إعلان

في ذكرى توليه المشيخة .. الإمام الفحام شيخ الأزهر وخريج السربون

04:06 م الأحد 17 سبتمبر 2017

إعداد – هاني ضوَّه :

تعاقب على مشيخة الأزهر الشريف عدد كبير من خير علماء الإسلام الذين كان لهم أبلغ الأثر في إيصال رسالة الإسلام والأزهر الشريف الوسطية إلى ربوع الدنيا كلها.

ومن هؤلاء الأئمة الأعلام فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور محمد الفحام رحمه الله، والذي يعد علمًا من أعلام اللغة العربيَّة البارزين، وعالمًا كبيرًا في علوم النحو والصرف والبلاغة والأدب فضلًا عن العلوم الشرعية، ويعتبر اليوم 17 سبتمبر هو ذكرى توليه مشيخة الأزهر الشريف.

نشأته:

ولد الشيخ محمد الفحام رحمه الله في محافظة الإسكندرية في 18 ربيع أول 1321هـ الموافق 18 سبتمبر 1894م، ثم حفظ القرآن الكريم وجوَّده، والتحق بمعهد الإسكندرية الديني، وكان هذا المعهد قد سبق غيرَه من المعاهد الدينية في الأخْذ بأسباب الإصلاح والتقدُّم، كما أنَّه يمتاز بضمِّ نخبةٍ من العلماء الممتازين.

وظهر على الشيخ الفحام علامات التميز والنبوغ منذ الصغر، ولفتت إليه انظار أساتذته؛ فكانوا يُثنون عليه ويُشيرون إلى نبوغه، ويهدون إليه بعضَ الكتب والمؤلَّفات العلمية، وكان يعتزُّ بهذه الكتب كلَّ الاعتزاز، ويحرص على صيانتها وحِفظها والانتفاع بها، وكان يُطلِعُ بعض أصدقائه على هذه المصنَّفات التي أُهدِيت له من أساتذته، ومنهم أستاذه الشيخ عبدالهادي الضرعمي وهو بالسنة الأولى الابتدائية، وعليها إهداء بخطه، وذكر أنَّه صحب معه هذه الكتب إلى باريس. 

وواصل دراسته بالقسم العالي بمشيخة علماء الإسكندرية ونال شهادة العالمية النظامية بتفوُّق، في امتحانٍ أدَّاه بالأزهر سنة 1922.

ولقد حاز الإمام الفحَّام على كثيرٍ من المعارف والعلوم، وتخرَّج في الأزهر، إلا أنه كره التقيُّد بالمناصب والوظائف الحكوميَّة، واشتغل بالتجارة، ونجح فيها نجاحًا باهرًا، ولكنَّ مواهبه العلمية من جهةٍ ونصائحه المخلصين من أصدقائه من جهةٍ أخرى حملته على أنْ يعود للحياة العلمية. 

كان الأزهر قد أعلن عن مسابقةٍ بين العلماء في العلوم الرياضية؛ ليُعيِّنهم مدرسين للرياضة بالمعاهد الدينية سنة 1926م، وامتحن وفاز بتفوُّق، وفعلاً عُيِّنَ في المعهد فدرس لمدَّة تسع سنوات؛ وهذا يدلُّ على تعدُّد مواهبه وتنوُّع ثقافاته.

دكتوراة من السربون:

وفي سنة 1936 اختير إلى بعثة علميَّة في فرنسا، فرحل إليها ومعه زوجته وأولاده، وأثناء البعثة قامت الحرب العالميَّة الثانية، ولكنَّه آثَر البقاء، وتحمل متاعب الحرب وقيودها الصَّعبة في سبيل التعليم ومُواصلة الدراسة في عزيمة وتصميم، وأنجب بنتين هناك، واستطاع رغم الظُّروف المحيطة به أنْ ينال دبلوم مدرسة الليانس في باريس سنة 1941، ونال في نفس العام دبلوم اللهجات اللبنانية والسورية، ودبلوم التأهيل لتعليم اللغة الفرنسية، ونال كل ذلك من جامعة يورو كلية الآداب سنة 1941.

ونال الشيخ الفحام درجة الدكتوراه بامتيازٍ من جامعة السوربون بفرنسا في يوليو سنة 1946، وكان موضوع الرسالة "إعداد معجم عربي - فرنسي للمصطلحات العربيَّة في علمي النحو والصرف"، وقد نالَ برسالته هذه إعجاب وتقدير الأساتذة المستشرقين .

وعاد الشيخ الفحام من فرنسا سنة 1946م ليعمل مدرسًا بكليَّة الشريعة، ثم مدرسًا بكلية اللغة العربية للأدب المقارن، والنحو والصرف.

وفي عام 1959 صدر قرار بتعيينه عميدًا لكليَّة اللغة العربيَّة، وظلَّ يُباشر عمله في العمادة والتدريس والتوجيه والإرشاد، حتى حان موعد إحالته على المعاش 1959، فصدر قرار جمهوري بمدِّ خدمته عامًا، والملاحظ أنَّ كلَّ هذه الأعمال الجليلة والجهود العظيمة في خدمة الإسلام والمسلمين والأزهر الشريف كانت قبل تولِّيه المشيخة، وأنَّه لم يكن رجلاً واحدًا، وإنما كان أمَّة في رجل.

تولِّيه مشيخة الأزهر: 

وتولى فضيلة الدكتور محمد الفحام مشيخة الأزهر الشريف بعد هذه الحياة الحافلة، وصدَر القرار الجمهوري في 5 رجب 1486هـ الموافق 17 سبتمبر سنة 1969 بتعيين فضيلته شيخًا للأزهر، فنهض بأعباء المشيخة وسط ظروف قاسية، وأمواج متلاطمة، وبين تيَّارات عنيفة، وفي هذه الأثناء ظهرت حركات التبشير عاتية عنيفة قويَّة في إفريقيا وآسيا، وقد استطاع الإمام أنْ يُوائم بين واجبه الديني بوصفه إمامًا أكبر للمسلمين، وواجبه الوطني في وحدة الصف ولم الشمل، وتأمين الجبهة الداخلية، وسنشير إلى ذلك فيما بعدُ. 

وفي سنة 1970 بعد تولِّيه لمشيخة الأزهر زار السودان فقُوبل بحفاوة منقطعة النظير، وفي السنة نفسها تلقَّى دعوةً من علماء المسلمين في الاتحاد السوفيتي، ورئيسهم بابا خانوف لزيارة الاتحاد السوفييتي، فلبَّى الدعوة، وزار أيضًا جمهورية "أوزباكستان، وطشقند، وكاجيكستان، وسمرقند، وموسكو، وليننجراد، وعقد أوثق الصلات مع المسلمين، وفي سنة 1971 زار إيران، والتقى بعلماء الشيعة وأعلامهم، واستقبَلوه بحفاوةٍ تتَّفق ومكانته ومنزلته، واتَّفقوا جميعًا على العمل في سبيل الوحدة الإسلامية وتحقيقها.

موقفه من فتنة التبشير:

وأمَّا موقفه من الفتنة التبشيريَّة التي أشرنا إليها في بداية اشتعالها في عهد الإمام الشيخ "حسن مأمون" وأخمدت نارها بفضل جهود الإمام الفحام، وألقى بكلِّ الكتب السماويَّة البعيدة عن التحريف، كما اعترف بجميع الرُّسل والأنبياء السابقين، وأنَّ المسلم لا يكون مسلمًا إلا إذا آمَن بكلِّ ذلك، وأنَّ الإسلام لما دخَل مصر عامل سكانها المسيحيين أكرم معاملة، فجعل لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وظلَّ الأقباط يعيشون مع المسلمين بحريَّةٍ في دور عباداتهم، وكوَّنوا ثرواتهم، وشيَّدوا كنائسهم ومدارسهم الخاصَّة، ولم يتعرَّض لهم أحد من المسلمين بسوء. 

وفي حرب 1967 احتلت إسرائيل سيناء، وبدأ الاستعمار يخطِّط لإضعاف الجبهة الداخليَّة في مصر، وذلك بإشعال نار الفتنة، وكان مصدر هذه الفتنة أنْ قامت مؤسسةٌ مريبة في بيروت فأصدرت سلسلتين من الكتب التبشيرية: إحداهما بعنوان "في الحوار المسيحي الإسلامي"، والثاني بعنوان "دراسات قرآنية"، وكان الهدف من إصدار هاتين السلسلتين إحداث فتنة طائشة عمياء، وهنا عقد الإمام الفحام جلسة مجمع البحوث الإسلامية في مارس 1971، واختار مَن يردُّ على تلك الشرذمة وكتبهم التبشيرية، وبقوَّة شخصية الإمام، وسداد رأيه، وقوَّة منطقه وحجته، استطاع القضاء على هذه الفتنة، التي أوشكت أنْ تُمزِّق الأمَّة، وبهذا سلمت الجبهة الداخليَّة من الانهيار، وعاد الشعب المصري إلى وحدته.

وفي عام 1973 تقدم الشيخ محمد الفحام إلى الرئيس السادات باستقالته من مشيخة الأزهر نظرًا لكبر سنه ومرضه، وكان قد بلغ الثمانين عامًا.

شائعة حوله إلى المسيحية:

كان الشيخ الفحام من أكثر العلماء المتصدين للجماعات التبشيرية التي تسعى لنشر الفتنة في المجتمع، لذا بعد وفاته ادعى بعض الحاقدين وأشاعوا أن الشيخ الفحام قد تحول إلى المسيحية وذكروا قصة عجيبة لا أصل لها تتعلق بعلاج ابنته في احدى المستشفيات الفرنسية، وذلك دون دليل واحد معتبر.

وقد رد أبناء وأحفاد الشيخ أكثر من مرة على هذه الشائعة العجيبو وكتب حفيده محمد إبراهيم الفحام مقالًا بعنوان: "رحم الله جدي" وقال فيه: 

"عندما "استقال" الدكتور محمد الفحام من مشيخة الأزهر -وهو ليس أول المستقالين ولا أول المقَالين من مشيخة الأزهر- كان يناهز الـ80 من العمر، فكم يكون عمر ابنته المزعوم إصابتها بمرض عضال كما تدعون؟ لماذا لم تتناول وسائل الإعلام الغربية المسيحية هذا الخبر الجلل وهذا السبق الصحفي والمبشر لأصحاب الديانة المسيحية، علماً بأن الحكومات الإسلامية أو المصرية على وجه التحديد ليس لها أي ثقل للضغط على أي أصغر وسيلة إعلام غربية لمنع الاحتفال أو الاحتفاء بهذا الخبر ولو حتى بصورة "فوتوشوبية" لتأكيد الخبر؟.

ولما كانت الأوسمة والجوائز التى حصل عليها من الحكومة المصرية ومن بعض الدول الإسلامية والشرقية بعد تركه منصبه كشيخ للأزهر، وكذلك سجلات مجمع اللغة العربية -الموجود بحي الزمالك بالقاهرة- والذي مسجل بها مرات حضوره وكلماته في هذا المكان المحترم تؤكد عدم رحيله من أرض مصر على الإطلاق بعد تركه لمنصبه.

كما نقرأ أو نسمع من حين إلى آخر بأن القس الفلاني أسلم أو أن الشيخ العلاني تنصر كنوع من تحميس أصحاب النفوس الضعيفة والأشخاص قليلي الإيمان والثقافة، فهذا ينطبق على هذه الكذبة الساذجة، والتى استغل مروجوها شخصية الدكتور الفحام التى تتسم بالسماحة والبشاشة والتواضع وتعدد العلاقات الطيبة بجميع رجال الدين الإسلامي والمسيحي وحتى أصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى مثل الشيعة وغيرها، بالإضافة لواقعة استقالته من منصبه والتى كانت نتيجة لكبر سن الدكتور الفحام وحالته الصحية ولوجود خلافات بينه ووزير الأوقاف في هذه الفترة، حيث كانت وزارة الأوقاف تشرف بطريقة غير منطقية على الأزهر الشريف وعلى تحركات شيخ الأزهر نفسه، وتم حل هذا الخلاف في وقت لاحق في عهد المرحوم فضيلة الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود.

وبما أنني أحد أحفاد هذا العالم الجليل فأقول "الدكتور محمد الفحام توفاه الله عام 1980 في بيته بالإسكندرية ودفن في مدافن العائلة الموجودة في الإسكندرية (مدافن المنارة) وذلك عن عمر يناهز السادسة والثمانين عامًا، بعد أن أصيب بكسر في عظام الحوض أثناء الوضوء، وكان صائما رغم كبر سنه، وقبل وفاته تمت تسمية الشارع الذي يسكن فيه (شارع أبي قور سابقا- بالإبراهيمية) شارع الشيخ الدكتور محمد محمد الفحام.

وبعد وفاته توفى ثلاثة من أبنائه وتعيش عائلته بأكملها في مصر، وأخيرا أرجو أن تكون الحقيقة واضحة -لمن أراد الحقيقة- وأرجو إعمال الفكر والعقل لردء هذه الشائعة التى أقل ما يقال عنها بأنها ساذجة، وتندرج تحت مسمى القصص الساخرة غير المحبوكة، رحم الله جدي وألحقني معه في الفردوس الأعلى.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان