إعلان

التبرك بآثار الأنبياء والصالحين.. لماذا أجازه الشعراوي وعلي جمعة وحرمه ابن باز

02:57 م الثلاثاء 19 نوفمبر 2019

الشيخ محمد متولى الشعراوي

كتبت- آمال سامي:

اختلفت الآراء الفقهية حول قضية التبرك بآثار الأنبياء والصالحين ما بين مؤيد ومعارض، حيث حرمه بعض المشايخ الكبار باعتباره مظهرًا من مظاهر الشرك، وأجازه البعض الآخر لأنه لا أحد من المسلمين يقصد أن تلك الآثار تضر أو تنفع على الإطلاق. وفي هذا التقرير نستعرض الآراء المتباينة حول ذلك وأدلتها، حيث أجازها علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، وقبله إمام الدعاة الشعراوي رحمه الله وفق الضوابط الشرعية، وحرمها صالح بن فوزان، الفقيه السعودي، وأعطى فيها ابن باز رأيًا أكثر تفتحًا..

تحريم التبرك.. بين صالح بن فوزان وابن باز

حرم الدكتور صالح عبد الله فوزان التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وهو فقيه وأستاذ جامعي سعودي وعضو بهيئة كبار العلماء بالسعودية، وأيضًا هو عضو في المجمع الفقهي بمكة المكرمة، وتقلد العديد من المناصب.

وقال فوزان إنه لا يصح التبرك بآثار النبي المكانية أبدًا مثل حجرته ومنبره والمواطن التي نزل بها في السفر، أو غار حراء أو غار ثور، أو ما يسمى بدار المولد، التي يُقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد ولد فيها، مشيرًا إلى أن ذلك مشكوك فيه، وذلك لأن السلف الصالح لم يفعل ذلك سواء من الصحابة أو التابعين أو "القرون المفضلة" حسب تعبيره، مؤكدًا أنهم أعرف الناس بما يصح ولا يصح وأنهم يعرفون هذه الأمكنة على وجه الدقة ومع ذلك لم يقصدها أحدهم ولم يتعبد فيها، لأنهم يعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشرع ذلك لأمته. وأضاف فوزان أن الأماكن التي يجب أن يصبو إليها المسلم هي المساجد الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى "أما المغارات والأمكنة، والمقامات فهذه من أعمال الخرافيين لا من أعمال الإسلام، ولا خير في إحداث البدع ولا أجر في ذلك، لأن فيه إثم هذا من ناحية، الناحية الثانية: أن هذا يدعوا إلى الشرك..".

على الرغم من رأي الفقيه السعودي المعروف، إلا أن الإمام ابن باز، القاضي والفقيه السعودي ومفتي السعودية السابق، له رأي آخر في التبرك بآثار النبي والصالحين، حيث فرق في رسالة منه إلى الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني، بين طلب الحاجات توسلًا وتقربًا بآثار النبي وبعض الأولياء الصالحين، وبين التبرك بها، فيقول: "هناك فرق بين ذلك، فطلب الحاجات من النبي ومن الأولياء، باعتبارهم يقضون الحاجات من دون الله أو مع الله، فهذا شرك جلي لا شك فيه، لكن الأعمال الشائعة بين المسلمين، والتي لا ينهاهم عنها العلماء في شتى أنحاء العالم الإسلامي...ليست هي في جوهرها طلبا للحاجات من النبي والأولياء، ولا اتخاذهم أربابا من دون الله، بل مرد ذلك كله - لو استثنينا عمل بعض الجهال من العوام - إلى أحد أمرين: التبرك والتوسل بالنبي وآثاره، أو بغيره من المقربين إلى الله عز وجل"، مؤكدًا أن التبرك بآثار النبي من غير طلب الحاجة منه ولا دعائه، منشأه الحب والشوق للرسول صلى الله عليه وسلم، رجاء أن يعطيهم الله الخير بالتقرب إلى نبيه، وإظهار المحبة له، وكذلك بآثار غيره من المقربين عند الله.

على الرغم من ذلك، يرى ابن باز أن التمسح بآثار النبي كالأبواب والشبابيك ونحوها في المسجد النبوي أو الحرم الشريف بدعة لا أصل لها والواجب تركها معللًا ذلك بقوله:"لأن العبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما أقره الشرع".

وفسر ابن باز ما نقل عن ابن عمر رضي الله عنه من تتبع آثار النبي واستلامه المنبر، بأنه اجتهاد من ابن عمر لم يوافقه عليه أحد من الصحابة، بل قد قطع أبوه، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الشجرة التي بويع تحتها النبي في الحديبية بعدما وصل إليه أن الناس يذهبون إليها ويصلون عندها "خوفًا من الفتنة وسدًا للذريعة".

الشعراوي وجمعة وإجازة التبرك مع الضوابط الشرعية

تحدث الشيخ الشعراوي عن قضية التبرك بآثار النبي والصالحين في معرض شرحه لآية: "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ"، فذكر آثار النبي صلى الله عليه وسلم وسيف علي ومصحف عثمان وغيرها قائلًا أن من يعتبر التبرك بهذه الأشياء شركًا يجب يعدل رأيه حول تلك المسألة وأن يتم إبعادها عن الشركيات والوثنيات، فنحبها وتحل علينا بالسكينة لكن لا نفتن بها، فنعرف ونؤمن أنها لا تملك ضرًا ولا نفعًا لكنها "تذكرنا بأمر يتصل بعقيدتنا وبنبي عقيدتنا"، ويضيف الشعراوي أن قصة التابوت الذي يحمل آثار موسى وهارون التي حافظ عليها قومهم وتحمله الملائكة تدل على أنه يجب علينا أن نعتني بآثار النبي، وأنه من الطبيعي أن تحرك تلك الآثار فينا موجيدنا الدينية.

وروي عن الشيخ الشعراوي أنه كان أمام ضريح النبي فقبله، فزجره أحد الموجودين هناك قائلًا له إن هذه بدعة يا شيخ، وأجبر الرجل على الاعتذار للشيخ الشعراوي بعد ذلك، فجاء له بعد ذلك مقبلًا رأسه، فقال له لماذا تقبل العمامة؟ فقال له: أنا قبلتها وأنا اقصد تقبيل رأسك، فقال له الشعراوي: وأنا قبلت قبر النبي قاصدًا تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي لقاء تلفزيوني سابق مع الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، وبعض الشباب، طرح عليه سؤالا حول حكم التبرك بالقبور وآثار الصالحين، فنفى فيه تمامًا ان ذلك له أي علاقة بالشرك "لا الناس عبدت الحسين ولا سألت الحسين وإنما تقول له: ادعيلي". مختارًا حكم تلك الحالة ما بين الشرك والمكروه والمبارح، رائيًا أنه أمر مباح قد لا يكون مطلوبًا لكن لا بأس فيه، وأنه يجب أن يقوم حسب معطيات الشريعة. واتخذ من بيت قيس بن الملوح "أمر بالديار ديار ليلى، اقبل ذا الجدار وذا الجدارا، وما حب الديار شغفن قلبي، ولكن حب من سكن الديارا" قائلًا أنه "حال" اعتراه، وليس شركًا منه، فالعربي كان يقبل ناقة حبيبته وطرف ثوبها حبًا لا شركًا.

وفي تصريح سابق تحدث جمعة عن أسفه على تدمير السلم الذي يؤدي إلى غار حراء فلم يعد يصعده أحد، وأُغلق الغار وسد بابه خوفًا من التبرك، لما يربط بعض علماء المسلمين التبرك بالشرك، وقال جمعة: "من ساعة ما علموا الناس قسوة القلب دي وجاء الإرهاب ولم يعد هناك تعظيم للكبير ولا احترام له"، يقول جمعة إن "البلاء" حل من هذه الطريقة في التفكير متسائلًا في استنكار: أي شرك يخشونه من إنسان يتبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم؟

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان