كيف يتحقق الشكر الحقيقي للنعمة؟
كتبت - سارة عبد الخالق:
نعم الله على عباده كثيرة لا تعد ولا تحصى.. فالإنسان غارق في نعم الله عليه، ولكنه لا يشعر بذلك إلا إذا فقدها أو حرم منها.. ولعل من الأمور التي يغفل عنها البعض وسط زخم الحياة وانشغالهم .. (شكر النعمة)..
وقد أمرنا الله تعالى بشكر النعمة، وذكر في الكثير من آياته الكريمة، يقول الله تعالى في سورة إبراهيم (آية: 7): {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ }، وفي سورة النحل (آية: 114): {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
وقد حثنا رسول الله – صلوات الله عليه – على شكر النعمة، وكان هو النموذج والقدوة الصالحة في شكر النعمة على الرغم من غفران ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ففي الحديث الشريف عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: (الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر) – سنن الترمذي، وعن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – قام النبي – صلى الله عليه وسلم - حتى تورمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: (أفلا أكون عبدا شكورا) - صحيح البخاري.
* كيف يتحقق شكر النعمة؟
فشكر النعمة لا يكون باللسان فقط ولكن بالفعل أيضا، وهذا ما تحدث عنه أبو حامد الغزالي في كتابه (الصبر والشكر من "الإحياء") ما نصه: "اعلم أنه لم يقصر بالخلق عن شكر النعمة إلا الجهل والغفلة عن معرفة النعم، ولا يتصور شكر النعمة إلا بعد معرفتها، ثم إنهم إن عرفوا نعمة ظنوا أن الشكر عليها أن يقول بلسانه: الحمد لله، الشكر لله، ولم يعرفوا أن معنى الشكر أن يستعمل النعمة في إتمام الحكمة التي أريدت بها، وهي طاعة الله عز وجل، فلا يمنع من الكر بعد حصول هاتين المعرفتين إلا غلبة الشهوة واستيلاء الشيطان).
ويؤكد على ذلك أيضا الدكتور محمد راتب النابلسي في سؤال سابق ورد إليه بعنوان (كيف يتحقق شكر النعمة؟) حيث قال: "أن أحد أنواع شكر النعمة هو أن يمتلأ القلب امتنانا من الله، فالله أنعم عليك بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد والهدى والرشاد، فهذا الشكر هو الشكر القلبي، لكن الشكر الحقيقي أن ترد على جميل الله بمنحك نعمة الإيجاد والهدى والرشاد بخدمة العباد، بالإخلاص لهم، بإطعام الفقراء، ومد يد العون للمحتاجين، مشيرا إلى قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ...} (سبأ – آية 13)، مضيفا أن علة وجدنا في الحياة الدنيا العمل الصالح: { قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ....} (سورة المؤمنون)، فهذه الآية أقوى دليل على أن وجدنا في الحياة هو العمل الصالح ، يقول الله تعالى أيضا : {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۖ....}.
* نعم الله لا تعد ولا تحصى
وأوضح الدكتور النابلسي أن "الله تعالى أنعم عليك بنعم لا تعد ولا تحصى، يقول الله تعالى: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ ....} .. (النحل : 18)"، مضيفا أن "معنى ذلك أن بركات النعمة الواحدة لا يمكن أن تحصى، فالعبد محاط بالنعم"، ضاربا عدة أمثلة لنعم الله على عباده منها: ما في جسم الإنسان "خلق لك عينين، فإذا كانت عينا واحدة ترى الطول والعرض فقط ولا ترى البعد، وخلق لك أذنين فإذا كانت أذنا واحدة، فلا تعرف جهة الصوت، وأعطاك هذا الشعر، ففي كل شعرة وريد وشريان وعصب إلى آخره، فإذا أعطاك عصبا حسيا في الشعر، لكنت تحتاج كل أسبوعين لعمل جراحة في المستشفى بتخدير كامل .. فقط من أجل حلق شعرك، فلو دققت النظر في جسمك لو جدت العجب العجاب، فأنت غارق في النعم" .
وأشار إلى أن "الله خلق لك مأوى.. زوجة وأولاد وطعام وشراب وفواكه وخضراوات وأسماك.. وغيرها، فلو تحدثنا سنوات لا تنقضي نعم الله، فلذلك عندما يقدر المؤمن هذه النعم ويعرفها.. تدوم، فإذا كفر بالنعمة وكفر بالمنعم ولم يعبأ بالنعمة ومارس شهواته من خلال هذه النعم، لابد أن تتغير الأمور، مشيرا إلى الآية الكريمة يقول الله تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ.....}، موضحا أن كل شيء يصيبك أنت السبب، وأقوى دليل على ذلك حديث قدسي في الصحاح: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).
وأضاف: "فالله تعالى أنعم عليك بنعم الإيجاد والإمداد ونعم الهدى والرشاد، فموقفك من هذه النعم لم تعبأ بها لم تشكرها، بل استخدمتها في معصية الله توقع يقينا أن الله سيؤدبك".
فيديو قد يعجبك: