وسطية الإسلام.. بين الإفراط والتفريط
القاهرة- مصراوي:
لقد تميزت الأمة الإسلامية بسمة مميزة، تُعرف بها بين الأمم، وانفردت بخصيصة ذكرها القرآن الكريم في قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.. [البقرة: 143]، هذه السمة المميزة هي "الوسطية" التي تعني اتخاذ المنهج الوسط بين الإفراط والتفريط، والتي تعمل على تحقيق التوازن القائم على التوسط بين طرفين متضادين، والتي تدفع أهلها للالتزام بروح الإسلام وهداه؛ فيقيمون العدل، وينشرون الخير، ويبذلون المعروف، ويحققون عبودية الله تعالى، ويعمرون الأرض، ويراعون حقوق الإنسانية بين بني البشر، ويعطون كل ذي حقٍّ حقَّه، فالوسطية هي الاعتدال في كل أمور الدين والدنيا.
وقد حث الإسلام على التوسط والاعتدال في كل أمور الحياة الدينية والدنيوية؛ فالإسلام وسط بين رعاية حقوق الفرد وحقوق المجتمع، ووسطية الإسلام تسعى إلى تحقيق التوازن في حياة الإنسان الروحية والمادية وفق فطرة الله التي فطر الناس عليها، وتحقيق التوازن فيفهم طبيعة عالم الشهادة وعالم الغيب، والتعامل وفق هذا الفهم المتوازن؛ لأن الإسلام دين يراعي متطلبات الروح والجسد معًا على السواء .
ومعنى الأمة الوسط أنها أفضل الأمم وخيرها وأعدلها وأكملها وأبعدها عن الغلو، فالأمة الإسلامية هي أمة الخيرية التي حملت النور المبين بالقرآن الكريم في آخر رسالات الله تعالى إلى العالم أجمع قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.. [التوبة : 33]،وهي أمةالوسط التي تحمل أكمل منهج وأقومه في العقيدة والشريعة والأخلاق والآداب، والمكارم، وهي المكلفة بدعوة الأمم الأخرى إلى الصراط المستقيم؛ منهج الله الذي يضمن للإنسان الحق والخير والعدل والهداية والرحمة، ويحقق للمجتمع السعادة والطمأنينة والاستقرار؛ وذلك بالأساليب والطرق الحكيمة الرشيدة التي أمر الله تعالى بها في قوله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}.. [النحل : 125].
ومن أبرز ملامح الوسطية: الموازنة بين الثوابت والمتغيرات، والموازنة بين النصوص ومقاصدها، والتيسير في الفتوى، والدعوة إلى التسامح والتعايش مع الآخرين، ودعوة المسلمين بالحكمة، وحوار الآخرين بالحسنى، والتعاون بين المسلمين في المتفق عليه، والتسامح في المختلف فيه، واتخاذ منهج التدرج الحكيم في الدعوة والتعليم والإفتاء والتغيير، والجمع بين العلم والإيمان، وبين الإبداع المادي والسموالروحي، والتركيز على المبادئ والقيم الإنسانية والاجتماعية، كالعدل والشورى والحرية وحقوق الإنسان، والحرص على البناء لا الهدم، وعلى الجمع لا التفريق، وعلى التقارب لا التباعد، والبعد عن الغلو الذي هو مجاوزة الحد في الاعتقاد والقول والفعل، فقد نهى الإسلام عن التشدد والغلو في الدين؛ لما في ذلك من مشقة على النفس وإضرار بها، وتضييق على الناس في معايشهم وتصرفاتهم، وخروج عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا"، وقال: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين"، فالإسلام دين وسط واسع الأفق قابل لكل تجديد في سبيل الرقي والتقدم والبناء ويرفض الجمود والتعصب والتشدد والتطرف والعنف والهدم.
* (نقلاً عن مرصد الأزهر)
فيديو قد يعجبك: