لماذا أجازت السنُة المطهرة التفرغ للعلم ولم تجيز التفرغ للعبادة؟
كتب - محمد قادوس:
يعد العلم السمة التي تتفاخر بها الأمم، وتسعى للوصول إلى أعلى المراتب فيه، لما له من أهمية كبيرة وأثر عظيم يعود على الفرد والمجتمع، لذلك جعله الإسلام المركز الأساسي لبنائه الشامخ، حيث إنه قام عليه، ورفض كل الأوهام والضلالات التي هي نقيض له، ولا بد من الإشارة إلى أن الله عز وجل خلق الإنسان وزوده بأدوات العلم والمعرفة وهي العقل، وسمع، والبصر.
وقد يعتبر العلم منهاجاً ثابتاً في دستور القرآن الكريم الخالد حيث لا تكاد سورة من سور القرآن الكريم تخلو من الحديث عن العلم؛ سواء أكان ذلك بطريقة مباشرة أم غير مباشرة فقد بلغت عدد المرات التي جاءت فيها كلمة العلم بمشتقاتها المختلفة في القرآن الكريم 779 مرة، أي بمعدل سبع مرات في كل سورة، وهناك كلمات أخرى وردت في القرآن الكريم تشير إلى معنى العلم، حيث إنها لم تذكر بلفظه.
وأن طلب العلم فرض عين، يكون طلب العلم فرضَ عينٍ على جميع المكلفين، فيجب على كل مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ أن يسعى إلى تحصيل تلك العلوم والإلمام بها، فإن قصَّر في ذلك أُثِم شرعاً، ويصدق ذلك بحق العلوم التي يجب على كل مسلم معرفتها، كعلوم الشريعة التي تتعلق بأحكام العبادات كالصلوات والزكاة والحج والطهارة وأحكام الصيام وما يتعلق بالبيع والشراء، فهذا النوع من العلوم لا تستقيم عبادة المسلم لربه دون معرفته به.
وقد أعلى الإسلام من شأن العمل من العبادة بأن جعله أهم عبادة من العبادات التي تقرب العبد لربه في حال اقترن العمل بالنية الخالصة لله تعالى، بحيث أنه خلق الانسان لأعمار الأرض وتحقيق أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه فإن الله تعالى سيجزيه الخير وينفعه بما يعمل بالدنيا والآخرة، وهذا يعتبر محفزاً قوياً للإنسان على الجد والعمل بالشكل المتقن، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.. [النحل : 97].
فضل العلم ومكانته:
فالعلم تسهل سبل الوصول إلى لجنة، وبه يجتاز العبد الصراط إليها، لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشريف: (من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا سلك اللهُ به طريقًا من طرق الجنة). [صحيح].
وفي العلم معرفةٌ للحق والباطل، وسلوك السبل الموصلة للحق، والحذر من الباطل وسبله.
وبه تحقيق الخشية من الله، حيث يقول سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.. [فاطر : 28]، فالعلماء هم أكثر الناس خشية لله تعالى، حيث يتعرفون من خلال علمهم على قدرة الله المبثوثة في الكون، ويكتشفون بعض الأسرار والقوانين المنظمة للكون، والتي تحدثت عنها بعض نصوص القرآن الكريم والسنه النبوية.
العبادة:
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الناس من أجل تحقيق غاية عظيمة ومهمة جليلة وهي عبادة الله تعالى في الأرض، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.. [الذاريات : 56]، فالناس لم يخلقوا عبثاً، ولم يتركوا سدى وحاشا لله تعالى من ذلك وإنما كان خلقهم لتحقيق الاستخلاف الشرعي في الأرض بكل ما يتضمنه من مظاهر عبودية وخضوع للواحد الأحد الفرد الصمد.
وقد خلق الله تعالى الجن والإنس لعبادته؛ لأنه مستحق لهذه العبادة وليس لأنه في حاجة العبادة من مخلوقاته؛ فالله الغني عنا ونحن الفقراء إليه؛ فالعبادة التي يحصد نتائجها ويقطف ثمارها هو العابد وليس المعبود.
فيديو قد يعجبك: