إعلان

بعد تنازل أب عن "قائمة" ابنته.. تباين آراء العلماء بين تضييع للحقوق ومخالفة شرعية ودعوة لبناء الثقة

06:18 م الجمعة 04 يونيو 2021

قائمة المنقولات

كتبت – آمال سامي:

"من يؤتمن على العرض لا يسأل عن المال.. اتقي الله في كريمتنا" هكذا اختار الأب ما يكتب في "قائمة المنقولات الزوجية" الخاصة بابنته، في صورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وأثارت الكثير من الجدل، واعتبرها البعض ضياعًا لحقوق المرأة ورآها آخرون تيسيرا وموقفًا سديدًا، لكن ما هو موقف الشرع من هذا الموقف؟

خالد الجندي: تنازل ممن لا يملك لمن لا يستحق

رفض الدكتور خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، تمامًا هذا الموقف مؤكدًا أن الله سبحانه وتعالى ندب الناس إلى كتابة الدين، وليس مجرد الثقة المفرطة في الآخر، فقال تعالى في آية الدين وهي أطول آية في القرآن: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ"، وقد ندب القرآن كتابة الدين لخراب الذمم وعدم ضياع الحقوق ولفساد الضمائر وللحفاظ على حقوق الآخرين، وقال الجندي أن كتابة القائمة يحدث لأننا في حاجة لتثبيت وتأكيد الحقوق المتبادلة بين الزوجين، مضيفًا أن الإسلام وضع للزوجة ذمة مالية مستقلة، "فلماذا لا نحافظ على ما تمتلكه الزوجة من غوائل الزمن وتقلبات الأيام والضمائر واختلاف درجة الحب والمودة التي بين الزوجين، وكذلك حدوث الطوارئ التي تؤدي لطلاق الزوجة، ونشوب الخلافات التي تحول الحب والمودة إلى عداء، فما يحمي الحقوق في هذه الحالة؟ الكلمات الخطابية الرنانة التي قالها أحد الآباء لزوج ابنته؟!"

ويرى الجندي أن ما فعله الأب أمر مرفوض يؤدي لتضييع حقوق الزوجة فيما تمتلكه، فمن المعروف أن قائمة المنقولات لا يكتب فيه إلا ما قامت الزوجة بشراءه وهي غير مطالبة أصلًا به، وإنما أتت به معاونة منها على إقامة عش الزوجية وعلى إقامة الحياة الأسرية، فلا يكون جزاءها أن تهدد حقوقها بكلمات رنانة ووعظية لا قيمة لها.

لا يدرك الناس أن القلوب تكون ظامئة لمعسول الكلام في بداية الخطبة والزواج، وكذلك في بداية الزواج فيسمى اول شهر فيه شهر العسل من معسول الكلام وحلاوة الحياة الزوجية، يقول الجندي، لكن مع مرور الأيام والاعتياد والرتابة الزوجية ودخول أطراف أخرى في الحياة الزوجية، فالأمور تتغير، وقد يكون في المعاملة جفاء من أحد الطرفين، "فمن سيحمي الزوجة إن تغير زوجها؟ الكلمات الخطابية التي كتبها الوالد رحمه الله قبل أن يموت؟ من اؤتمن على عرض لا يسأل على مال؟"، يؤكد الجندي أن الأمانة لا تتنافى مع إثبات الحقوق وتأكيد الإلتزامات، ولا تتنافى مع قوله تعالى: "إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ"، ويتسائل الجندي: "فإذا كان الله قد ائتمن عباده على الدين فلماذا لم يأتمنهم على الحقوق وأمرهم بكتابة الحقوق بين بعضهم البعض؟ ".

"اتعجب من هذا الهزل والتلاعب بحقوق المرأة تحت مسميات تشبه الأغنية العاطفية التي تقال في المهرجانات أكثر منها من أن تقام في بيوت زوجية"، يقول الجندي مشيرًا إلى أن من حقوق الزوجة إن أتت ببعض المنقولات الزوجية أن يكتب الزوج لها إيصالًا بها يسمى قائمة المنقولات تضم ما أتت به من بيتها، فإذا ما طلقت أخذت معها أشياءها التي اشترتها من بيتها "حتى لا يكون موتًا وخراب ديار" على حد تعبيره، أما ما يكتب في القائمة مما اتى هو به يشير الجندي إلى أنه تطوع من الزوج وهدية منه، فإذا لم يفعل فالزوج ليس مطالبًا بأن يكتب ما أتى هو به، "إنما أن يضيع الولي حقوق ابنته بكلمات معسولة لأن خطه كان جميلًا في قصيدة العقد؟ فأولى به مثلا ان يضمن لأبنته ألا تطلق شفاهة من أن يضمن لها عفشًا أو كراسي!".

"هذا كلام لا أوافق عليه ولا توافق عليه الشريعة" يحسم الجندي موقفه من هذا الأمر، مستشهدًا بقوله تعالى يقول: "إن طبن لكم عن شيء منه نفسًا"، فالمرأة هي صاحبة الحق التي يمكن أن تتنازل عنه، فهو ليس حق الزوج أو والد الزوجة بل هو حق للزوجة وحدها، "فمن يتنازل لمن؟ من لا يملك لمن لا يستحق" مؤكدًا أن والد الزوجة لا يملك هذا طالما اهدي إليها في عرسها لا يجوز ان ينتقل إلى غيرها أبدًا بأي حال من الأحوال، فهي التي تملك حق التنازل، فيقول تعالى: "إن طبن لكم عن شيء منه نفسًا" أي دون إكراه أو ابتزاز ولا تسويف.

آمنة نصير: هناك تغيير في الذمم فلا أفضل ما فعله الأب

قالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، في تصريحات خاصة لمصراوي، إن القضية تنقسم إلى قسمين، الأول من لا يحب القائمة لأنه اعطاه أغلى ما يحب وهي ابنته، أما الآخر فيرى لابد من الكتابة لحفظ حقوق البنت في كل الأحوال، مؤكدة أن لكلا الطرفين الحق فيما يروا، خصوصا أن هناك تغير في طباع وفي شهامة بعض الرجال، وما تميل إليه نصير هو الوسط ، "فنكتب القائمة ولكن في إطار التوازن فلا نقسوا على الزوج وفي نفس الوقت نثبت حقيقة ما تم التأمين لها من أثاث وغيره"، لكنها ترفض ما فعله الأب أيضًا بسبب تغير الذمم فلا تفضل موقفه بعدم كتابة قائمة المنقولات الزوجية.

البدري: دعوة لخلق الثقة التي فقدت في بيوتنا

يقول الدكتور محمد خليفة البدري، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، إن العرف في مصر على أن قائمة المنقولات من المهر والناس يكتبون هذه القائمة ضمانا للزوجة في حال طلاقها، مشيرًا إلى أنه أحيانا تكون هذه القائمة سببا في إفشال الزواج إذا لم يتفق الطرفان على ما يكتب فيها، ويرى البدري أن " القائمة تعد سيفا مسلطا على رقبة الزوج وتهديدا له في حال الطلاق حيث إنها تعد خيانة للأمانة تستوجب حبس الزوج، إذا لم يعطها القائمة بعد أن كان مع زوجته أم أولاده في غطاء واحد يأكلون من طبق واحد"، أما ما فعله والد العروس الذي كتب من يؤتمن على العرض لا يسأل عن المال وطلب من الزوج أن يتقي الله في كريمته، فيرى البدري ما فعله فيه علو نفس وممدوحة وإكرام قيد الزوج به طوال حياته.

ويرى البدري، في حديثه لمصراوي، أن هذا الشاب سيتذكر جميل صنيع أهل العروس من إكرام جميل له في هذا التوقيت الذي يغير مجرى حياته، وأنه بالتالي يراعي فعلهم هذا في ابنتهم إذا حدث منها مكروه أو ما ينغص عليه أموره فيتذكر جميلهم ويعفو ويصفح ويتقرب ويتحمل ويكرم من أجل إكرامهم له في أول زواجه، فهكذا يرى البدري نفسيات الشباب في مصر، وروى البدري موقفًا رآه بنفسه وهو زوج قد اشترط على زوجته السكن في محل إقامته بعيدا عن محافظة أهلها فوافقت، فأكرمها من أجل موقفها وأسكنها بجوار أهلها وحفظ لها هذا الجميل ورده وزيادة، ويقول البدري أن والد العروس لم يفعل ذلك إلا بعدما اطمئن قلبه ورأى الخير في زوج ابنته، قائلًا أنها دعوة لكل من رأى خيرا في زوج ابنته أن يفعل مثلما فعل هذا الرجل القدوة لكل خير.

ويقول البدري إن في ذلك الموقف بناء للثقة بين الزوجين لعله يديم استقرار البيوت ويغرس الود والرحمة في قلوبهما، "وفعل والد العروس مثال حي على مقولة المصريين نحن نشتري رجلا فشراء الرجال بالمواقف لا بالأموال، وأرى أن هذه العروس ثمنها والدها بأغلى الأثمان في زماننا وهو الثقة".

وأشار البدري إلى أن القائمة أخذ بها العرف وفيها أثاث المنزل وقد اتفق الزوجان أو من ينوب عنهما على جعله من المهر، فهو ملك للزوجة، وكونها تأتي به إلى بيت الزوجية، هو من باب إذنها في استعماله ، وإذا حصل الطلاق فلها أن تأخذ هذا الأثاث الذي هو ملكها عند الطلاق، وقال أنه قد يكون أصل هذا العرف راجع إلى المشهور في المذهب المالكي من إلزام الزوجة بالتجهيز من صداقها، ويطلق عليه عندهم الشورة، وأن للزوج أن يتمتع بما أحضرته المرأة منها، وأنه لا يلزمه بدلها، فقال الحطاب رحمه الله في مواهب الجليل (4/ 185): " (وله التمتع بشورتها): والشورة بفتح الشين المتاع وما يحتاج إليه البيت، وأهل الأسكندرية يقولون: شوار العروسة .

لكن يشير البدري إلى أنه منذ فترة يتحفظ الزوجان من بعضهما البعض ويحاول الطرفان كسب متاع زائل وكتابة شروط وتعهدات خوفا من بعضهما البعض وفقدت الأسرة الأمان وشاعت عبارة " لفساد الزمان وقلت الديانة "، فيدعو البدري إلى خلق الثقة التي فقدت في بيوتنا من جديد، فبرغم كتابة القوائم والشروط عجت ساحات المحاكم بالمشاكل الزوجية.

الإفتاء: قائمة المنقولات الزوجية مشروعة وتحفظ الحقوق

تؤكد دار الإفتاء المصرية في أكثر من فتوى لها على مشروعية قائمة المنقولات الزوجية، موضحة أنها لا تتنافى مع القرآن أو السنة ما لم يساء استخدامها، وذكرت الدار أن قيام المرأة باعداد بيت الزوجة سواء بمقدم صداقها إن اخذته نقدًا أو قدم إليها في صورة جهاز اعده الزوج لبيت الزوجية، فإن هذا الجهاز يكون ملكًا للزوجة ملكًا تامًا بالدخول، وتكون مالكة لنصفه بعقد النكاح إن لم يتم الدخول، كما جاءت بذلك نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، واعتبرت الافتاء القائمة أمرًا مستحبًا لأنه يحفظ حقوق الزوجة ولا يضر الزوج، بل تتسق مع الوسائل التي استحبها الشرع في العقود عامة كاستحباب كتابة العقود والاشهاد عليها، مؤكدة أن عدم وجودها في بداية الإسلام لا يشوش على مشروعيتها حسب تعبيرها.

وعادة يكون هذا الجهاز في بيت الزوجية الذي يمتلكه الزوج أو يؤجره، فيكون تحت يده وفي تصرفه، تقول الافتاء "لما ضعفت الديانة وكثر تضييع الأزواج لحقوق زوجاتهم رأى المجتمع كتابة قائمة بالمنقولات الزوجية لتكون ضمانًا لحق المرأة لدى زوجها إذا ما حدث خلاف بينهما وجرى العرف على ذلك، وأكدت الإفتاء أن العرف أحد مصادر التشريع الإسلامي ما لم يتعارض مع نص من كتاب أو سنة أو اجماع، إذ قال ابن مسعود رضي الله عنه: " ما رأى المُسلِمُون حَسَنًا فهو عندَ اللهِ حَسَنٌ، وما رأَوا سَيِّئًا فهو عندَ اللهِ سَيِّئٌ".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان