروا دين الله فيقول: {لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.. [التوبة: 91].

هو سبحانه أعفى الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون في القتال وأسقطه عنهم ولم يحاسبهم عليه، ولكن في الآية نفسها ما يُحدد المطلوب من هؤلاء، وهو أن ينصحوا لله ورسوله. إذن فغير القادر يمكنه أن يتكلم بفعل الخير ويذكِّر به الآخرين وينصح به، هذا هو معنى قول الحق: {وَكَانَ الله سَمِيعاً بَصِيراً} فسبحانه يسمع قول مّن لا يستطيع ولا يملك القدرة على سلوك ما، وسبحانه بصير يرى صاحب كل سلوك.

إذن فثواب الدنيا يحتاج إلى عمل، والعمل هو انفعال كل جارحة بمطلوبها، فاللسان جارحة تتكلم، واليد تعمل، وكل جوارح الإنسان تعمل، لكن ما عمل القلوب؟ عمل القلوب لا يُسمع ولا يُرى، ولذلك قال الحق عن إخلاص القلب في حديث قدسي: (الإخلاص سرّ من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي).

وهكذا نعرف أن نية القلوب خاصة بالله مباشرة ولا تدخل في اختصاص رقيب وعتيد وهما الملكان المختصان برقابة وكتابة سلوك وعمل الإنسان، ولذلك نجد الحق يصف ذاته في مواقع كثيرة من القرآن بأنه لطيف خبير، لطيف بعلم ما يدخل ويتغلغل في الأشياء، وخبير بكل شيء وقدير على كل شيء. ونجد الحديث الشريف يقول لنا: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).

فالعمل يكون بالجوارح، ومن الجوارح اللسان، وحتى نضبط هذه المسألة لنفرق ما بين الفعل والعمل. نقرأ ونفهم هذه الآية: {ياأيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ}.. [الصف: 2].

ونجد المقابل للقول هو الفعل. والكل عمل. ويأتي نوع آخر من الأعمال، لا هو قول ولا هو فعل، وهو (النية القلبية). وعندما يقول الحق: إنه كان سميعاً بصيراً، فالمعنى سميع للقول، وبصير بالفعل.

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ...}.

المصدر: موقع نداء الإيمان

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان