محمد حبيب الباحث في علاج التطرف والإرهاب: التدليل الزائد أحد مسببات التطرف (حوار)
حوار- محمد قادوس:
قال الأستاذ محمد محمود حبيب، مدرب التنمية البشرية، المتخصص والباحث في علاج التطرف والإرهاب، إن الاستفادة المثلى لمهارات التنمية البشرية المقبولة والمتفق عليها بين الناس في ثلاثة مستويات.
وأكد حبيب أن التركيز على أخطاء التربية عند الأطفال كالتدليل الزائد، والأنانية وغيرهما والتي ترسخ السلوكيات المتطرفة بالكشف عنها وعلاجها من أجل تحصينهم من التطرف.
وحول مسألة التطرف قال "حبيب" في حوار خاص لمصراوي إن أغلب الدراسات والأبحاث تحصر مسببات التطرف في أمور الفقر والأمية وغيرهما؛ فقد تفاجأ الجميع بمتطرفين على مستوى تعليم عالٍ أو من أولاد الأغنياء، فظهر التخبط والاضطراب في التوصيف؛ لأنه لم يراعِ الأبعاد الحقيقية للتطرف ومسبباته ولا طرق فهمه؛ فالفهم السليم لطبيعة المتطرف هو البُعد الغائب، فلم نبيّن له أننا لا نعاديه لشخصه ولكن نختلف مع أفكاره، ولم نبيّن له أننا مقتنعون بحسن نيته في الوصول لمرحلة الالتزام المطلق، ولكن عنده فهم خطأ؛ فهو يريد الكمال، يريد أن يطبق أدلته وبراهينه بحذافيرها، فجاء ظننا السيئ فيه أن كل المتطرفين مأجورون وعملاء، أو كارهون لنا، كذلك لم نتجنب وصفه بـ"متطرف ومتخلف ورجعي"، عند التعامل معه وجها لوجه أو عند مراسلته؛ فكانت النتيجة ازدياده في عناده وإصراره على موقفه وظن بأن الجميع يكرهونه.
والكارثة كانت فشلنا في احتوائه وإرجاعه عن الفكر المنحرف؛ حيث إن الفهم الصحيح والتشخيص الدقيق أقصر وأسرع الطرق للعلاج الناجع.
والمتطرف يختلف عن الإرهابي قطعًا؛ فالمتطرف لا بد من فهمه لإنقاذه، أما الإرهابي فهو مجرم قاتل لا بد من عقابه قانونًا على أفعاله.. وإلى نص الحوار:
نريد أن نعرف المزيد عن محمد حبيب.. وكيف أتت فكرة استخدام التنمية البشرية في علاج التطرف؟
من مواليد محافظة البحيرة، في مارس سنة 74، وعشت أكثر عمري في مدينة الإسكندرية وتخرجت في مدرسة الثغر الإعدادية للغات، ثم التحقت بمدرسة محمد كُريّم القومية الخاصة في المرحلة الثانوية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، ثم التحقت بكلية التجارة جامعة الإسكندرية أعلى الكليات في الإسكندرية في هذا الوقت، ثم عملت موظفًا حكوميًا بعد تخرجي وترقيت إلى أن وصلت مديرًا ثم مفتشًا في هذه الجهة الحكومية، ولكني قدمت استقالتي للتفرغ للبحث العلمي والكتابة التي كنت الأول فيها في مسابقات جامعة الإسكندرية.
وقد صدر لى كتاب وأنا طالب بالجامعة عن إدارة الموارد البشرية في الإسلام، ونال موافقة مجمع البحوث بالأزهر الشريف، وانتقلت للعيش في القاهرة في أوائل الألفية الحالية والتحقت بكلية دار العلوم- جامعة القاهرة لأحصل على الشهادة منها، وتفرغت للتراث وتحقيق المخطوطات، وتوالت كتبي المنشورة في هذا المجال، وفي مجال تبني الفكر المعتدل ومحاربة الفكر المتطرف.
وتوالى صدور كتبي المنشورة فوصلت لـ15 كتابًا وقتها، منها 10 كتب معتمدة من مجمع البحوث الإسلامية، ولكنى اكتشفت فجوة وثغرة في كيفية توصيل الفكر المعتدل، فلجأت للتنمية البشرية لأمزج بين الاثنين معًا: العلم الشرعي والبحثي ومهارات توصيلها، فحصلت على أعلى الشهادات المعتمدة في التنمية البشرية من الجامعات المصرية والمراكز التدريبية المعتمدة، وأنا الآن في مرحلة الدراسات العليا بجامعة القاهرة في تخصص مشاكل الطفولة المبكرة.
-ماذا عن رؤيتك واستراتيجيتك في التنمية البشرية لعلاج التطرف؟
الاستفادة المثلى من مهارات التنمية البشرية المقبولة والمتفق عليها بين الناس في ثلاثة مستويات:
الأول- التركيز على أخطاء التربية عند الأطفال كالتدليل الزائد، والأنانية وغيرهما والتي ترسخ السلوكيات المتطرفة بالكشف عنها وعلاجها من أجل تحصينهم من التطرف.
المستوى الثاني- ويكون في بداية المراحل الأولى لتطرف الشباب بالاكتشاف المبكر لبوادر التطرف، وتعريف الأهل بعلاماته في بدايته وطرق التعامل الأمثل مع ذلك.
والثالث- وهو كيفية التعامل مع المتطرف التعامل الصحيح لإرجاعه عن تطرفه قبل وصوله للمرحلة الخطرة وهى الإجرام والعدوان على الغير.
هل ما قدمتموه في هذا المجال هو رؤية نظرية فقط؟
لا؛ فقد نزلت إلى أرض الواقع وقدمت دورات عديدة في الجامعات المصرية (آخرها بجامعة الأزهر منذ أيام) والنوادي ومراكز التدريب والتقيت بالعديد من هذه الحالات وأسرهم وبفضل الله حققت رؤيتي تقدمًا هائلًا، ويظهر ذلك بجلاء في كمية التفاعل معي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هل تأخرنا نحن في علاج التطرف؟
أنا أؤمن أن التشخيص والتوصيف الخاطئ يؤدي لنتائج خاطئة، وقد انتبه الجميع مؤخرًا للتشخيص الصحيح والفهم الأمثل لمشكلة التطرف، وإن شاء الله ستظهر النتائج المثالية قريبًا.
وهل هناك توصيف معين لأسباب التطرف من وجهة نظر التنمية البشرية؟
نعم، للأسف اعتاد البعض أن من أسباب مشكلة التطرف الفقر أو الجهل، ولكن الجميع اكتشف أن للتطرف أبعادًا وأسبابًا أخرى منها الاعتقاد خطأ في مصداقية وصواب الفكر المتطرف والمتشدد ومحاولة اعتناقه لدخول الجنة، وكذلك شعور بعض الشباب أنه مرفوض اجتماعي فيلجأ للتميّز من وجهة نظره لأعلى مكانة روحية وهى التدين فيتدين خطأ وبالتالي يتطرف، وأيضًا الرغبة في اعتناق هذا الفكر بباعث المغامرة والتجديد أو التعاطف مع بعض أصحاب الفكر المتشدد مما يجعله يقلدهم ويتشبه بهم، وقد تكون هناك صلة تربطه بهؤلاء سواء صلة قرابة أو صداقة، وكذلك جنوحه للعزلة عقب مروره بظروف نفسية اجتماعية خاصة سيئة مما يكون عرضة للتشدد نتيجة التفكير في الموت، فيخاف من الانتحار فيجمع بين الأمرين فيتمنى الشهادة في سبيل الله من وجهة نظره، وأيضًا قد يلوم الإنسان نفسه على التقصير والتفريط في حق الله فيلجأ للتدين الخطأ، وكذلك عدم الاتزان: ومنها الاتزان الروحي والعائلي والاجتماعي يجعله يهرب للفكر الداعشي.
وماذا عن العلاج باستخدام التنمية البشرية؟
يفضل الاكتشاف المبكر لصاحب الفكر الداعشي، قبل أن يستفحل، ولا بد من التحاور معه وعدم اعتزاله، وهذا يخص المتطرف صاحب الأفكار المتطرفة، أما الإرهابي، فهو مجرم لا حوار معه، ويمكن العمل على إخراج المتطرف من بؤرة الفكر الداعشي بنفس الطرق التي دخل بها وهي إقناعه بخطأ ما يعتنقه بأدلة مباشرة باستخدام الدليل وعن طريق فعل السلف الصالح المعتدل.
وأكبر خطأ يقع فيه المثقفون هو محاولة فرض بعض الأفكار الليبرالية أو المتحررة عليه، بل يجب أن يُعرض عليه أفكار وسطية معتدلة والتأكيد على مرجعية القرآن والسنة الصحيحة عند الكلام معه، لأنها مرجعية مناسبة له ويقدرها، وكذلك مناقشة صاحب الفكر الداعشي فى عدة جوانب لمعرفة موضع الخلل عنده، مثل ازدراء المرأة، وازدراء غير المسلم، وازدراء المسلم المخالف الذي يبدو مقصرا في الالتزام بالشرع من وجهة نظره، والانطلاق من نقاط الاتفاق معه كاحترام كل الصحابة مثلا.
كيف ترى جهود المؤسسات الدينية في مصر في مواجهة التطرف؟
الكل (الأزهر والإفتاء الأوقاف) يبذل قصاري جهده حسب الإمكانيات المتاحة، والجميع غير مقصر مطلقًا، ولكن الجميع يلاحظ جهود دار الإفتاء المصرية برعاية فضيلة مولانا الإمام مفتي الديار المصرية أ. د. شوقي علام، فتواجده ملحوظ وظاهر من خلال الفكر السمح المعتدل والواعي، وكذلك تتفوق الدار في المجال الإعلامي في السوشيال ميديا والمراكز البحثية الإعلامية الموجودة بدار الإفتاء المصرية التي تتصدى للفكر المتطرف بكل الوسائل المتاحة والتي يشرف عليها الدكتور إبراهيم نجم، مستشار فضيلة مفتي الجمهورية، وقد أفدت من إصداراتهم وبياناتهم كثيرًا جدًا في مجال عملي في التنمية البشرية لعلاج التطرف، فيمكن القول إن دار الإفتاء قدمت الكثير والجديد والمفيد.
فيديو قد يعجبك: