إعلان

أكبر مساجد مصر .. بناه مهندس مسيحي وحلم ابن طولون بخراب ما حوله

11:00 ص الجمعة 29 يونيو 2018

كتب – هاني ضوه :

بعدما فرغ ابن طولون من بناء قصره، قرر بناء مسجد يخلد ذكره ويفوز به بالأجر العظيم، وكان له مواصفات خاصة في هذا المسجد، فلجأ حينها لأهل التخصص وكان مهندسًا مسيحيًا مصريًا يدعى "سعيد بن كاتب الفرغانى"، وهو أحد أمهر مهندسى العمارة بمصر في ذلك الوقت، وطلب منه أن يشيد له مسجدًا جامعًا لا تحرقه النيران أو تهدمه مياه الفيضان، فإن احترقت مصر بقى، وإن غرقت بقى.

وذكر المقريزى أن بناء مسجد ابن طولون كان على جبل يشكر بن جديلة، الذى كان يشرف على النيل ويتاخم بركة الفيل، وبركة هارون، فحقق المهندس المسيحي رغبته فشرع فى بنائه سنة 263 هجرية الموافق 876م وأتمه سنة 265 هجرية الموافق 879م ودون هذا التاريخ على لوح رخامى مثبت على أحد أكتاف رواق القبلة.

وقال المقريزي في كتابه «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار»: "إنه في يوم الجمعة شكا أهل مصر إلى ابن طولون ضيق المسجد الجامع يوم الجمعة، بجنده وسودانه، فأمر ببناء المسجد الجامع".

وفكر المهندس القبطي في بناء المسجد من الآجر، "الحجر الأحمر"، ورفعه على دعامات من الآجر أيضا، ولم يدخل فى بنائه أعمدة الرخام، سوى عمودي القبلة، لأن أعمدة الرخام لا صبر لها على النار.

تقول سعاد ماهر، في كتابها "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون": "لما تمّ بناء الجامع رأى بن طولون في منامه كأن الله تعالى قد تجلّى للقصور التي حول الجامع ولم يتجلّ للجامع، فسأل المعبّرين؛ فقالوا: يخرب ما حوله ويبقى قائمًا وحده، فقال: من أين لكم هذا؟، قالوا: من قوله تعالى: {فلما تجلّى ربّه للجبل جعله دكًا}، وقول رسوله صلي الله عليه وآله وسلم: "إذا تجلّى الله لشيء خضع له". وهذا ما حدث، حيث خربت مدينة القطائع، التي كانت متأثّرة في تصميمها وتخطيطها بمدينة سامراء بالعراق، ولم يبق منها سوى جامع أحمد بن طولون".

وفقًا لما أورده كتاب "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون"، يتكوّن الجامع من شكل مربع تقريبًا، ويبلغ طول ضلعه 162.5*161.5 مترًا، ويتوسطه صحن مكشوف مربع أيضًا، وتبلغ مساحته 6 أفدنة ونصف الفدان، ويحتوي الجامع على 21 بابًا، ويقابلها مثلها في الزيادات، وقد أنفق على بنائه 120 ألف دينار، كما يعتبر من الجوامع المعلقة، أي يصعد إلى أبوابه بدرجات دائرية الشكل.

بمجرّد تجاوز أيّ من أبواب الجامع، والوصول إلى الإيوانات المحيطة بالصحن، نجدها تتكوّن من رواقين، وكل رواق عبارة عن دعائم مبنية بالآجر وفي أركان كل دعامة بنيت أعمدة متصلة نقشت تيجانها بأشكال نباتية محورة بأسلوب الأرابيسك، وتحمل الدعائم عقودًا غطيت بطبقة جصية غنية بزخارفها الجميلة والمتنوّعة.

إيوان القبلة، يمتاز عن باقي الإيوانات، بأنه يتكوّن من خمسة أروقة، ويتوسط جداره المحراب، وبه المنبر، كما يعلو العقود أفريز زخرفي من الجص يعلوه إزار خشبي يحيط بأروقة الجامع جميعها مكتوب فيه بالخط الكوفي البسيط البارز سورتا البقرة وآل عمران.

علاوة على ذلك، يوجد 129 شبّاكًا من الجص المفرغ بأشكال هندسية ونباتية غاية في الدقّة والجمال، تحيط بالجهات الأربع المطلة على الصحن، ويتوّسطه قبّة كبيرة ترتكز على أربعة عقود. أما المئذنة فتوجد في الزيادة الغربية، وتعتبر الوحيدة في مصر التي لها سلم خارجي، وهي مكونة من أربع طبقات؛ الأولي مربعة والثانية مستديرة والثالثة مثمنة، أما الرابعة فتعلوها طاقية تكون معها شكل مبخرة.

ويحتفظ مسجد ابن طولون بأغلب عناصره المعمارية منذ تشييده وحتى اليوم، فللمسجد 42 بابًا وزعت توزيعًا مناسبًا على طول امتداد واجهات المسجد لتسهيل دخول وخروج المصلين.

ومن المميز كذلك في الجامع أنه خالٍ تمامًا من الأعمدة ويستند سقفه على دعامات بدلًا من الأعمدة الرخامية المستخدمة في أغلب المساجد وقد بلغت دعامات جامع بن طولون 160 دعامة شيدت من الطوب الأحمر ولذا يعد أكبر مساجد مصر في المساحة وتبلغ مساحته ستة أفدنة.

وبناء جامع أحمد بن طولون كان سبباً في سن تقليد خاص بعمال البناء في مصر حيث رأى أحمد بن طولون الصناع يبيتون في الجامع عند العشاء وكان ذلك في شهر رمضان فتساءل: "متي يشترى هؤلاء الضعفاء إفطاراً لأولادهم"، وأمر بصرفهم في وقت العصر، فلما فرغ شهر رمضان، قيل له قد انقضى شهر رمضان فيعودون إلى سمتهم، فقال: "لا لقد بلغنى دعاؤهم وقد تبركت به وليس هذا مما يوفر العمل علينا"، فصار انصراف عمال البناء عند العصر تقليداً استمر إلى اليوم.

ويقول خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان، إن أقدم نص تأسيسي في العمارة الإسلامية في العالم يوجد بجامع أحمد بن طولون والمنشور في الجزء الأول من موسوعة الدكتورة سعاد ماهر عالمة الآثار الإسلامية، مؤسسة كلية الآثار بجامعة القاهرة وعميدها من عام 1974 إلى 1977 والتي تحمل اسم "مساجد مصر وأولياء الله الصالحين بها".

النص التأسيسي عبارة عن لوح رخامي عثرت عليه لجنة حفظ الآثار العربية بصحن جامع أحمد بن طولون وتم ترميمه وتثبيته على إحدى دعائم رواق القبلة في البائكة الثالثة ومنقوش عليه بالخط الكوفي البسيط البارز اسم الأمير أحمد بن طولون وتاريخ الفراغ من إنشاء الجامع 265هـ الموافق 878م وهي مرحلة انتقال بالخط الكوفي المربع ذو الزوايا الخالي من أي مسحة زخرفية إلى الخط الكوفي البسيط الذي يتميز بإضافة زيادات للحروف على هيئة أفرع نباتية تنتهى به حروفه القائمة، كما يكشف هذا الخط عن اسم خطاط شهير خاص بأحمد بن طولون اسمه "طبطب" رائد هذه النوع من الخط الكوفي.

وجاء النص التأسيسي كالتالي:

"بسم الله الرحمن الرحيم ثم آية الكرسي يليه النص :

أمر الأمير أبوالعباس أحمد بن، طولون أمير المؤمنين أدام الله له العز والكرامة، والنعمة التامة في الآخرة والأولى ببناء هذا، المسجد المبارك الميمون من خالص ما أفاء، الله عليه وطيبه لجماعة المسلمين ابتغاء، رضوان الله والدار الآخرة وإيثارا لما فيه تسنية، الدين وألفة المؤمنين ورغبة في عمارة بيت، الله وأداء فرضه وتلاوة كتابه ومداومة ذكره إذ يقول الله تقدس وتعالى في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه (الآية الكريمة) وذلك في شهر رمضان سنة خمس وستين ومائتين سبحان، ربك رب العزة عما يصفون وسلام على، المرسلين والحمد لله رب العالمين".

مصادر:

كتاب "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون" – د. سعاد ماهر.

كتاب "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار – المقريزي.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان