في ذكرى ميلاد أمير الشعراء.. قراءة في كتاب أحمد شوقي (دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ)
-
عرض 4 صورة
-
عرض 4 صورة
-
عرض 4 صورة
-
عرض 4 صورة
قـراءة : علي شـبل
أحمد شوقي الشاعر المصري، الذي يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، وقد بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء»، كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ وكان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وقد وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في مثل هذا اليوم من العام ١٨٦٨م، (16 أكتوبر 1868 - 14 أكتوبر 1932)، وفي ذكرى ميلاد أمير الشعراء يقوم مصراوي بقراءة في كتابه «دول العرب وعظماء الإسلام» الذي صنّفه أدباء ولغويون بأنه أيقونة بارزة في تاريخ الأدب الإسلامي والعربي، ودرّة في تاج الأدب والشعر.
يعد "دول العرب وعظماء الإسلام" من الكتب التي تعتبر علامةً بارزةً في تاريخ الأدب العربي، كما أنه جوهرةٌ في تاج الشعر، إذ إنه يتألف من ألفي بيتٍ، نظمها أمير الشعراء أحمد شوقي بإبداعه الكبير الذي يتخذ من البيان والسحر منهجاً دائماً، كما أنه أبدع في نظم الكلمات، حتى إن القارئ يشعر بأنه يملك عيناً ثالثةً يستطيع بها قراءة التاريخ الذي ولّى، ويعرف كل ما يخصّ نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، أشرف الخلق والمرسلين وسيد الأنام، وسيرة الخلفاء الراشدين عليهم السلام، بالإضافة إلى التاريخ الإسلامي على مر العصور، كتَاريخ الدولة الأموية، والدولة العباسية، والمملكة الفاطمية. ومما يجدر ذكره أن أحمد شوقي نظم هذه الأبيات وهو يقاسي لوعة البعد وألم الفراق، وشدة الغُربة، وذلك بعد أن أمر الإنجليز بنفيه خارج مصر، وذلك خلال الحرب العالمية الأولى، بعد أن تولى حسين كامل مقاليد الحكم بعد خلع الخديوي عباس الثاني، فوقع اختيار شاعرنا على مدينة برشلونة في الأندلس.
قضى شوقي وقته في إسبانيا محلّقاً بين كتب التاريخ متأثرا بحضارة قرطبة وإشبيلية وغرناطة ليجود على الشعر العربي بدُرر شعرية صاغها في أجمل الألفاظ والمعاني، بعدما أطلق لخياله العنان لوحات قصصية شعرية تعدادها خمس وعشرون أرجوزة فريدة أعادت الدماء إلى جسد الشعر الذي ظل بلا روح لفترة طويلة. (أُرْجُوزَةٌ- جمع: أَرَاجِيزُ: وهي قَصَائِدُ شِعْرِيَّةً مِنْ بَحْرِ الرَّجَزِ).
وقد نالت هذه الأرجوزة شرف الحديث عن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وعن دول العرب وقادتها: الأمويين والعباسيين والفاطميين حتى إن شوقي ناظم الأرجوزة أشاد بهذا قائلًا:
حتى أراد الله أن نظمت من سير الرجال ما استعظمت
علمًا بما تبعث في الأحداث جلائل الأعمال والأحداث
وفي تقديمه الكتاب، كتب محمود خاطر- 5 مارس 1933: (هذه دَّرة في تاج الأدب، وغرة في جبين القريض، نظَم أمير الشعراء عقْدها، وصاغ معناها ولفظها، وهو يعاني ألم المنفي، ويتجرع غُصص النوى، إبَّان الحرب العالمية الكبرى، بين رُبوع الأندلُس، التي عمَّر الإسلام فيها ثمَّ دَرَس، ونما وترعرع وأزهر، ثم ذَوَى وأقفَر...).
يقول شوقي في مقدمة أرجوزته الخالدة التي كانت أولها عن سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه:
الحمد لله القديم الباقي ... ذي العرش والسبع العُلا الطِّباق
المـــــلك المنفـــرد الجبــــار ... الدائــــــم الجـــــلال والإكبـــــــار
وقال أيضاً:
وأفضل الصلاة والسلام … على أجلِّ رسل السلام
من بلغت أمته به الأرب… ورفعت همته ذِكر العرب
صلى عليه في سمائه … وعرشه السابح في أسمائه
وتحدث عن لغة العرب فقال:
ما وَسِعَ العلمَ والاختراعا… أرحب منها في اللُّغى ذراعا
وقال عنها:
رُبّ قديم كشعاع الشمس… ابن غدٍ واليوم وابن أمس
ويسافر أمير الشعراء بقلبه إلى البيت الحرام فيقول:
لا يدُ خوفو أرهقت فيها البشر … ولا سليمان لها الجن حشر
بل صُنعُ شيخ مُقبلٍ مُزاولٍ … أُعين بابنٍ يانع مناول
قد رفعاها حجراً فوق حجر … ووضعا فيها على اليُمنِ الحجر
ثُم تأتي درة هذا العقد الفريد.. قصيدة السيرة النبوية الشريفة التي يسرد فيها أحداث صاحبها ويصفه بقوله:
أكرم من صَوْب الحيا نصابا … وأجودُ الناس بما أصابا
وقائد الخيل فتي وكهلا … وكان في المهد لذاك أهلا
الأصبحُ الأفصحُ في المجامع … الحلو في العيون والمسامع
ويستمر في سرده للسيرة حتى حجة الوداع… ثم الوداع المؤلم نفسه فيقول:
هناك حان أجل الطبيب … وحكم المحب في الحبيب
سبحان من له البقاء دون حد … وليس فوق الموت غيره أحد
ثم يتجول شوقي في ربوع عظماء تاريخنا العربي الإسلامي ويتأمل في كل زهرة منهم بداية من أبي بكر الصديق، مروراً بالفاروق عمر، ويقول:
لا تقض بالعبوس والطلاقة … من امرىءٍ حتى ترى أخلاقه
كم لينٍّ كالصّلِّ يُخفي مصرعا … وأخشن كالصخر يؤوي اليه مَشرعا
ويتأمل في عثمان وعلي وابن العاص وسيف الله المسلول- رضي الله عنهم-… ويصل إلى صقر قريش عبد الرحمن الداخل فيقول:
لا يضق ذرعك عند الأزمات … إن هي اشتدت وأمّل فَرَجا
ذلك الداخل لاقى مُظلِمات … لم يكن يأمل منها مخرجا
ويتوغل أكثر في التاريخ الإسلامي ليتحدث عن خلافة عبد الله بن الزبير، ثم أبو مسلم الخراساني، ثم الدولة العباسية، ثم أبو جعفر المنصور، ويختم بدولة الفاطميين فيقول عنها:
كم أثرٍ لجوهرٍ نفيسُهُ … إلى المعز ذي المآثر اعتزى
الجامع الأزهر باق عامر … وهذه القاهرةُ التي بنى
كان الأدباء والشعراء بايعوا أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء، بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
فيديو قد يعجبك: