بعد رمضان .. لا تكونوا كالتي نقضت غزلها
بقلم – هاني ضوَّه :
مضى شهر رمضان المبارك منذ أيام قلائل، ومضت معه همة البعض وطاعاتهم ليعودوا مرة أخرى إلى حياة المعاصي واللهو، لينقضوا ما بنوه من تقوى وصلاح في هذا الشهر الكريم ويخسروا ما جنوه من ثمرات ومغفرة، فأصبحوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة، يقول تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثا}.
وقد ذكرت الآية الكريمة قصة "ريطة بنت عمرو" المرأة الحمقاء بمكَّة، التي كانت تغزل الصوف طوال النهار بقوة وعزم حتى إذا انتهت منه وجاء أخر النهار نقضته مرة أخرى، فحذرنا الله سبحانه وتعالى من أن نتشبه بصنيع هذه المرأة، وذلك بإفساد أعمالنا الصالحة بأعمال سيئة تنقضها، وتذهب بركتها، وهكذا هم الذين يفعلون الخيرات والطاعات طوال شهر رمضان ثم إذا انتهي رمضان عادوا إلى سيرتهم الأولى من الفسوق والعصيان.
البعض منا يتقون الله في شعبان فقط فهؤلاء يسمون "شعبانيين"، والبعض منا يتقون الله في رمضان فقط، وهؤلاء يسمون "رمضانيين"، أما العابدين المخلصين فمطلوب منهم أن يكونوا ربانيين يتقون الله طوال حيتهم وفي كل وقت وحين، لأنهم لا يعبدون شعبان ورمضان، ولكنهم يعبدون رب شعبان ورمضان رب كل شئ سبحانه وتعالى لا يشركون به شيئًا.
فمن ذاق حلاوة الإيمان والطاعة في رمضان وأخلص لله يجد ثمرة ذلك استمرارًا في الطاعة بعد رمضان، أما من يبيع لذة الطاعة بشهوات الدنيا فقد فعل مثلما فعل بلعم بن باعوراء، وهو رجل من بني إسرائيل، ذاق حلاوة الإيمان وآتاه الله آياته، ثم انقلب على عقبيه واشترى الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، وانسلخ من آيات الله كما تنسلخ الحية من جلدها.
قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.. [الأعراف : 175 - 176].
وهذا التحذير القرآني ينطبق على من ذاق حلاوة طاعة الله تعالى في رمضان، فحافظ فيه على الواجبات وترك فيه المحرمات، حتى إذا انقضى الشهر المبارك انسلخ من آيات الله وأصبح صاحباً ورفيقاً للشيطان يغويه ويقوده إلى سبيل الضلال.
فاحذروا أن تنقضوا غزلكم من بعد قوة، واحذروا أم تنسخلوا من آيات الله فتعودوا إلى المعاصي واللهو، واثبتوا على طاعة الله، حتى تكونوا كمن قال الله فيهم: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}.
فيديو قد يعجبك: