تفسير الشعراوي للآية 27 من سورة البقرة
{الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}... (27)
بعد أن شرح الله لنا مفهوم الإيمان. في أننا نتلقى عن الله وننفذ الحكم ولو لم نعرف الحكمة. فكل ما يأتي من الله نأخذه بمنطق الإيمان، وهو أن الله الذي قال. وليس بمنطق الكفر والتشكك. فكل شيء عن الله حكمته أنه صادر عن الحق سبحانه وتعالى.
وأخبرنا الحق تبارك وتعالى أن الفاسقين هم المبتعدون عن منهج الله. وأراد الحق أن يبين لنا صفات الفاسقين. فحددها في ثلاث صفات.. أولا: الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه.. ثانيا: الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل. ثالثا: الذين يفسدون في الأرض.
ثم حدد لنا الحق تبارك وتعالى حكمهم فقال: أولئك هم الخاسرون. والخسران أن الذي وصلوا إليه هو من عملهم. لأنهم تركوا المنهج وبدأوا يشرعون لأنفسهم بهوى النفس. ولذلك يقول الحق جل جلاله عنهم: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}... [البقرة: 16].
إذن هم الذين اختاروا، وهم الذين اشتروا الضلالة ودفعوا ثمنها من هدى الله. فكأنهم عقدوا صفقة خاسرة. لأن هدى الله هو الذي يقودنا إلى الحياة الخالدة والنعيم الذي لا يزول.
والحق سبحانه وتعالى يعطينا الصورة في قوله تعالى: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التوراة والإنجيل والقرآن وَمَنْ أوفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الذي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم}... [التوبة : 111].
إذن فالمؤمنون باعوا لله سبحانه وتعالى أموالهم وأنفسهم، وكانوا صادقين في عهدهم. أما الكفار والمنافقون، فقد باعوا هدى الله، واشتروا به ضلال الدنيا.
فالحق سبحانه وتعالى ذكر لنا أول صفات الفاسقين أنهم لا عهد لهم. ليس بينهم وبين الناس فقط. ولكن لا عهد لهم مع الله أيضا. وكلما عاهدوا الله عهدا نقضوه. والله يحب الوفاء بالعهد. ولذلك يقول جل جلاله: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ العهد كَانَ مَسْؤُولاً}... [الإسراء : 34].
ويقول تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ}... [الأعراف: 102].
ما هو العهد الموثق الذي أخذه الله على عباده فنقضوه؟ أنه الإيمان الأول. الإيمان الفطري الموجود في كل منا. فالله سبحانه وتعالى أخذ من البشر جميعا عهدا، فوفى به بعضهم ونقضه بعضهم.
والله سبحانه وتعالى ذكر لنا في القرآن الكريم. أن هناك عهدا موثقا بينه وبين ذرية آدم. فقال جل جلاله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بني ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172].
وهكذا أخذ الله عهدا على ذرية آدم بأن يؤمنوا به وأشهدهم أنه ربهم.
وجاءت الغفلة إلى القلوب بمرور الوقت. فنقضوا العهد واتخذوا آلهة من دون الله. إذن أول صفات الفاسقين أنهم نقضوا عهد الله. والذي ينقض عهدا مع بشر، فسلوكه هذا لا يقبله الحق سبحانه وتعالى حتى مع الكفار وغير المؤمنين. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {إِلاَّ الذين عَاهَدتُّم مِّنَ المشركين ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فأتموا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} [التوبة: 4].
وهكذا نرى أن الحق تبارك وتعالى حين أعلن براءته وبراءة رسوله صلى الله عليه وسلم وبراءة المؤمنين من كل كافر مشرك في قضية إيمانية كبرى. حرم الله فيها على الكفار والمنافقين أن يقتربوا من بيته الحرام في مكة، احترم جل جلاله العهد. حتى مع المشركين. وطلب من المؤمنين أن يوفوا به. فإذا كان هذا هو المسلك الإيماني مع كل كافر ومشرك إن كنت قد عاهدته عهدا فأوف به إلى مدته. فكيف بالمشركين وقد عاهدوا الخالق الأعظم. ثم ينقضون عهده الموثق. أنهم قد خانوا منهج الله وعهده. وإذا لم يكن لهم عهد مع الله سبحانه وتعالى فهل يكون لهم عهد مع خلق الله؟!
إذن فالفاسقون أول صفاتهم أنه لا عهد لهم مع خالقهم ولا عهد لهم مع الناس. ولذلك لا نأمن لهم أبدا.
ثم تأتي بعد ذلك الصفة الثانية للفاسقين في قوله تعالى: {وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} وما أمر الله به أن يوصل هو صلة الرحم. فقد أمرنا الله تعالى بأن نصل أرحامنا. فنحن كلنا أولاد آدم. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع (كلكم لآدم وآدم من تراب).
وهكذا نرى أن هناك روابط إنسانية يلفتنا الله سبحانه وتعالى إليها. وهذه الروابط.. تبدأ بالأسرة ثم تتسع لتشمل القرية أو الحي. ثم تتسع لتشمل الدولة والمجتمع، ثم تتسع لتشمل المؤمنين جميعا، ثم تتسع لتشمل العالم كله. هذه هي الأخوة الإنسانية التي يريد الحق تبارك وتعالى أن يلفتنا إليها.
ولكن اللفتة هنا لا تقتصر على الناحية الإنسانية، بل تسجل أن ما فعلوا معصية، ومخالفة لأمر الله تعالى. فالله أمر بأن نصل الرحم. وجاء هؤلاء وخالفوا وعصوا ما أمر الله به. وقطعوا هذه الصلة. إذن فالمسألة فيها مخالفة لمنهج، وعصيان لأمر من أوامر الله سبحانه وتعالى. فصلة الرحم توجد نوعا من التكافل الاجتماعي بين البشر. فإذا حدث لشخص مصيبة.. أسرع أقاربه يقفون معه في محنته. ويحاول كل منهم أن يخفف عنه. هذا التلاحم بين الأسرة يجعلها قوية في مواجهة الأحداث. ولا يحس واحد منها بالضياع في هذا الكون، لأنه متماسك مع أسرته، متماسك مع حيه أو قريته. هكذا يختفي الحقد من المجتمع. ويختفي التفكك الأسري.
ولعلنا إذا نظرنا إلي المجتمعات الغربية التي يعتريها تفكك الأسرة.
نجد أن كل واحد منهم قد ضل طريقه وانحرف لأنه أحس بالضياع. فانحرف إلى المخدرات أو إلى الخمر أو إلى الزنا وغير ذلك من الرذائل التي نراها. جيل ضائع. من الذي أضاعه؟ عدم صلة الرحم.
وإذا تحدثنا عن الانحرافات التي نراها بين الشباب اليوم فلا نلوم الشباب، ولكن نلوم الآباء والأمهات الذين تركوا أولادهم وبناتهم وأهدروا صلة الرحم. فشب جيل يعاني من عقد نفسية لا حدود لها، إن الابن الذي يفقد جو الأسرة. يفقد ميزان حياته. والله سبحانه وتعالى يريد المؤمنين متضامنين متحابين خالين من كل العقد التي تحطم الحياة. إذن فعدم صلة الرحم تضيع أجيالا بأكملها.
ونأتي بعد ذلك إلي الصفة الثالثة من صفات الفاسقين بقوله تعالى: {وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض}. نقول: كل ما في الكون مخلوق على نظام: (قَدَّرَ فَهَدَى) أي كل شيء له هدى لابد أن يتبعه. ولكن الإنسان جاء في مجال الاختيار وأفسد قضية الصلاح في الكون.
ومن رحمة الله أنه جعل في كونه خلقا يعمل مقهورا. ليضبط حركة الكون الأعلى. فالشمس والنجوم والأرض وكل الكون ما عدا الإنس والجان. يسير وفق نظام دقيق. لماذا؟ لأنه يسير بلا اختيار له. والحق جل جلاله أخبرنا بأنه لكي يعتدل ميزان حياتنا. الاختيار الإنساني أن نبتعد عن منهج الله. لأن الله له صفة القهر. فهو يستطيع أن يخلقنا مقهورين، ولكنه أعطانا الاختيار حتى نأتيه عن حب. وليس عن قهر. فأنت تحب الشهوات ولكنك تحب الله أكثر. فتقيد نفسك بمنهج الله. إذن فالاختيار لم يُعْطَ لنا لِنُفْسِدَ في الأرض. ولكنه أُعْطي لنا. لنأتي الله سبحانه وتعالى طائعين ولسنا مقهورين.
ولذلك فكل منا مختار في أن يؤمن أو لا يؤمن. وهذا الاختيار يثبت محبوبية الله سبحانه وتعالى في قلوبنا. ولكن الإنسان بدلا من أن يأخذ الاختيار ليأتي الله عن حب. فينال الجزاء الأعظم. أخذه ليفسد في الأرض.
والفساد أن تنقل مجال افعل ولا تفعل. فتضع هذه مكان هذه. فينقلب الميزان أي أنك فيما قال الله فيه افعل. لا تفعل، وفيما قال لا تفعل. تفعل.
فتكون قد جعلت ميزان حياتك معكوسا. لماذا؟ لأننا غير محكومين بقاعدة كلية تنظم حياة الناس. فكل واحد سيضع قاعدة له. وكل واحد لن يفعل ما عليه. فيحدث تصادم في الحياة. وكل فساد يشكل قبحا في الوجود. فهب أنك تسير في الطريق. وترى عمارة مبنية حديثا. قد تسربت المياه من مواسيرها. عندما ترى ذلك تتأذى. لأن هناك قبحا في الوجود. في عدم أمانة إنسان في عمله. إذن فحين يفسد عامل واحد. بعدم الإخلاص في عمله. يفقد الكون نعمة يحبها الله. في أن ترى الشيء الجميل. فتقول: الله.
فكل إنسان غير أمين في عمله.
يفسد في الكون. وكل إنسان غير أمين في خلقه يفسد في الكون. ويعتدي على حرمات الآخرين وأموالهم. وهذا يجعل الكون قبيحا، فلا يوجد إنسان يأمن على عرضه وماله.
لقد أراد المعتدي أن يحقق ما ينفع به نفسه عاجلا. ولكنه أحدث فسادا في الكون كذلك عندما يغش التاجر الناس. وعندما يكتسب الإنسان المال بالنهب والسرقة. فيفتح الله عليه أسوأ مصارف المال في الوجود. فهو أخذ الحسرة بالفساد في الأرض.
والفساد في الأرض أن تخرج الشيء عن حد اعتداله. فتسرف في شهواتك وتسرف في أطماعك. وتسرف في عقابك للناس. وتسرف باعتدائك على حقوق الغير. والفساد في الأرض. أن يوجد منهج مطبق غير منهج الله.
إن غياب منهج الله معناه أن يصبح كل منا عبد أهوائه. وإذا صارت الأمور حسب أهواء الناس. جاءت لهم حركة الحياة بالشقاء والشر بدلا من السعادة والأمن. أن ما نراه اليوم من شكوى الناس علامة على الفساد.
لأن معناها أن الناس تعاني ولا أحد يتحرك. ليرفع أسباب هذه الشكوى. ولن يستقيم أمر هذا الوجود، ويتخلص من الفساد إلا إذا حكمنا منهج لا هوى له. والذي لا هوى له هو خالق البشر. واضع ميزان الكون.
وأول مظاهر الفساد. أن يوكل الأمر إلى غير أهله. لأنه إذا أعطى الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة. كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».
لماذا؟ لأن المجتمع حينئذ يكون مبنيا على النفاق واختلال الأمور، لا على الإتقان والإخلاص. فالذي يجيد النفاق هو الذي يصل إلى الدرجات العلا، والذي يتقن عمله لا يصل إلى شيء. وتكون النتيجة أن مجموعة من المنافقين الجهلة هم الذين يسيرون الأمور بدون علم. والفساد في الأرض هو أن يضيع الحق. ويضيع القيم. ويصبح المجتمع غابة. كل إنسان يريد أن يحقق هواه بصرف النظر عن حقوق الآخرين. ويحس من يعمل ولا يصل إلى حقه.. أنه لا فائدة من العمل، فيتحول المجتمع كله إلى مجموعة من غير المنتجين.
والفساد في الأرض هو أن نجعل عقولنا هي الحاكمة. فلا نتأمل في ميزان الكون الذي خلقه الله، وإنما نمضي بعقولنا نخطط.. فنقطع الأشجار ونرمي مخلفات المصانع في الأنهار فنفسدها. ونأتي بالكيماويات السامة نرش بها الزرع أو مجاري المياه والأنهار كما يحدث الآن فنملؤه سُما ثم نأكله ثم نجد التلوث قد ملأ الكون. وطبقة الأوزون قد أصابها ضرر واضح يعرض حياة البشر على الأرض لأخطار كبيرة. وتفسد مياه الأنهار. ولا تصبح صالحة للشرب ولا للري. ويضيع الخير من الدنيا بالتدريج. والفساد في الأرض. هو أن ينتشر الظلم. وتصبح الحياة سلسلة لا تنتهي من الشقاء. والفساد في الأرض هو أن تضيع الأمانة.
فتفسد المعاملات بين الناس. وتضيع الحقوق.
هذه هي بعض أوجه الفساد في الأرض. والله سبحانه وتعالى قد وضع قانونا كليا، هو منهجه ليتعامل به الناس. ولكن الناس تركوه. ومشوا يتخبطون في ظلام الجهل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استعمل رجلا من عصابة، وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين".
وهكذا يكون مدى حرص الإسلام على استقامة أمور الناس.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {أولئك هُمُ الخاسرون}.
خسروا ماذا؟ خسروا دنياهم وآخرتهم وخسروا أنفسهم. لأن الإنسان له حياتان.. حياة قصيرة في الدنيا مليئة بالمتاعب. وحياة طويلة خالدة في الآخرة. والذي يبيع الحياة الأبدية ونعيمها وخلودها بحياة الدنيا التي لا يضمن فيها شيئا، يكون من الخاسرين.. فعمر الإنسان قد يكون يوما أو شهرا أو عاما. والحياة الدنيا مهما طالت فهي قصيرة. ومهما أعطت فهو قليل. فالذي يبيع آخرته بهذه الدنيا، أيكون رابحا أم خاسرا؟ طبعا يكون خاسرا. لأنه اشترى مالا يساوي بنعيم الله كله.
وإذا كان الإنسان قد نسي الله سبحانه وتعالى وهو لاقيه حتما. ثم يبعث يوم القيامة ليجده أمامه. فيوفيه حسابه. أيكون قد كسب أم خسر؟!.. طبعا يكون خاسرا. لأنه أوجب على نفسه عذاب الله. وأوجب على نفسه عقاب الله.
إن قوله تعالى: (الخاسرون) تدل على أن الصفقة انتهت وضاع كل شيء لأن نتيجتها كانت الخسران، وليس الخسران موقوتا، ولا هو خسران يمكن أن يعوض في الصفقة القادمة. بل هو خسران أبدي، والندم عليها سيكون شديدا. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الكافر ياليتني كُنتُ تُرَاباً}... [النبأ : 40].
لماذا يتمنى الكافر أن يكون ترابا؟ لهول العذاب الذي يراه أمامه. وهول الخسران الذي تعرض له. وهذا دليل على شدة الندم. يوم لا ينفع الندم. على أنه سبحانه وتعالى تحدث في هذه الآية عن الخاسرين. ولكنه جل جلاله. تحدث في آية أخرى عن الأخسرين. فقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أولئك الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً}... [الكهف : 103-105].
إذن فهناك خاسر. وهناك من أخسر منه. والأخسر هو الذي كفر بالله جل جلاله. وبيوم القيامة. واعتقد أن حياته في الدنيا فقط. ولم يكن الله في باله وهو يعمل أي عمل، بل كانت الدنيا هي التي تشغله. ثم فوجئ بالحق سبحانه وتعالى يوم القيامة. ولم يحتسب له أية حسنة، لأنه كان يقصد بحسناته الحياة الدنيا. فلا يوجد له رصيد في الآخرة.
والعجيب أنك ترى الناس. يعدون للحياة الدنيا إعدادا قويا.
فيرسلون أولادهم إلى مدارس لغات. ويتحملون في ذلك مالا يطيقون. ثم يدفعونهم إلى الجامعات. أو إلى الدراسة في الخارج. هم في ذلك يعدونهم لمستقبل مظنون. وليس يقينا. لأن الإنسان يمكن أن يموت وهو شاب. فيضيع كل ما أنفقوه من أجله. ويمكن أن ينحرف في آخر مراحل دراسته. فلا يحصل على شيء. ويمكن أن يتم هذا الإعداد كله، ثم بعد ذلك يرتكب جريمة يقضي فيها بقية عمره في السجن. فيضيع عمره.
ولكن اليقين الذي لاشك فيه هو أننا جميعا سنلاقي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة. وسيحاسبنا على أعمالنا. ومع أن هذا يقين، فإن كثيرا من الناس لا يلتفتون إليه. يسعون للمستقبل المظنون. ولا يحس واحد منهم بيقين الآخرة. فتجد قليلا من الآباء هم الذين يبذلون جهدا لحمل أبنائهم على الصلاة وعبادة الله والأمانة وكل ما يقربهم إلى الله.. أنهم ينسون النعيم الحقيقي. ويجرون وراء الزائل فتكون النتيجة عليهم وبالا في الآخرة.
المصدر: موقع نداء الإيمان
فيديو قد يعجبك: