الطيب: الأمة الإسلامية في حاجة لمراجعة بعض مفاهيم التراث الإسلامي
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب - شيخ الأزهر الشريف - خلال كلمته في افتتاح منتدى تعزيز السلم بالمجتمعات الإسلامية بالإمارات: إن الأمة الإسلامية فى أشد الحاجة إلى مراجعة أمينة وقراءة نقدية لبعض المفاهيم فى التراث الإسلامى وبيانها للناشئة فى مقررات دراسية جادة، تسهم فى تحصينهم من الجماعات المسلحة.
وأضاف: "لابد من الاتفاق على رؤية استراتيجية واضحة المعالم لانتشال شبابنا من حالة الاضطراب والتذبذب العقدى والفكرى فى إدراك أصول الدين وأمهات قضايا العقيدة والأخلاق"، وشدد على ضرورة جمع الكتب والمجلات التى تصدرها الجماعات الإرهابية المسلحة وتصنيفها ونقضها جملةً وتفصيلاً، مؤكدا أنه لابد من محاصرة القواعد العقدية التى تنطلق منها جماعات القتل المسلحة وتضلل بها الشباب.
وقال: "هذه الحضارة التى لم تكن لتنتشر من غرب المعمورة إلى شرقها فى فترة زمنية قصيرة حيرت علماء التاريخ والحضارة حتى اليوم- لولا ارتكازها على مبدأ السلام بين الناس، ولولا أن نبى هذه الحضارة قد بعث رحمة للعالمين أجمعين، ولم يبعث رحمة للمسلمين فقط، أو لعالم الإنسانية فحسب، بل بعث أيضاً رحمة للحيوان والنبات والجماد، (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)، والرحمة يلزمها السلام، بل هى مع السلام وجهان لعملة واحدة، وما أظن أن هناك ديناً من الأديان ولا نظاماً اجتماعياً أو دستورياً رحم الإنسان وعصم دمه مثل ما عصمه نبى الإسلام".
وأضاف: "بل إن الإسلام ليحرم مجرد ترويع الإنسان وتخويفه، حتى لو كان الترويع على سبيل المداعبة والمزاح، حيث يقول النبى: (من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه) ولقد بلغت رحمته ورفقه بالحيوان أنه رأى مرة جملاً تتساقط الدموع من عينيه، وتبدو عليه أمارات التعب والإرهاق، فاستدعى صاحب الجمل وكان غلاماً من الأنصار وقال له: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكى إليَّ أنك تجيعه وتدئبه)".
وقال: "انطلاقاً من هذه النصوص القاطعة يتبين لنا أن علاقة الإنسان المسلم بغيره أياً كان هذا الغير إنساناً أو حيواناً أو نباتاً أو جماداً هى فى فلسفة الإسلام علاقة زمالة وصحبة وارتفاق، تقوم أول ما تقوم على مبدأ السلام والتعارف، وأن الإسلام من هذا المنطلق تحديداً لا يبيح القتل إلا فى حالة واحدة وحيدة هى رد الاعتداء، أو استيفاء حق من حقوق الله تعالى الثابتة بنص قطعى الدلالة والثبوت".
وأضاف: "إن مهمة إحياء فقه السلام فى دين الإسلام: أصولاً وتراثاً، أمر لم يعد ترفاً أو خياراً ممكناً، بل هو أشبه بطوق النجاة الآن"، مطالبا بجمع الكتب والمجلات التى تصدرها الجماعات الإرهابية المسلحة، وتصنيفها ونقضها جملةً وتفصيلاً، ومحاصرة القواعد العقدية التى تنطلق منها جماعات القتل المسلحة، وبخاصة قاعدة التكفير، ونبه الطيب إلى أن بعض الفتاوى أو الأحكام التى صدرت فى العصور الخوالى كانت لمواجهة ظروف استثنائية لا يمكن القياس عليها الآن، مستدركا: "قضية التكفير أصدق مثال على دعوانا هذه، حيث نرى جماعات الإرهاب المسلح اليوم تستند إلى أحكام ينقلونها عن ابن تيمية وابن كثير رحمهما الله، تنص على أن النطق بالشهادتين لا يكفى للحكم بإسلام الشخص، بل لابد من اقتران العمل بهما والخضوع الكامل لأحكام الإسلام، والالتزام بالدفاع عن الجماعة والدولة الإسلامية والشريعة".
وتابع: "جلية القول فى هذا الفهم المغلوط أن ابن تيمية إنما قال ذلك الكلام فى القرن السابع والقرن الثامن الهجريين، وكان مشغولاً بمواجهة المعارك العنيفة الدامية بين المسلمين وغارات التتار الذين كانوا يظهرون إسلامهم ويبطنون كفرهم، وكان حكام الدويلات المسلمة لا يجدون حرجاً من الاستعانة بهم فى السيطرة على ما تبقى فى أيديهم من البلاد"، متسائلا: "هل يمكن أن يسوى فى الحكم الواحد بين المجتمعات المسلمة فى القرن الواحد والعشرين وبينها فى القرنين السابع والثامن الهجريين، وكيف ألغيت كل الفروق والسياقات والملابسات الفقهية والسياسية والظروف القاسية التى أثمرت هذا النوع من الفتاوى المؤقتة لتطل برأسها من جديد وتبرر لجماعات التكفير إعلان الجهاد على مجتمعات تؤمن بالله ورسوله".
فيديو قد يعجبك: