المجددون في الإسلام.. الإمام الشافعي صاحب المذهب ومؤسس علم الأصول
كتب – هاني ضوه :
في سلسلة حلقات المجددين في الاسلام يرصد مصراوي اليوم سيرة إمام كبير من أئمة المسلمين وصاحب واحد من أشهر المذاهب الفقهية وأكثرها انتشارًا .. إنه الإمام محمد بن إدريس الشافعي القرشي الذي أجمع العلماء والمؤرخين اجماعًا تامًا أنه المجدد للقرن الثاني الهجري وأول من وضع علم أصول الفقه وأسس له.
ولد الإمام الشافعي في غزة عام 150 هـ وكان أبوه قد هاجر إليها طلبًا للزرق ولكنه مات، وانتقلت به أمُّه إلى مكة وعمره سنتان.
أما عن نسبه فهو يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عبد مناف بن قصي، وقيل: «وهو ابن عم النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ممن تحرم عليه الصدقةُ من ذوي القربى الذين لهم سهم مفروض في الخُمس، وهم بنو هاشم وبنو المطلب.
حفظ الإمام الشافعي رحمه الله القرآن الكريم في مكة وهو ابن سبع سنين، وحفظ موطأ الإمام مالك وهو ابن عشر سنين، ولازم الإمام الشافعي الإمام مالك ست عشرة سنة حتي توفى الإمام مالك سنة (179 هجريًا) وبنفس الوقت تعلم على يد إبراهيم بن سعد الأنصاري، ومحمد بن سعيد بن فديك وغيرهم.
ثم أخذ يطلب العلم في مكة وهاجر الشافعي إلى المدينة المنورة طلباً للعلم عند الإمام مالك بن أنس، ثم ارتحل إلى اليمن وعمل فيها، ثم ارتحل إلى بغداد سنة 184 هـ، فطلب العلم فيها عند القاضي محمد بن الحسن الشيباني، وأخذ يدرس المذهب الحنفي، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز (المذهب المالكي) وفقه العراق (المذهب الحنفي).
وعن ذلك يقول الإمام ابن حجر العسقلاني : "انتهت رياسة الفقه بالمدينة إلى مالك بن أنس ، فرحل إليه ولازمه وأخذ عنه ، وانتهت رياسة الفقه بالعراق إلى أبي حنيفة ، فأخذ عن صاحبه محمد بن الحسن حملا ليس فيه شيء إلا وقد سمعه عليه ، فاجتمع علم أهل الرأي وعلم أهل الحديث ، فتصرف في ذلك حتى أصل الأصول وقعد القواعد وأذعن له الموافق والمخالف ، واشتهر أمره وعلا ذكره وارتفع قدره حتى صار منه ما صار".
عاد الشافعي إلى مكة وأقام فيها تسع سنوات تقريباً، وأُذن له بالفتيا وهو فتىً دون عشرين سنة. وأخذ يُلقي دروسه في الحرم المكي، ثم سافر إلى بغداد للمرة الثانية، فقدِمها سنة 195 هـ، وأخذ الإمام الشافعي ينشر بالعراق تلك الطريقةَ الجديدةَ التي استنَّها، ويجادلُ على أساسها، وينقد مسائل العلم على أصولها، ويؤلف الكتب وينشر الرسائل، ويتخرج عليه رجالُ الفقه، ومكث في هذه المرة سنتين، ثم عاد بعد ذلك إليها سنة 198 هـ وأقام أشهراً فيها، ثم اعتزم السفر إلى مصر، فرحل إليها، وقد وصل سنة 199 هـ.
وهناك في العراق قام بتأليف كتاب الرسالة الذي وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، ثم سافر إلى مصر سنة 199 هـ. وفي مصر، أعاد الشافعي تصنيف كتاب الرسالة الذي كتبه للمرة الأولى في بغداد، كما أخذ ينشر مذهبه الجديد، ويجادل مخالفيه، ويعلِّم طلابَ العلم، حتى توفي في مصر سنة 204 هـ.
ويعد الإمام الشافعي عند جمهور المحققين، أول من كتب في أصول الفقه وشرحها، واعتنى بالقواعد الكلية أكثر من الفروع الفقهية.
ولعل نشأة الإمام الشافعي وسعه اطلاعه وتتلمذه على يد أصحاب المذاهب الفقهية المختلفة قد أثر بشكل كبير في تأسيسه لمذهبه الفقهي وتنقيحه وتطويره، فقد حفظ الموطأ وهو ابن عشر سنين، ثم أخذ يطلب العلم في مكة حتى أُذن له بالفتيا وهو فتىً دون عشرين سنة، والتقى بالإمام مالك رحمه الله في المدينة المنورة وطلب العلم على يديه وكان يميل في بداية حياته الفقهية إلى آراءه بشكل كبير، ثم ارتحل إلى اليمن وعمل فيها، ثم ارتحل إلى بغداد سنة 184 هـ، فطلب العلم فيها عند القاضي محمد بن الحسن الشيباني تلميذ الإمام الأعظم أبو حنيفة رحمه الله، وأخذ يدرس المذهب الحنفي.
وبذلك يكون قد اجتمع للإمام الشافعي فقه الحجاز (المذهب المالكي) وفقه العراق (المذهب الحنفي) فتشرب أصولهما ومسائلهما ليعود إلى مكة التي ظل يلقي دروسه الفقهية فيها على مدار تسع سنوات في الحرم المكي، حتى عاد مرة أخرى إلى بغداد سنة 195ه وألف هناك كتابه الذي أسس فيه لعلم الأصول وهو كتاب "الرسالة".
وتأتي مرحلة جديدة في مدرسة الشافعي ومذهبه الفقهي عندما انتقل إلى مصر سنة 199 هـ، وكانت شهرته قد سبقته وكان في صحبته تلاميذه الربيع بن سليمان المرادي ، وعبدالله بن الزبير الحميدي ، فنزل بالفسطاط ضيفا على عبد الله بن عبد الحكم وكان من أصحاب الإمام مالك. ثم بدأ بالقاء دروسه في جامع عمرو بن العاص فمال إليه الناس وجذبت فصاحته وعلمه كثيرًا من اتباع الإمامين أبي حنيفة ومالك .
وبقي الإمام الشافعي في مصر خمس سنوات قضاها كلها في التأليف والتدريس والمناظرة والرد على الخصوم . وفي مصر وضع الإمام الشافعي مذهبه الجديد وهو الأحكام والفتاوى التي استنبطها بمصر وخالف في بعضها فقهه الذي وضعه في العراق، وصنف في مصر كتبه الخالدة التي رواها عنه تلاميذه، فأعاد تصنيف كتاب الرسالة الذي كتبه للمرة الأولى في بغداد، فصنف كتابه "الحجة" الذي هو الكتاب الفقهي الذي دوّنه أولاً في العراق ثم أعاد تأليفه وسماه كتاب "الأم" حيث غير مذهبه في بضع عشرة مسألة فقهية.
وتوفي الإمام الشافعي، في آخر ليلة من رجب سنة 204 هـ، وقد بلغ من العمر أربعة وخمسين عاماً، ويقال إن سبب موت الإمام الشافعي هو مرض البواسير الذي أصابه، فقد روى الربيع بن سليمان حالَ الشافعي في آخر حياته فقال: «أقام الشافعي ها هنا (أي في مصر) أربع سنين، فأملى ألفاً وخمسمئة ورقة، وخرَّج كتاب الأم ألفي ورقة، وكتاب السنن، وأشياء كثيرة كلها في مدة أربع سنين، وكان عليلاً شديد العلة، وربما خرج الدم وهو راكب حتى تمتلئ سراويله وخفه (يعني من البواسير)».
وقال الربيع أيضاً: دخل المزنيَّ على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقال له: «كيف أصبحت يا أستاذ؟»، فقال: «أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقاً، ولكأس المنية شارباً، وعلى الله وارداً، ولسوء عملي ملاقياً». قال: ثم رمى بطرفه إلى السماء واستبشر وأنشد أبيات شعر طويلة منها:
إليك إلـهَ الخلـق أرفــع رغبتي ** وإن كنتُ يا ذا المن والجود مجرماً
ولما قسـا قلبي وضـاقت مذاهبي ** جعلت الرجـا مني لعفوك سُلَّمــاً
تعاظمنـي ذنبـي فلمـا قرنتــه ** بعفوك ربي كان عـفوك أعظمــا
فيديو قد يعجبك: