الرحمة المهداة
إن جوهر رسالة الإسلام الرحمة والإنسانية المطلقة التي تشمل وتعم كل المخلوقات، ولذا حين نعود إلى القرآن الكريم نقرأ قوله تعالى في خطابه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وكأن مقصود الرسالة الأعظم هو رحمة الخلق والتلطف بهم في كل شؤونهم.
وليست هذه هي الآية الوحيدة التي تصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرحمة والعفو بل الآيات كثيرة تختلف ألفاظها وتتحد مدلولاتها ومفاهيمها، والمطلع على السيرة يدرك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أرأف الخلق بالخلق وأرحمهم وأكثرهم إنسانية.
فمن رحمته بالأطفال ما كان يستقبلهم به من الحب والمشاركة في ألعابهم وتقبيلهم ومواساتهم فيما يجرح مشاعرهم فقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان إذا دخل في الصلاة فسمع بكاء الصبيّ ، أسرع في أدائها وخفّفها ، فعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي ،فأتجوز في صلاتي ، كراهية أن أشقّ على أمّه)، وكان يتأخر في قيامه من السجود خشية أن يزعج طفلًا يتعلق بظهره، وقد دخل عليه ذات مرة أعرابي وهو يقبل أحفاده فقال متعجبًا: "تقبلون صبيانكم؟! فما نقبلهم!" فرد عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلًا: " أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟".
ومن رحمته بالنساء وعطفه عليهن أن كانت آخر وصاياه لأمته قبيل رحيله "استوصوا بالنساء خيرًا"، وما قصدته امرأة في حاجة لها قط فردها، بل كان يستمع إليهن ويقضي حاجاتهن في حب ورحمة جمة، وكان نصير النساء في مجتمع تغلب عليه القبلية والعنصرية ضد النساء فأعلنها صريحة: "النساء شقائق الرجال".
وشملت رحمته كذلك الأعداء فعفا عن أهل مكة رغم ما كان منهم من قسوة وعنف وظلم تجاهه وتجاه أصحابه، فقال مقررًا مبدأ العفو والرحمة: "اليوم يوم المرحمة" مقابلًا الإساءة بالإحسان والأذية بحسن المعاملة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قيل: يا رسول الله! ادع على المشركين، فقال: "إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة".
ولم تكن هذه الرحمة خاصة ببني الإنسان فقط بل تعدتهم لتشمل الحيوان كذلك دخل النبي صلّى الله عليه وسلم ذات مرة بستاناً لرجل من الأنصار ، فإذا فيه جَمَل ، فلما رأى الجملُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح عليه حتى سكن ، فقال: (لمن هذا الجمل؟) فجاء فتى من الأنصار فقال: (لي يا رسول الله) ، فقال له: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؛ فإنه شكا لي أنك تجيعه وتتعبه)، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أمته الرحمة بالحيوان حتى حال ذبحه فيقول: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته".
إن المسلم الحق هو الذي يستن بآداب وأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرحم الناس كل الناس ويحب لهم ما يحبه لنفسه ويستجيب لخطاب الله تعالى "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا".
* نقلاً عن مرصد الأزهر
فيديو قد يعجبك: