إعلان

أمهات صنعن رجالاً: أم الإمام الشافعي.. ثالث الأئمة الأربعة (2)

06:39 م الإثنين 11 مارس 2019

تعبيرية

كتبت – سارة عبد الخالق:

يزخر التاريخ الإسلامي بنماذج مشرفة وأمهات رائعات استطعن أن يضعن أثرهن ويصنعن رجالا بحق.. هؤلاء الأمهات كان لهن دور فعال في بناء رجال وشخصيات عظيمة حفرت أسماءها عبر العصور، وتركت علامات فارقة في عدة مجالات مختلفة.

يقدم مصراوي مجموعة حلقات تأتي تحت عنوان "أمهات صنعن رجالا" حيث يعرض فيها نماذج لأمهات كانت سندا وعونا ومحفزا لأبنائهن، ساعدتهم لكي يكونوا بحق رجالا صنعن تاريخا، منهن:

- أم الإمام الشافعي:

كانت والدة الإمام الشافعي – رحمهما الله - من قبيلة الأسد، وهي قبيلة عربية أصلية ولكنها ليست قرشية، وكانت تقية وفقيهة وعالمة ذكية تعرف للعلم قدره، مما جعلها تشجع ابنها على التعلم والاستزادة من العلم رغم العوائق التي كانت تقع في طريقه لإكمال تعليمه، وفقا لما جاء في كتاب (علماء رغم التحدي) للدكتور جاسم المطوع، وكذلك رسالة علمية مقدمة في جامعة أم القرى بعنوان (منهج الإمام الشافعي في تفسير آيات الأحكام) لمحب الدين.

والإمام الشافعي هو أبوعبدالله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي القرشي، هو صاحب المذهب الشافعي وثالث الأئمة الأربعة، وهو مؤسس علم أصول الفقه وإمام في علم التفسير والحديث، كما كان شاعرا فصيحا أيضا، وراميا ماهرا، ورحالا مسافرا، وقد أثنى عليه الإمام أحمد بن حنبل قائلا: "كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس"، وقال أيضا: "لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث".

هذا الإمام العالم الجليل لم تكن حياته سهلة من البداية، فقد توفى والد الإمام الشافعي بعد ولادته بعامين فقط، وأصبح يتيما يعيش في كنف والدته ورعايتها، "فقررت أمه حينها العودة بابنها إلى مكة؛ لأنه قرشي حتى لا يضيع نسبه ولأن له سهمًا من ذوي القربي، لكن هذا المال الذي كانت تأخذه من سهم ذوي القربى كان قليلا جدا" وفقا لما جاء في (علماء رغم التحدي) المصدر السابق ذكره.

فعلى الرغم من ذلك لم تكل أمه أو تيأس من الاهتمام بتعليمه، فدفعت به إلى مكان في مكة لتعليم الصبيان، فتمكن الشافعي هناك من ختم القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، ثم اهتمت بتعليمه أكثر وأكثر، فذهبت به إلى شيوخ المسجد الحرام ووجهته لإتقان القراءة والتلاوة والتفسير، ولم يكد يبلغ وقتها الثالثة عشرة من عمره حتى استطاع أن يتقن ذلك إتقانا جيدا، كما استطاع أن يحفظ (الموطأ) للإمام مالك؛ الذي كان وما زال من أعظم الكتب وأفضلها نفعا وتأثيرا في علم الحديث.

فلقد كان لأم الإمام الشافعي دور فعال ومؤثر في حياته، فبعد أن حفظ القرآن الكريم وأتقن التلاوة والقراءة والتفسير على يدي شيوخ المسجد الحرام، لم تقف به عند هذا الحد، فلقد أذنت له والدته بالسفر إلى المدينة لدراسة علم الحديث، وأخذ العلم على يد الإمام مالك، وبالفعل انتقل الإمام الشافعي إلى هناك، ولازم الإمام مالك لمدة 9 سنين، ولم ينقطع عنه إلا لزيارة والدته أو لرحلة علمية.

وكانت أمه تعلمه أيضا البر والتصدق، فكانت دائما توصيه بألا يدخل مكة حتى يتصدق بكل ما معه.

ذكر الحافظ ابن حجر موقفا لأم الإمام الشافعي قائلا: "إنه من ظريف ما يحكى عن أم الشافعي من الحذق أنها شهدت عند قاضي مكة هي وأخرى مع رجل، فأراد القاضي أن يفرق بين المرأتين، فقالت له أم الشافعي: ليس لك ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ} (سورة البقرة – أية: 282)، فرجع القاضي لها في ذلك"، وفقا لما جاء في مناقب الإمام الشافعي.. توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس.

يذكر أن هناك قولين في بيان نسب الشافعي من جهة أمه، القول الأول؛ هو قول شاذ رواه أبوعبدالله الحافظ: "وهو أن أم الشافعي، هي فاطمة بنت عبدالله بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب – كرم الله تعالى وجهه -، أما القول الثاني: وهو المشهور، أنها كانت امرأة من الأزد، وروي أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (الأزد أزد الله في الأرض)، وفقا لما جاء في كتاب (الإمام الشافعي مناقبه وعلمه) لـالفخر الرازي.

فأم الإمام الشافعي كانت سندا وقدوة ودافعا قويا لابنها لكي تخرج منه عالما عظيما وإماما جليلا وضع بصمة وعلامة فارقة عبر الأجيال وما زال بريقها وتأثيرها ساطعا حتى الآن.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان