قتلة باسم الشريعة الإسلامية
بقلم - هاني ضوَّه :
نائب مستشار مفتي الجمهورية
لم يكد يمر يوم إلا ونفجع بمشاهد الحوادث الإرهابية الأليمة، والتي لم تنج منها دولة عربية كانت أو أوروبية، فمن مصر إلى لبنان ثم إلى فرنسا كانت رائحة الموت تملأ الأرجاء، بعد قيام مجموعة ممن تجردوا من أدنى صفات وقيم الإنسانية- فضلًا عن تجردهم من مبادئ الشريعة الإسلامية التي يدعون زورًا القتل باسمها- بعمليات إجرامية في حق مواطنين عزل.
فلو كان هؤلاء القتلة المجرمون أمثال "داعش" وغيرها من الجماعات المتطرفة الضالة يفقهون الإسلام ما قاموا بتلك الفظائع من قتل للأنفس وترويع للآمنين حتى ولو كانوا غير مسلمين، وتشويه لصورة الإسلام في الشرق والغرب.
لو فقه هؤلاء لعلموا أن الإسلام جعل بر غير المسلمين من الدين إن كانوا غير محاربين، فقال تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، بل حتى في حال الحرب، جاءت الأوامر النبوية الشريفة إلى الصحابة الكرام فوضعت ضوابط لتعامل المسلمين مع غير المسلمين فكانت الأوامر النبوية الصارمة: "لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلاً صغيرًا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين"، وجاء الخلفاء الراشدون من بعده صلى الله عليه وسلم ليؤكدوا على تلك القواعد النبوية، فعندما أرسل سيدنا أبو بكر جيشه إلى الشام قال لقادته: "لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدورا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة ولا تقطعوا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة وسوف تمرون على قوم فرَّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرَّغوا أنفسهم له".
لقد غفلت داعش ومثيلاتها عن أخلاق الإسلام، ولم يروا إلا مصالحهم السياسية وأطماعهم في الحكم أو ما يسمونه بـ "الخلافة"، فكما قال العلامة عبدالله بن بيه: إن ما تعيشه الأمة اليوم من فتن مرده إلى التباس مفاهيم شرعية لا غبار عليها في أذهان شريحة واسعة من المجتمعات المسلمة، كتطبيق الشريعة ودولة الخلافة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وطاعة أولي الأمر، وهي مفاهيم كانت في الأصل سياجاً على السلم، وأدوات للحفاظ على الحياة ومظهراً من مظاهر الرحمة الربانية التي جاء بها الإسلام على لسان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلما فهمت على غير حقيقتها، وتشكلت في الأذهان بتصور يختلف عن أصل معناها وصورتها، انقلبت إلى ممارسات ضد مقصدها الأصلي، وهدفها وغايتها، فتحولت الرحمة إلى عذاب للأمة، اكتوى به المذنب والبريء، واستوى في إشاعته العالم والجاهل.
وبذلك أصبحت أفعال داعش الإرهابية تصب في مصلحة تشويه الإسلام، وتنفير الناس منه، وجلبت الويلات للمسلمين المقيمين في الغرب، والذين أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الغربي، فأصبحوا بتطرفهم سدًّا يمنع انتشار الإسلام وأخلاقه.
وهذه الجماعات المتطرفة الإرهابية وعلى رأسها داعش قد ضربت بصريح آيات الله عز وجل عرض الحائط، فجعلوا الكفر السبب الوحيد في قتال غير المسلمين، مع أن الله سبحانه وتعالى إنما جعل قتال غير المسلمين دفاعًا عن النفس أو لرد العدوان، يقول تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}، ويقول كذلك: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا}، والآيتان قطعيتا الدلالة على حرمة قتال غير المسلمين العُزَّل غير المحاربين، فليس الغرض من الجهاد إبادة أهل الكفر وتدميرهم، أو إِدخالهم في الإسلام كرهًا لأن الأمر محسوم: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
كما حذر سيدنا محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم من كل هذا، فقال: "أخوف ما أخاف عليكم: رجلٌ قرأ القرآن حتى اذا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عليه وكان رِدْءاً للإسلام، انْسَلَخَ منه ونَبَذَهُ وراءَ ظهرهِ، وسعى على جاره بالسَّيف ورماه بالشرك، قلت: يا نبـيَّ الله! أيُّهما أولى بالشرك، الرامي أو المرميُّ؟ قال: بل الرامي".
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن كاتبه ولا تعبر بالضرورة عن موقع مصراوي.
للتواصل مع الكاتب:
hani_dawah@hotmail.com
موضوعات متعلقة:
- ما حكم الدين فى العمليات التفجيرية ضد المدنيين؟
- تفسير أية الدية في القتل -الشيخ محمد متولي الشعراوي
أخبار متعلقة:
- مرصد الإفتاء: الوجود الإسلامي في أوربا يتعرض لتحديات خطيرة
- حكماء المسلمين يدين هجمات باريس ويؤكد: مرتكبوها تجردوا من كل المعاني
- الطيب في مداخلة مع قناة سكاي نيوز: أرفض أن تحاكم الأديان بجرائم لم ترتكبها
فيديو قد يعجبك: