إعلان

أيُّ الناسِ أفضل؟

مي مرسي يوسف..عضو مركز الازهر العالمي

أيُّ الناسِ أفضل؟

09:02 م الأحد 23 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


بقلم: مي مرسي يوسف
عضو مركز الأزهر العالمي
للرصد والافتاء الالكتروني


أليس كلٌ منّا يريدُ أن يكونَ أفضلَ الناسِ عملًا؟! وأحسنَهم خُلُقًا؟ وأَنقَاهم سريرةً؟ وأهنأهم معيشًة؟

ولا سبيل لنا في ذلك إلا بالاقتداء بسيد الخلق – صلوات ربي وسلامه عليه – فهو المُعلّم والقدوة والأسوة الحسنة، فلقد قال عنه رب العزة في كتابه: " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" [القلم:4]، فنجد المصطفى – صلى الله عليه وسلم – جالسًا مع أصحابه يرشدهم لأن يكونوا الأفضل، ففي الحديث الذي أخرجه ابن ماجه في سننه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ". قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: "هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ".

والإنسان يرجو مغفرة الله – تعالى - في كل وقت وحين ، ورغم هذا إلا أن الأفعال قد تناقض ذلك في كثير من الأحوال؛ إذا لم يكن الإنسانُ منا سليم الصدر.

وقد ذكر هذا ابن رجب في لطائف المعارف (1/139]، فقال: [ ومن الذنوبِ المانعةِ من المغفرةِ أيضًا الشحناء وهي حقد المسلم على أخيه بغضًا له لهوى نفسه، وذلك يمنع أيضًا من المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"].

فكما أن عدم سلامة الصدر تكون سببًا في شقاء الإنسان في الدنيا وعدم نيل مغفرة الله، فسلامته أيضًا تكون سببًا في نعيمه في الدنيا وهنائه في معيشته فيها، و مدخلًا للجنة فيما بعد، ففي الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: " كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ،... فتَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ليعلم حاله فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، فسأله َمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ. قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ" .

ولنعلم أننا كي نكون من سالمي الصدور، ويكون ذاك نهج حياتنا، وننال منزلة أصحاب هذا الخُلق القويم، فعلى كاهل نفوسنا جهدٌ عظيم، بأن نبدأ أولًا: بإحسان الظن فيمن حولنا وفي أفعالهم تجاهنا، وثانيًا: بألا نترك لإغواء الشيطان بيننا سبيل، ففي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ»، وأن ندعو اللهَ بأن يؤلفَ بيننا وبأن يَسلُل سخيمةَ صدورنا، ولنعمل بما أوصانا به نبينا – صلى الله عليه وسلم – بألا نتباغضَ ولا نتحاسدَ، ولنكن عبادَ اللهِ إخوانًا، وحتى ننجو عندما نأتي اللهَ - عز وجل - في يوم لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم.

إعلان

إعلان

إعلان