"دعوة غريبة".. هكذا كان يرى السلطان عبد الحميد الثاني في ذكرى تتويجه "تحرير المرأة"
كتبت – آمال سامي:
تحل اليوم ذكرى تتويج السلطان عبد الحميد الثاني سلطانًا للمسلمين وخليفة في الدولة العثمانية، في السابع من سبتمبر عام 1876م.. بينما يراه البعض "السلطان المظلوم" ويراه آخرون "السلطان الأحمر" كما يلقبه أعداءه، وبينما يراه البعض كذلك مناهضًا للحركة الصهيونية ويرى آخرون أنه كان سببًا في تسليم فلسطين لليهود، يختار مصراوي أن يراه عبر مذكراته ناقلًا قليلًا من سيرة السلطان عبد الحميد الثاني كما كتبها هو عن نفسه، وعن آرائه في عدد من القضايا من كتاب مذكراته دون خلاف بين المؤرخين..
رؤية السلطان العثماني للإسلام كعقيدة وحياة
يحاول مصراوي في التقرير التالي تسليط الضوء على ما ورد في كتاب "مذكرات السلطان عبد الحميد الثاني" حول الشخصية الإسلامية، وكيف كانت رؤيته للدين الإسلامي كعقيدة وحياة، الذي أكد في مطلعه أن العلاج الوحيد لتستعيد الأمة تصدرها ومكانتها بين الأمم أن تعود للدين مرة أخرى، فيقول: "فإذا كنا نريد أن نحيا من جديد وأن نستعيد قوتنا ونبلغ عزتنا التي كنا فيها، علينا أن نرجع إلى المعين الذي أخذنا منه تلك القوة، فالخير كل الخير في رجوعنا إلى إسلامنا وإلى شريعتنا، والشر كل الشر في تقليدنا للحضارة الأوروبية الزائفة".
ورد السلطان عبد الحميد في مذكراته على زعم أن الإسلام عدو للحضارة قائلًا أنه أمر مضحك وتعامي عن الحقيقة بدليل ما أظهره المسلمون من براعة في القرون الوسطى في شتى نواحي العلوم والفنون، ثم تحدث السلطان عبد الحميد عن عدة قضايا نختار منها ما ذكره عن "القدرية" قائلًا أن كلمة "النصيب" أضرت بالناس وأوقعتهم في المصائب، مؤكدًا أنه لا مكان في القرآن لفكرة النصيب هذه، وإنما لقيت رواج في العصور الأخيرة بسبب كسل الناس وقلة فهمهم، بل أصبحت "إن شاء الله" ملجأ لكل من يريد ستر ضعفه وخموله، مضيفًا: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين بالإتكال على الهل، لكنه لم يأمر بالاستسلام للكسل والخمول بحجة القدر"، والغريب أن السلطان التركي عبد الحميد الثاني كان يرى أن الأتراك أقل وعيًا من السوريين والعرب حسبما ذكر صراحة في ذلك الفصل.
إصلاح المدارس والتعليم الزراعي
يعرض السلطان عبد الحميد الثاني رؤيته في الإصلاح فيما يخص المدارس مؤكدًا أن المدارس الخاصة شكلت خطرًا كبيرًا على البلاد، معتبرًا أن سماح السلطنة لكل دولة في كل الأوقات بإنشاء المدارس التي يرغبون في إنشاءها كان خطئًا كبيرًا منها، فتلك المدارس علمت الطلاب أفكار معادية للبلاد، كما أشار إلى التطوير الذي حدث بالأزهر في مصر واستطاع به أن يجذب عددًا كبيرًا من الشباب، ملفتًا النظر إلى أن معاهد استنابول لم تستطع أن تفعل ما فعله الأزهر.
كان السلطان عبد الحميد يحمل رؤية إصلاحية لما يخص التعليم الزراعي أيضًا، فكان يرى أن له أهمية خاصة تنبع من أهمية الزراعة وقيمتها للبشرية معتبرًا إياها في المرتبة الأولى بين الأعمال في الدولة العثمانية، وذكر أنه قام بإرسال بعثة تعليمية إلى فرنسا وأخرى إلى ألمانيا، وانشأ أول مدرسة زراعية في سلانيك بواسطة "فيتاليس" أفندي ملفتًا النظر إلى أن التطوير الزراعي له أهمية خاصة على الرغم من بطء الفلاحين في تقبله.
التطور لا يعني فرض الثقافة الغربية
وعلى الرغم من رغبات السلطان عبد الحميد الثاني الكبيرة في التطور والإصلاح الداخلي إلا أنه كان يؤكد أن هذا التطور يجب أن ينبع من الداخل لا عن طريق الأوروبيين وثقافتهم وفكرهم، فيقول: "إن التطور لا يمكن أن يحدث تحت تأثيرات وضغوط خارجية، فلابد أن يكون التطور نابعًا من صميم الواقع، بشكل طبيعي وباتجاه صحيح". ويذكر عبد الحميد الثاني أن الأوروبيين يتوهمون أن السبيل الوحيد في الخلاص هو الأخذ بحضارتهم جملة وتفصيلًا، على الرغم من أن كثير من رجال العلم، حسب تعبيره، يعترفون أن الثقافة الإسلامية العثمانية جديرة بالهيمنة كالثقافة الغربية على أقل تقدير، ويؤكد عبد الحميد: "علينا أن نتطور تحت ظروف طبيعية ومن تلقاء أنفسنا، وأن نستفيد من الظروف الخارجية في حالات خاصة"، ويضيف: "إن الإسلام لا يعادي التطور والرقي لكنه يرفض التطور المستند إلى مباديء غريبة عنه فلابد أن تكون مباديء تطورنا من صميمنا وواقعنا".
رأي السلطان عبد الحميد الثاني في دعوات حرية المرأة وعملها
"ينتشر الآن في الأوساط النسائية أفكار أوروبية تدعو إلى حرية المرأة وقد قامت زوجة شريف باشا في الآونة الأخيرة بنشاط محموم للدعوة إلى الحرية النسائية، إنها دعوة غريبة، يجب وضع حد لها مهما كانت النتائج"، هكذا كان يرى عبد الحميد الثاني الأصوات التي تدعو إلى حرية المرأة في عصره، معتبرًا أن الإسلام منع المرأة من العمل في المجال السياسي وابقاها بعيدة عن الاختلاط بالرجال وهو ما رآه أمرًا منطقيًا وحقًا، فالاختلاط، من وجهة نظره، يثير شهوة الرجال فتنقلب قوتهم ضعفًا وعزمهم خورًا، مؤكدًا أن البيت هو المجال الطبيعي للمرأة، حيث تربي أولادها وتساعد زوجها.
أما تعدد الزوجات، فيرى السلطان عبد الحميد أن العثمانيين لم يحققوا منه الغاية المرجوة، وإنما جاء معهم بنتائج عكسية حيث أنصرفوا إلى الحياة الجنسية، "أما العاقل فيهم فلم يتزوج إلا واحدة"، وأضاف أن الإسلام أباح تعدد الزوجات بشروط تجعله ممكنًا نظريًا، مؤكدًا أن أغلب الرجال يفضلون الزوجة الواحدة.
الملفت للنظر، أن السلطان عبد الحميد الثاني أشار في مذكراته إلى سهولة وقوع الطلاق في المجتمع العثماني في عصره، قائلًا ان هذا يحدث ضرر بالغ في المجتمع، وربما يدفع ذلك إلى وضع حد للتعدد، "ويجب على الرجل أن يفهم بأن المرأة ليست غرضًا من أغراض الزينة في بيته بل هي شريكته ورفيقة عمره".
فيديو قد يعجبك: