بعد رقص "الطريقة المسلمية".. تعرف على رأي علماء الدين في الحركة والتمايل في الذكر
كتب - هاني ضوه :
"الحركة والتمايل في الذكر" موضوع يثار من حين إلى آخر ما بين منكر ومبيح، وقد عاد النقاش والجدل إلى الساحة بعد انتشار مقطع فيديو لممارسات غريبة لبعض أتباع طريقة صوفية تدعى "الطريقة المسلمية" في مصر بأداء الذكر والصلاة بطريقة شاذة أثارت استياء الجميع سواء من ينتمون إلى الطرق الصوفية أو غيرهم.
وعقب تلك الواقعة أصدرت مشيخة الطرق الصوفية ووزارة الأوقاف وبعض مشايخ الصوفية بيانات وتصريحات استنكروا فيها ما قام به أتباع هذه الطريقة من طقوس، مؤكدين أنها ممارسات شاذة وبعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام وآدابه، وكذلك لا تمت للمنهج الصوفي الصحيح بصلة.
ولكن هل مجرد الحركة في الذكر أو ما يسمي في التصوف بالوجد أمر مباح أم لا؟
في هذا التقرير يرصد مصراوي آراء بعض علماء الدين في مسألة الذكر بالحركة والتمايل، حيث تحدث الكثير من العلماء والفقهاء على مر العصور عن هذا الأمر وذكروه في كتبهم، فأباحه الكثير بشروط وهي أن تكون هذه الحركات قد صدرت عن الذاكر قهرًا وغلبة، كأن يندمج في الذكر فيصيبه حال من الوَجد، فتصدر منه الحركة دون قصد لها، وألا يكون فيها ما يتنافى مع الأدب والوقار.
واستند العلماء الذين أباحوا ذلك إلى بعض النصوص والتي وردت في كتب السنة النبوية المطهرة، ومنها ما رواه الإمام الحافظ أبو نعيم في كتاب "الحلية" عن الإمام علي رضي الله تعالي عنه أنه قال في وصف الصحابة رضي الله عنهم: "إذا ذكر الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح فانهملت أعينهم حتي تبل ثيابهم" وهذا الأثر صريح في أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتحركون حركة شديدة في الذكر كما تتمايل الأشجار بفعل الرياح.
كما جاء في الحديث الذي رواه أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أكثروا ذكر الله تعالى حتى يقولوا مجنون"، وفي رواية: "حتى يقال إنه مجنون".
وعندما سئل الحافظ ابن حجر الهيتمي عن الحركة والتمايل في الذكر وما يفعله الصوفية، وهل له أصل وهل رقص أحد بحضرة الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه؟ قال: "نعم له أصل، إن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه رقص بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قال له: أشبهت خلقي وخلقي وذلك من لذة الخطاب ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو في مصطلح الحديث إقرار والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يسكت عن حرام أو مكروه.
وأفتى بجواز الرقص عند سؤال أحد الحاضرين في مجلسه فقال: "يجوز الرقص بدليل فعل الحبشة في المسجد بين يدي رسول الله صلى وكان رقصهم بالوثبات والوجد وإنشاد الشعر جائز بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصل هذه الطرائق من الكتاب والسنة الحاثين على كثرة ذكر الله والاجتماع على محبة الله أما سب المشايخ وتكفيرهم فكفر شرعا بلا خلاف".
وكذلك ذكر الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه "الحاوي للفتاوى": "مسألة: في جماعة صوفية اجتمعوا في مجلس ذكر ثم إن شخصًا من الجماعة قام في المجلس ذاكرًا واستمر على ذلك الوارد الذي حصل له فهل له ذلك سواء باختيار أم لا؟ وهل لأحد منعه وزجره من ذلك؟
فأجاب: لا إنكار عليه في ذلك، وقد سئل عن هذا السؤال بعينه شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني فأجاب بأنه لا إنكار عليه في ذلك وليس لمانع التعدي بمنعه ويلزم المتعدي بذلك التعزير وسئل عنه العلامة برهان الدين الأبناسي فأجاب بمثل ذلك وزاد أن صاحب الحال مغلوب والمنكر محروم ما ذاق لذة التواجد ولا صفا له المشروب إلى أن قال في أخر جوابه: وبالجملة فالسلامة في تسليم حال القوم.
وأجاب أيضا بمثل ذلك بعض أئمة الحنفية والمالكية كلهم كتبوا على هذا السؤال بالموافقة من غير مخالفة أقول وكيف ينكر الذكر قائما والقيام ذاكرا وقد قال الله تعالى {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} وقالت عائشة رضي الله عنها (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذكر الله على كل أحيانه)] وإن انضم إلى هذا القيام رقص أو نحوه فلا إنكار عليهم فذلك من لذات الشهود أو المواجيد وقد ورد في الحديث رقص جعفر بن أبي طالب بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قال له (أشبهت خلقي وخلقي) وذلك من لذة هذا الخطاب ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان ذلك أصلا في رقص الصوفية لما يدركونه من لذات المواجيد وقد صح القيام والرقص في مجالس الذكر والسماع عن جماعة من كبار الأئمة منهم شيخ الإسلام العز بن عبد السلام .
ووضع الإمام النووي رحمه الله شرطًا للحركة في الذكر وذلك في كتابه "منهاج الطالبين وعمدة المفتين" بعد أن ذكر عددًا من المحرمات في الذكر نفى منها الرقص فيقول ما نصه: "لا الرقص إلا أن يكون فيه تكسر كفعل المخنث".
وقال الإمام الرملي في كتاب "نهاية المحتاج في شرح المنهاج": "(لا الرقص) فلا يحرم ولا يكره لأنه مجرد حركات على استقامة واعوجاج ولإقراره صلى الله عليه وآله وسلم الحبشة في مسجده يوم عيد".
وبذلك تكون الحركة في الذكر إن كانت باعتدال ودون مياعة أو تخنث أو خروج عن الوقار من الأمور المباحة خاصة إذا غلب الوجد في الذكر على من يذكر، وعلى أن يكون دون رياء أو تصنع.
مصادر:
كتاب "الحلية" – الإمام الحافظ ابو نعيم.
كتاب "الفتاوى الحديثية" – الإمام ابن حجر الهيتمي.
كتاب "منهاج الطالبين وعمدة المفتين" – الإمام النووي.
كتاب "نهاية المحتاج في شرح المنهاج" – الإمام الرملي.
فيديو قد يعجبك: