"لا أشبع الله بطنه".. قصة دعاء الرسول على معاوية بن أبي سفيان
كتبت – آمال سامي:
يروي لنا مسلم في صحيحه الحادثة التي أعتبرها البعض دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، حيث روى عن ابن عباس قوله: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتواريت خلف باب، قال فجاء فحطأني حطأة، وقال: اذهب وادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت: هويأكل، قال: ثم قال لي اذهب فادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت هويأكل، فقال: لا أشبع الله بطنه"
يروي ابن كثير تلك الحادثة في كتابه "البداية والنهاية" قائلًا إن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم تحققت في معاوية رضي الله عنه، فما شبع بعدها، فيقول ابن كثير: وقد كان معاوية رضي الله عنه لا يشبع بعدها، ووافقته هذه الدعوة في أيام إمارته فيقال: إنه كان يأكل في اليوم سبع مرات طعاما بلحم وكان يقول: والله لا أشبع وإنما أعيى.
لكن هل يعني هذا شرًا؟ كان معاوية رضي الله عنه من كتبة الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم، فهو في مرتبة رفيعة بين الصحابة لا ينكرها أحد، وإلا فما تعني تلك الدعوة؟ يفسر لنا النووي في شرحه على مسلم سر تلك الدعوة قائلًا أنها قد تكون مما جرت به العرب في وصل كلامها بلا نية: "كقوله تربت يمينك وثكلتك أمك، وفي حديث معاوية: "لا أشبع الله بطنه" ونحو ذلك، لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء"، أما التفسير الآخر الذي ذكره النووي، أن يكون دعاء حقيقة، وأن يكون معاوية مستحقًا لذلك مستوجب له بأمارة شرعية في ظاهر الأمر، وفي باطن الأمر ليس أهلا لذلك، "والرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر".
ومن دلالات ذلك أن هذا الحديث ورد عند مسلم تحت باب " من لعنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو سبّه أو دعا عليه وليس هو أهل لذلك كان له زكاة وأجر ورحمة"، ففي بداية هذا الباب ذكر مسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إنما أنا بشر، فأي المسلمين لَعنتُه أو سببتُهُ فاجعله له زكاة وأجرًا"، ويعلق النووي على ذلك الحديث قائلًا: " هذه الأحاديث مبينة ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم، وهذه الرواية المذكورة آخرا تبين المراد بباقي الروايات الطلقة وانه إنما يكون دعاؤه عليه رحمة وكفارة وزكاة ونحو ذلك إذا لم يكن أهلًا للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه"، ويقول النووي إن في حديث معاوية السابق خير مثال على ذلك، فقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من كلامه هذا إجابة، فطلب من الله سبحانه وتعالى إن حدث ذلك أن يجعله رحمة وكفارة وقربة وطهورا وأجرا لصاحبه، وقال النووي: "وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذ من الأزمان".
فيديو قد يعجبك: