المفتي السابق: الأمة أجمعت على فرضية الحجاب.. وصوت هؤلاء لن يصل إلى الناس
(مصراوي):
دافع الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، عن قضية الحجاب في الشرع، مفنّداً الشبهات المثارة حوله باعتباره فرضاً من الله تعالى، ومؤكداً أن العورة أمر شرعي حدّه الشارع لا سبيل للاجتهاد فيه بتغير الزمان والمكان.
وكتب فضيلته مقالاً مطولاً، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، مشيرا إلى الأزمة المثارة مؤخرا بعد مهاجمة بعض الكتاب والإعلاميين الحجاب، قائلاً:
إن الأمة الإسلامية اتفقت على حرمة أن تظهر المرأة شيئا من جسدها عدا الوجه والكفين، واستدلوا بقوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، فذهب العلماء أن ما ظهر من الزينة هو زينة الأعضاء الظاهرة، وهي زينة الوجه والكفين, كالكحل الذي هو زينة الوجه، والخاتم زينة الكف، وقد ذكر ابن كثير الآية وعقبها بقوله: «قال الأعمش: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس «ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها» قال: وجهها، وكفيها، والخاتم وروي عن ابن عمر وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء والضحاك وإبراهيم النخعي وغيرهم نحو ذلك» [تفسير ابن كثير].
واستدلوا من السنة النبوية بما روت السيدة عائشة رضي الله عنها: «أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله -ﷺ- وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله -ﷺ -، وقال: يا أسماء، إن المرأة إذ بلغت المحيض لم تصلح أن يري منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه» [أبو داود والبيهقي].
وأكد فضيلة المفتي السابق أن الأمة أجمعت بعد هذه الأدلة على وجوب ستر العورة للرجل والمرأة، وهو في حق المرأة الحجاب الذي يستر بدنها، وصار ذلك من المعلوم من الدين بالضرورة، فكما يعلمون أن الظهر أربع ركعات، يعلمون أن المرأة التي لا تستر عورتها آثمة شرعا.
وتابع فضيلته: الإجماع بهذه الصفة السابقة ينفى ظنية ثبوت الدليل، ويصبح الدليل بعده قطعيا، لا يجوز النظر فيه نظرا يخالف ذلك الإجماع. ومثاله الإجماع على أن الوضوء سابق على الصلاة، مع إيهام النص فى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ}. حيث أجمعت الأمة على أن الوضوء قبل الصلاة وأن المراد من الآية إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ... الخ.
إذن فالحجاب لستر العورة، والعورة: ما يحرم كشفه من الجسم سواء من الرجل أو المرأة، فالعورة أمر شرعي حده الشارع لا سبيل للاجتهاد فيه بتغير الزمان والمكان، فإذا كان لا يجوز للرجل إظهار عورته في وقت ما، فلن يكون مباحا في وقت آخر، وكذلك إذا كان يحرم على المرأة كشف شيء من عورتها في زمن النبي ﷺ، فلا يتغير هذا الحكم إلى الجواز لتغير الزمان.
وأكد جمعة أن ستر العورة ليس من مسائل الفقه التي تتغير بتغير الزمان، وهناك الكثير ممن يتكلمون فيما لا يعلمون يظنون أن تغير بعض الأحكام المرتبطة بالعرف، أو تغير بعض وسائل الحياة المرتبطة بالزمن، يقتضي تغير جميع أحكام الدين لمجرد أن الزمان قد اختلف، وربما يأتي اليوم الذي يخرج علينا من يقول إن الأمر أيام النبي ﷺ بعبادة الله وحده، والزمن قد اختلف فينبغي علينا أن نشرك بالله مسايرة للعصر.
هذا لأنهم اعتبروا الدين مجالاً يتكلمون فيه بجهلهم، ولم يفطنوا أن الدين علم، والتدين العملي هو سلوك، وهناك فرق بين علم الدين وبين التدين العملي، وأن علم الدين هو علم كسائر العلوم، له مبادئ وقواعد ومصطلحات ومناهج وكتب وترتيب ومدارس وأسس وتاريخ و .... إلخ.
إننا نرى ما يؤكد أنه ليس هناك اعتراف بالفرق بين علم الدين والتدين، من ذلك أن أستاذ العلوم أو الزراعة أو الصحافة أو الهندسة أو الطب صار يتكلم في شأن الفقه، ويناقش الفتوى التي صدرت ممن تخصص وأمضى حياته في المصادر وإدراك الواقع، وما هذا إلا لأنه مثقف ديني، أو لأنه لا يعرف، أو لم يقتنع بالفرق بين علم الدين وبين التدين، ويرى أن الأمر مباح ومتاح للجميع.
وحول الجدل المثار مؤخرا بشأن قضية الحجاب، قال فضيلة المفتي السابق: نسمع من أدبائنا ومثقفينا، ومفكرينا من العلمانيين الذين لا اطلاع لهم على التشريع الإسلامي، ولا أحكامه، نسمع منهم أحكاما خاصة بالحجاب، كقولهم: انتشار الحجاب ردة حضارية، وأنه رجعية وتخلف، وأحيانا يتفلسفون ويهرفون بما لا يعرفون، فيقولون: الحجاب موروث لا علاقة له بالدين. عبارات تدل على محاولة منهم لإقحام أنفسهم كمتخصصين في مسائل لا علاقة لهم بها.
لذا إذا أردنا أن نعرف حكم الدين بشأن الحجاب فلنرجع إلى كتاب ربنا، وسنة نبينا ﷺ، وسنتوضح المعاني من علماء الدين الإسلامي، ولم يهمنا حكم الثقافة والمثقفون بشأن الحجاب لأن الشعب لا يريده.
وتابع فضيلته: إذا أردنا أن نتكلم عن ثقافة الشعب المصري، بعيدا عمن يدعي الثقافة، نجد أن الدين الإسلامي أحد أهم المكونات الثقافية للشعب المصري، فانطبع عليهم كثقافة، فترى الجميع مثلا يقول ادخل بقدمك اليمنى للتبرك بها، وإذا أراد الحديث يقول صلى على النبي ﷺ.
وأكد جمعة أن محاولة إخراج الدين الإسلامي من ثقافة الشعب المصري محاولة فاشلة، وإذا ما تمت -لا أتمها الله- ستحول الشعب المصري إلى مسخ مشوه بلا معالم، يذوب في القوى العالمية المختلفة ويبحث له عن انتماء يميزه فلا يجده.
ولكن والحمد لله فالشعب المصري يحب الدين، ويرفض أن يعيش من غيره، بل ويرفض أيضا أن يعيش مع الدين وهو في الهامش، بل يريد أن يعيش في الدين وبالدين، والإخوة العلمانيون يتعجبون من ذلك، حتى إن عجبهم قد أثار حفيظتهم، وغبش عليهم رؤية الواقع، فمعنى هذه الحقيقة أن مشروعهم قد فشل بالرغم من أنهم قد بذلوا كل ما في وسعهم. ومن هنا تراهم يبحثون عن أسباب وهمية تتعلق بسلطة رجال الدين، وبتأثير المؤسسة الدينية، وبأوهام الدولة الدينية إلى آخر ما هنالك مما نسمعه ليل نهار.
الروح تحتاج إلى الدين، ولن تقبل أن تهدأ إلا به، ولن ينفعها المزاولات المختلفة التي تعرض عليها حتى ترضى وتهدأ وتسكت. هذه هي أزمة العلمانيين في مصر أنهم لا يريدون أن يعترفوا بخطئهم المنهجي، وأنهم لا يعرفون أن صوتهم لن يصل إلى الناس. ومن هنا ولأنهم هم سبب المشكلة وفي نفس الوقت لا يدركونها يتهمون المؤسسة الدينية بما ليس فيها، فلا يزيدون من يطلع عليهم إلا حيرة، وقليل من هم. فإن أكثر الناس تقرأ عناوينهم، وإن قلة من المثقفين يشغلون بالهم بهم، وجماهير الشعب بعيدة عنهم تبحث عن غذاء الروح.
فيديو قد يعجبك: