إعلان

تفسير الشعراوي للآية 27 من سورة آل عمران

04:06 م الثلاثاء 25 أغسطس 2015

تفسير الشعراوي للآية 27 من سورة آل عمران

قال تعالى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.. [آل عمران : 27].

إن الحق يقول لنا: عندكم ظاهرة تختلف عليكم، وهي الليل والنهار، وظاهرة أخرى، هي الحياة والموت. إن ظاهرة الليل والنهار كلنا نعرفها لأنها آية من الآيات العجيبة، والحق يقول عنها: {تُولِجُ الليل فِي النهار وَتُولِجُ النهار فِي الليل} إن الحق لم يصنع النهار بكمية محدودة من الوقت متشابهة في كل مرة، لا، إنه سبحانه شاء لليل أن ينقص أحيانا عن النهار خمس ساعات، وأحيانا يزيد النهار على الليل خمس ساعات.

ولنا أن نتساءل.. هل تنقص الخمس الساعات من الليل أو النهار مرة واحدة وفجأة هل يفاجئنا النهار بعد أن يكون اثنتي عشرة ساعة ليصبح سبع عشرة ساعة؟ هل يكون الليل مفاجئاً لنا في الطول أو القصر؟ لا، إن المسألة تأتي تباعا، بالدورة، بحيث لا تحس ذلك، إن هناك نوعا من الحركة اسمها الحركة الترسية. إننا عندما ننظر إلى الساعة في كل الزمن؟ لا، إن كل ترس له زمن يتوقف فيه، وعندما يتوقف فإننا ندفع به ليعيد دورته، ويعمل، وإذا دققنا النظر في عقرب الدقائق فإننا نستطيع أن نلحظ ذلك.

إذن هناك فترة توقف وسكون بين انتقال عقرب الدقائق من دقيقة إلى أخرى، وهذا اللون من الحركة نسميه (حركة ترسية)، وهناك حركة أخرى ثانية نسميها (حركة انسيابية)، بحيث يكون كل جزء من الزمن له حركة، كما يحدث الأمر في ظاهرة النمو بالنسبة للإنسان والنبات والحيوان.

إن الطفل الوليد لا يكبر من الصباح إلى المساء بشكل جزئي، أو محسوس، إنه يكبر بالفعل دون أن نلحظ ذلك، وقد يزيد بمقدار ملليمتر في الطول، وهذا الملليمتر شائع في كل ذرات الثواني من النهار، إن الطفل لا يظل على وزنه وطوله أربعا وعشرين ساعة من النهار، ثم يكبر فجأة عند انتهاء اليوم، لا، إن نمو الطفل كل يوم يتم بطريقة تشيع فيها قدرة النمو في كل ذرات الثواني من النهار، وهذه العملية تحتاج إلى الدقة المتناهية في توزيع جزيئات الحدث على جزيئات الزمان، وهذه هي العظمة للقدرة الخالقة التي يظل الإنسان عاجزا عنها إلى الأبد.

وقد قلت لكم مرة: إن الواحد منكم إن نظر إلى ابنه الوليد، وظل ناظراً له طوال العمر فلن يلحظ الإنسان منكم كبر ابنه على الإطلاق، لكن عندما يغيب الإنسان عن ابنه شهرا أو شهورا، ثم يعود، هنا يرى في ابنه مجموع نمو الشهور التي غاب فيها عنه وقد أصبح واضحا. ولو زرع الإنسان نباتا ما، وجلس ينظر إلى هذا النبات، فهو لن يرى أبدا نمو هذا النبات لماذا؟ لأن الجزئيات تكبر دون قدرة على أن يلمس الإنسان طريقة نموها.

ولنا أن نعرف أن كل ما يكبر إنما يصغر أيضا، ولا توجد عند الإنسان قدرة للملاحظة المباشرة لذلك، وفي الحياة أمثلة أخرى، نأخذ منها هذا المثل، فعندما قام العلماء بتصوير الأرض من الأقمار الصناعية، كانت الصور الأولى لمدينة نيويورك هي صورة لنقطة بسيطة، وعندما قام العلماء بتكبير هذه الصورة ظهرت الجزئيات، كالشوارع وغيرها، أين كانت الشوارع في هذه النقطة الصغيرة؟ لقد صغرت الشوارع أثناء التصوير بصورة تستحيل معها على آلات الإدراك عند الإنسان أن تراها، ولذلك فلابد من التكبير لهذه الصورة حتى يمكن للإنسان أن يراها، ونحن نرى الشيء البعيد صغيرا، ولكما قربناه كبر في نظرنا.

إذن فقول الله: {تُولِجُ الليل فِي النهار وَتُولِجُ النهار فِي الليل} هو لفت للانتباه البشرى إلى أن الليل والنهار لا يفصل بينهما حد قاطع بنسبة متساوية لكل منهما، لا، إنه الحق بقدرته يدخل الليل في النهار، ويدخل النهار في الليل. إن معنى (تُولج) هو (تُدخل)، ومثال ذلك أن يؤذن المؤذن لصلاة المغرب في يوم ما عند الساعة الخامسة، ويؤذن المؤذن لصلاة المغرب في أيام أخرى في الساعة السابعة. إن ذلك لا يحدث فجأة، ولا يقفز المغرب من الخامسة إلى السابعة، إنما يحدث ذلك بانسيابية، ورتابة. ومن ذلك نتلقى الدرس والمثل.

إنك أيها العبد إن رأيت ملكا قائما على حضارة مؤصلة، فاعلم أن هناك عوامل دقيقة لا تراها بالعين تنخر في هذا الملك إلى أن يأتي يوم ينتهي فيه هذا الملك. وهكذا تنهار الحضارات بعد أن تبلغ أوج الارتقاءات، ويصل الناس فيها إلى استعدادات ضخمة وإمكانات هائلة، وذلك لأن عوامل الانهيار تنخر داخل هذه الحضارات.

إن الحق بلفتنا إلى جلال قدرته وعظمة دقة صنعه، بمثل الليل والنهار: {تُولِجُ الليل فِي النهار وَتُولِجُ النهار فِي الليل}. ثم يأتي لنا الحق الأعلى بمثل آخر، فيقول: {وَتُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَتُخْرِجُ الميت مِنَ الحي}، إنها القدرة المطلقة بدون أسباب.

والوقفة هنا تجعلنا نرى كيف اهتدينا بما أفاض الله على بعض خلقه من اكتشاف لبعض أسراره في كونه، لقد وصل العلم لمعرفة أن لكل شيء حياة خاصة، فنرى أن ورقة النبات تحدث فيها تفاعلات ولها حياة خاصة، ونرى أن الذرة فيها تفاعلات ولها حياة خاصة، والتفاعل معناه الحركة، والحياة كما تعرف مظهرها الحركة، وغاية ما هناك أنه يوجد فرق في رؤية الحياة عند العامة، ورؤية الحياة عند الخاصة. إن الإنسان العامى لا يعرف أن النطفة فيها حياة، وأن الحبة فيها حياة، ولا يعرف ذلك إلا الخاصة من أهل العلم.

إن العامة من الناس لا يعرفون أن الحبة توجد لها حياة مرئية، ويكمن فيها نمو غير ظاهر، ولا يعرف العامة أن هناك فرقا بين شيء حي، وشيء قابل لأن يحيا.

ومثال ذلك نواة البلح التي نأخذها ونزرعها لتخرج منها النخلة، إنها كنواة تظل مجرد نواة إلى أن يأخذها الإنسان، ويضعها في بيئتها؛ لتخرج منها النخلة.

إذن فالنواة قابلة للحياة، وعندما ننظر إلى ذرات التراب فإننا لا نستطيع أن نضعها في بيئة لنصنع منها شيئا، ورغم ذلك فإن لذرة التراب حركة. ويقول العلماء: إن الحركة الموجودة في ذرات رأس عيدان علبة كبريت واحدة تكفي لإدارة قطار كهربائي بإمكانه أن يلف حول الكرة الأرضية عددا من السنوات.

إن هذه أمور يعرفها الخاصة، ولا يعرفها العامة. فإن نظرنا إلى العامة عندما يسمعون القول الحق: {وَتُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَتُخْرِجُ الميت مِنَ الحي} كانوا يقولون: إن المثل على ذلك نواة البلح، وكانوا يعرفون أن النخلة تنمو من النواة. ولكن الخاصة بحثوا واكتشفوا أن في داخل النواة حياة وعرفوا كيفية النمو.. وعرف العلماء أن لكل شيء في الوجود حياة مناسبة لمهمته.. فليست الحياة هي الحركة الظاهرة والنمو الواضح أمام العين فقط، لا، بل إن هناك حياة في كل شيء.

إن العامة يمكنهم أن يجدوا المثال الواضح على أن الحق يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، أما الخاصة فيعرفون قدرة الله عن طريق معرفتهم أن كل شيء فيه حياة، فالتراب الذي نضع فيه البذر لو أخذنا بعضا منه في مكان معزول، فلن يخرج منه شيء، هذا التراب هو ما يصفه العلماء بوصف (الميت في الدرجة الأولى) وأما النواة التي يمكن أن تأخذها وتضعها في هذا التراب، فيصفها العلماء بأنها (الميت من الدرجة الثانية).

وعندما ننقل الميت في الدرجة الأولى ليكون وسطا بيئيا للميت في الدرجة الثانية تظهر لنا نتائج تدلل على حياة كل من التراب والنواة معا، وقد مس القرآن ذلك مسا دقيقا، لأن القرآن حين يخاطب بأشياء قد تقف فيها العقول فإنه يتناولها التناول الذي تتقبلها به كل العقول، فعقل الصفوة يتقبلها وعقل العامة يتقبلها أيضا، لأن القرآن عندما يلمس أي أمر إنما يلمسه بلفظ جامع راق يتقبله الجميع، ثم يكتشف العقل البشري نفاصيل جديدة في هذا الأمر.

إن القرآن على سبيل المثال لم يقل لنا: إن الذرة فيها حركة وحياة وفيها شحنات من لون معين من الطاقة، ولكن القرآن تناول الذرة وغيرها من الأشياء بالبيان الإلهي القادر، وخصوصا أن هذه الأشياء لم يترتب عليها خلاف في الحكم أو المنهج. فلو عرف الإنسان وقت نزول القرآن أن الذرة بها حياة فماذا الذي يزيد من الأحكام؟ ولو أن أحدا أثبت أن الذرة ليس بها حياة فما الذي ينقص من أحكام المنهج الإيماني؟ لم يكن الأمر من ناحية الأحكام ليزيد أو لينقص، وعندما نأخذ القرآن مأخذ الواعين به، ونفهم معطيات الألفاظ فإننا نجد أن كلمة (الحياة) لها ضد هو (الموت)، وقد ترك الحق سبحانه كلمة (الموت) في بعض المواقع من الكتاب الكريم وأورد لنا كلمة أخرى هي (الهلاك) قال الحق سبحانه: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ الله لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}.. [الأنفال: 42].

إن (الهلاك) هنا هو مقابل الحياة، لماذا لم يورد الحق كلمة (الموت) هنا؟ لانه الخالق الأعلم بعباده، يعلم أن العباد قد يختلفون في مسألة (الموت) فبعض منهم يقول تعريفا للميت: إنه الذي لا توجد به حركة أو حس أو نمو، ولكن هذا الميت له حياة مناسبة له، كحياة الذرة أو حياة حبة الرمل، أو حياة أي شيء ميت، وهكذا عرفنا من الآية السابقة أن الحياة يقابلها الهلاك. ويقول الحق سبحانه عن الآخرة ليوضح لنا ما الذي سوف يحدث يوم القيامة: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}.. [القصص: 88].

لقد استثنى الحق الوجه أو الذات الإلهية، وكل ما عداها هالك. وما دام كل شيء هالك فمعنى ذلك أن كل شيء كان حيا وإن لم ندرك له حياة. اذن فالحياة الحقيقية توجد في كل شيء بما يناسبه، مرة تدركها أنت، ومرة لا تدركها.

إذن فقوله الكريم: {وَتُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَتُخْرِجُ الميت مِنَ الحي} يجوز أن تأخذه مرة بالعرف العام، أو تأخذه بالعرف الخاص، أي عرف العلماء، وما دام ذلك أمرا ظاهرا في الوجود كولوج الليل في النهار وولوج النهار في الليل، أي أن الحق يدخل النهار في الليل، ويدخل الليل في النهار. وفي اللغة يسمون بطانة الرجل- أي خاصة أصدقائه- (الوليجة) لماذا؟ لأنها تتداخل فيه، لأنك إن أردت أن تعرف سر واحد من البشر فاجلس مع صديق له أو عددٍ من أصدقائه الذين يتداخلون معه.

لذلك جاء أمر إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل بالوضوح الكامل، وجاءت مسألة الحياة والموت بألفاظ يمكن أن يفهمها كل من العامة والخاصة. وإذا كانت تلك الظواهر هي بعض من قدرات الله فمن إذن يستكثر على الله قدرته في أنه يؤتي الملك من يشاء، ويعز من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويذل من يشاء؟ لقد جاء الدليل من الآيات الكونية، ونراه كل يوم رأي العين. {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك.. تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الخير إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. إنك أنت يا الله، الذي أجريت في كونك كل هذه المسائل وهي كلها أمور من الخير، وإن بدا للبعض أن الخير فيها غير ظاهر.

إن الإنسان عندما يرى في ابنه شيئا يحتاج إلى علاج فإنه يسرع به إلى الطبيب ويرجوه أن يقوم بكل ما يلزم لشفاء الابن، حتى ولو كان الأمر يتطلب التدخل الجراحي. إن الأب هنا يفعل الخير للابن، والابن قد يتألم من العلاج، فإذا كان هذا أمر المخلوق في علاقته بالمخلوق، فما بالنا بالخالق الأكرم الذي يجري في ملكه ما يشاء، إيتاء ملك أو نزعه، وإعزازا أو إذلالا، فكل ذلك لابد أن يكون من الخير، وآيات الله تشهد بأن الله على كل شيء قدير لذلك يأتي بعد الآية السابقة قوله: {تُولِجُ الليل فِي النهار وَتُولِجُ النهار فِي الليل وَتُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَتُخْرِجُ الميت مِنَ الحي وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.. [آل عمران: 27].

فإذا كان هناك إنسان لم يفطن أبدا لمسألة إيلاج الليل في النهار أو إخراج الحي من الميت، فإنه لابد أن يلتفت إلى رزقه، فكل واحد منا يتصل برزقه قهرا عنه، ولذلك جاء الحق سبحانه بهذا الأمر الواضح: {وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وساعة تسمع كلمة (حساب) فإنك تعرف أن الحساب هو كما قلنا سابقا: يبين لك مالك وما عليك.

وعندما نتأمل قول الحق: {وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. فإننا نعلم أن (الحساب) يقتضي (محاسبا)- بكسر السين ويقتضي (محاسبا)- بفتح السين ويقتضي (محاسبا عليه)، إن الحساب يقتضي تلك العناصر السابقة. فعندما يقول الحق: {وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} فلنا أن نقول: ممن؟ ولمن؟ من أين يأتي الرزق؟ وإلى أين؟ إنه يأتي من الله، ويذهب إلى ما يقدره الله لأن الله هو الرزّاق، وهو الحق وحده، وهو الذي لا يستطيع ولا يجرؤ أحد على حسابه، فهو سبحانه الذي يحاسبنا جميعا، لا شريك له، وهو الفعال لما يريد.

إن الحساب يجريه الله على الناس، وهو سبحانه لا يعطي الناس فقط على قدر حركتهم في الوجود، بل يرزقهم أحيانا بما هو فوق حركتهم. وقد يرزقك الله من شيء لم يكن محسوبا عندك؛ لأن معنى الحساب هو ذلك الأمر التقديري الذي يخطط له الإنسان، كالفلاح الذي يحسب عندما يزرع الفدان ويتوقع منه نتاجا يساوي كذا إردبا أو قنطارا، أو الصانع الذي يقدر لنفسه دخلا محددا من صنعته. هذا هو الحساب، لكن الإنسان قد يلتفت فيجد أن عطاء الله له من غير حساب. وقد يحسب الإنسان مرة ولا يأتي له الرزق.

مثال ذلك: قالوا: إن دولة أعلنت أنها زرعت قمحا يكفي الدنيا كلها، ولكن عندما نضج المحصول هبت عاصفة أهلكت الزرع، وأكلت هذه الدولة قمحها من الخارج. فمن قالوا عن أنفسهم: إنهم سيطعمون الناس أطعمهم الناس.

أليس ذلك مصداقا لقول الحق: (من غير حساب)؟ إنه الحق سبحانه لا يحسب حركتك إيها الإنسان ليعطيك قدرها، ولكنه قد يعطيك أحيانا فوق حركتك.

ونحن نرى إخوتنا الذين أفاض الله عليهم بثروة البترول، لقد تفجر البترول من تحت أرجلهم دون جهد منهم إنه الله يريد أن يلفت الناس إلى قدرته جل وعلا، وأن الأرزاق في يده هو. وننظر إلى الناس الذين يشيرون إلى منطقة البترول فيتهمون أهلها بالكسل، ونجد ان الحق سبحانه وتعالى قد سخر لهم غير الكسالى ليخدموهم، وعندما أفاء على المنطقة العربية بالبترول احتاجت لهم الدول التي تقول عن نفسها: أنها متقدمة، إنه رزق بغير حساب.

إن هذه اللفتات إنما تؤكد للمؤمن طلاقة القدرة، إن الحق قد خلق الأسباب، ولم يترك الأسباب تتحكم وحدها، وقد يترك الحق الأسباب للإنسان ليعمل بها، وقد لا يعطيه منها، ويعطي الحق الإنسان من جهة أخرى لم يحسب لها حسابا. والإنسان الذي يتأمل تقدير أموره أو أمور من يعرف يجد أن تلك القضية منتشرة في كل الخلق، إنه سبحانه يرزق بغير حساب، ولا يقول: (لقد فعلت على قدر يساوي كذا)، والحق سبحانه يعطي بغير حساب من الإنسان، لأن الموازنة التي قد يقوم بها الإنسان قد يأتي لها من الأسباب ما يخرقها.

إذن {وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} تعني قدرة الحق المطلقة على الرزق بغير حساب ولا توجد سلطة أعلى منه تقول له: لماذا فعلت؟ أو ماذا أعطيت؟ أو من غير حساب منه سبحانه لخلقه، فيأتي الرزق على ما هو فوق أسباب الخلق، أو من غير حساب للناس المرزوقين فيأتي رزقهم من حيث لم يقدروا، فإذا كانت كل هذه الأمور لله، وهو مالك الملك ويعطي من يشاء، ويعز من يشاء، ويولج الليل في النهار، ويرزق من يشاء بغير حساب، أليس من الحمق أن يذهب إنسان ليوالي من لا سلطان له ويترك هذا السلطان، إن من يوالي غير الله هو الذي استبد به الغباء. ولنفطن لتلك القضية الإيمانية: إي فما دامت كل الأمور عندي فإياكم أن توالوا خصومى، لأنني أنا الذي بيده كل شيء، هاهوذا القول الحق: {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البغضآء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}. [آل عمران: 118].

إنه الحق يأمرنا ألا نوالي إلا الله، فإن كنت تجري حسابا لكل شيء وبتقدير مؤمن فلا توال إلا صاحب هذه الأشياء، وإياك أن تعمد إلى عدو لهذه القوة القاهرة القادرة المستبده في كل امور الكون ونواميسه، إياك أن تعمد الى أعداء الله لتتخذ منهم أولياء؛ لأنك لو فعلت تكون غير صائب التفكير.

المصدر: موقع نداء الإيمان

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان