إعلان

1442 عامًا مضت.. ولا تزال هجرتنا محفوفة بالمخاطر!

محمود أبو حبيب

1442 عامًا مضت.. ولا تزال هجرتنا محفوفة بالمخاطر!

09:12 م الإثنين 24 أغسطس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: محمود أبو حبيب
عضو المركز الإعلامي للأزهر


تأخرت وتحيرت كثيرًا ماذا أكتب عن الذكرى الأهم في تاريخ المسلمين؟ فهل لمن واقع الذنوب والمعاصي أن يخط في مسيرة كان النبي قائدها؟ وبعد تفكير عميق وجدت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يكن ليوصد بابه دون أحد، ولم تكن مسيرته ملهمة ومعلمة لأناس دون غيرهم، فطرحت أفكاري وبعثرت كلماتي لأتخير من بينها ما أجد فيه للنفس واعظًا، وأخذت برقم الود وزودته بمداد من القلب، لأسجل ما فطنه العقل من دروس وعبر في الهجرة النبوية.

مع قرار النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه بالهجرة وجدت أن المرء مهما ضامه شيء فإنه قد يجد المخرج والفرج الذي يبشّر بميلاد جديد، يبدل وحشة الغربة إلى أنس القرب، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم لثلةٍ من القوم جعل الله في قلوبهم بصيص نور بميلاد أمة بعد ما لقيه النبي وصحبه من تعذيب وتكذيب من قومه وفي موطنه، لكن ثقته ويقينه بالله نبأه بعهد جديد لدعوته، عهد يتبدل فيه الضعف إلى قوة والخوف إلى طمأنينة، فحملتهم الرؤوس قبل أن تطأ أقدامهم أرض المدينة، وحضنتهم القلوب قبل أن يلتف حولهم الأنصار، فخرجت بنفسي من أغلال المعاصي وحصون هواها، ورفعت هامتي للسماء متجهًا إلى ربي هاجرًا كل ما يبقيها في هذا الأثر الذي يؤرث ذلة ومهانة، إلى طاعة الله التي تملا النفس رفعة.

لازلت لا أعرف كيف أبدأ السير في الطريق إلى الله، فهداني صدق الصديق وإخلاصه، وكيف أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعلمنا أن الخطوات الناجحة تبدأ مع اختيار رفقاء مخلصين، نركن إليهم في الشدائد، ونعهد إليهم بالبشائر، فإذا كان هذا النبي المؤيد بالعناية والمعصوم بالهداية، لم يخرج إلا بعد أن تخير لرحلته الرفيق، فما أحوجنا إلى أن نتأسى به في اختيار رفقاء يعينونا في هجرتنا إلى الله يسددون عنا المسير ويقربون الرجاء يأخذون بأيدنا إلى الله، فوجدت في القرآن وأهله المعين وفي منهج النبي ورجاله النصير.

عناية الله ووعده بحفظ نبيه كفيل أن يصل بالنبي ودعوته إلى قلوب دبّ فيها النور، لكن النبي- صلى الله عليه وسلم- أراد أن يربّي في النفس أهمية التخطيط والتدبير ليبلغ المريد مناه، فأخذ يجهّز الخطة ويعد العدة، فعلمت أنه في هجرة نفسي لابد لها من منهج تسير عليه تحتكم إليه يضمن لها بعناية الله سبيل الهداية من كل شرّ قد اعتادت عليه ليخرج بها من تقلبات إلى ثبات يجعلها تصمد به أمام أحداث الحياة ونكبات الدهر.

ينطلق ركب الهجرة متجهًا إلى حيث قدر الله، مسيرة تحفها المخاطر لا لشيء إلا لنعلم أن العقبات التي نواجهها في حياتنا تحتاج إلى الصبر والصمود فلا تجزع النفس ولا يضيق الصدر؛ لأنه على قدر أهل العزم تأتي العزائم ففي الصبر على الشدائد والنكبات وحوادث الدهر تكون النتيجة وتشرق شمس الهدى ببدر يطل على القلوب عند بلوغ الغاية.

بلغت دعوة النبي أرجاء الأرض، لكن قلبه معلق بطيبة وفي هذا تأكيد أن سماحة الإسلام لا تنسينا حقنا وأرضنا، لأن هذا الدين دين عدل، وهنا يلوح في الأفق نور يبشر بعودة النبي لأرضه وموطنه التي خرج منها يترقب يعود عزيرًا منتصرًا، ساعتها أدركت أن السواد لا يدوم كثيرا خاصة إذا ما ارتبط هذا الظلام بقضايانا، فلابد ليوم أن ينجلي فيه الليل البهيم وتشرق شمس الحق فوق سماء فلسطين التي كافحت الأجيال المتعاقبة عنها!
1442عامًا مضت وكأن رسالة الهجرة التي غرستها فينا مسيرة النبي- صلى الله عليه وسلم - "لا يموت حق وراءه مطالب".

إعلان

إعلان

إعلان