كيف كان نهج الأئمة في التعامل مع جيرانهم.. أبو حنيفة وجاره الإسكافي نموذجًا
كتبت – آمال سامي:
كان لأبي حنيفة جار إسكافي، يعمل بصناعة الأحذية وإصلاحها، فكان له معه قصة تخبرنا عن نهج الأئمة في التعامل مع جيرانهم خاصة الذين يتسببون لهم في الأذى والإزعاج، حيث كان الرجل يعمل النهار كله، حتى إذا جاء الليل دخل إلى منزله وطبخ وشرب الخمر وجلس يغني، فيروي الخطيب البغدادي تلك القصة في "تاريخ بغداد" قائلًا: "كَانَ لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكاف، يعمل نهاره أجمع، حَتَّى إذا جنه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل لحمًا فطبخه، أَوْ سمكة فيشويها، ثُمَّ لا يزال يشرب، حَتَّى إِذَا دب الشراب فيه غنى بصوت، وَهُوَ يَقُولُ: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر"، وهكذا يقضي الليل كله الرجل في الغناء وإنشاد هذه الأبيات حتى ينام، وكان من عادة أبي حنيفة رحمه االله أن يصلي الليل كله، فكان يسمعه ويزعجه.
لكن على الرغم من ذلك، حين افتقد أبو حنيفة صوت الرجل ذات يوم سأل عليه فعرف أنه قد سجن، فذهب إلى الأمير في صباح اليوم التالي ليشفع له ويطلب منه أن يطلق صراحه، يقول البغدادي: " ففقد أَبُو حنيفة صوته، فسأل عَنْهُ، فَقِيلَ: أخذه العسس منذ ليال، وَهُوَ محبوس، فصلى أَبُو حنيفة صلاة الفجر من غد، وركب بغلته، واستأذن عَلَى الأمير، قَالَ الأمير: ائذنوا لَهُ، وأقبلوا بِهِ راكبًا، ولا تدعوه ينزل حَتَّى يطأ البساط، ففعل، فلم يزل الأمير يوسع لَهُ من مجلسه، وَقَالَ: ما حاجتك؟ قَالَ: لي جار إسكاف أخذه العسس منذ ليال، يأمر الأمير بتخليته، فَقَالَ: نعم، وكل من أخذ في تِلْكَ الليلة إلى يومنا هَذَا، فأمر بتخليتهم أجمعين"
ولما خرج الإسكافي سأله ابو حنيفة عن البيت الذي كان ينشده قائلًا: يا فتى، أضعناك؟ فقال: لا، بل حفظت ورعيت، جزاك الله خيرًا عن حرمة الجوار ورعاية الحق. وكان ذلك الموقف سببًا ليتوب الرجل تمامًا فلم يعد إلى ما كان حاله من قبل من السكر والغناء.
فيديو قد يعجبك: