من معجزات النبي في رحلة الهجرة
بقلم – هاني ضوَّه :
(وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)، وفي رحلة الهجرة النبوية الشريفة تسارعت جنود الله لتأييد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه في تلك الرحلة المباركة، وهو ما ينبهنا إلى أن التوكل على الله بعد الأخذ بالأسباب سببًا في تأييد الله لعباده المخلصين.
وفي طريق الهجرة أيد الله سبحانه وتعالى نبيه بمعجزات عده تثبيتًا له صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله حتى قال لصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه (لا تحزن إن الله معنا).
ومن بين تلك المعجزات خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسط الكفار ليبدأ رحلة الهجرة دون أن يروه، فلما بدأت دعوة الإسلام في الانتشار وازداد عدد المؤمنين اجتمعت قبائل مكة ليضعوا حدًا لهذا الدين الجديد، واتفقوا على أن يأخذوا من كل قبيله شاب وينتظروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلًا حتى يقتلوه ويضربوه بالسيف ضربة رجل واحد فيتفرق دمه –بأبي هو وأمي- بين القبائل.
ووافق هذا اليوم يوم الهجرة، فلما كانت عتمة من الليل أي الثلث الأول اجتمعوا على باب النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله يرصدونه حتى ينام فيضربوه بالسيوف، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكانهم وعلم ما يكون منهم قال لعلي بن أبي طالب: نم على فراشي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام.
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واخترق صفوفهم وأخذ حفنة من تراب فجعل يذره على رؤوسهم وقد أخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه وهو تلو هذه الآيات: (يس والقرآن الحكيم، إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم) إلى قوله: (وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون) ولم يبق منهم رجل إلا وضع على رأسه تراباً.
ومضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت أبي بكر فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلاً حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمن، فأتاهم آت لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون ههنا؟ قالوا: محمداً فقال: خبتم وخسرتم والله قد خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وقد وضع على رأسه تراباً.
معجزة في غار ثور :
وفي غار "ثور" كانت المعجزة الثانية، فبعد أن خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع صاحبه أبي بكر الصديق في طريق الهجرة ذهبا إلى غار "ثور" يختبئون فيه بعد أن خرج الكفار ورائهما يطلبونهما ويتفقدا أثرهما.
ولما دخلا الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه الغار فسترته بفروعها، وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بين فروعها نسجاً متراكماً بعضه على بعض، وأمر الله حمامتين فوقفتا وباضتا على مدخل الغار.
وعندما وصل المشركون إلى غار ثور حيث انتهى أثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه، فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: "لو دخل هاهنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه
وازداد القريشيون اقتناعا بأن الغار ليس فيه أحد، عندما رأوا شجرة تدلى أحد فروعها على فوهة الغار، ولا سبيل للدخول فيه الا بازالة تلك الفروع فضلا عن ازالة نسيج العنكبوت. وكل ذلك كان معجزة من المعجزات.
شاة أم معبد
يقال إن حادثة شاة أم معبد من أعظم المعجزات التي وقعت في الهجرة، فحدث أن مر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في طريقه الى المدينة هو وصاحبه على أم معبد الخزعية، فسألوا تمرًا ولحمًا ليشتروه، فلم يكن عندها شيء من ذلك، فارادوا الاستضافة: فقالت ما عندنا طعام وشراب، إلا شاة هزيلة خلفها الجهد عن الغنم.
فقال-عليه الصلاة والسلام وعلى آله:” هل بها من لبن؟” قالت: هي أجهد من ذلك وجف ضرعها. قال:” أتأذنين في أن أحلبها ؟”، قالت: نعم إن رأيت بها حلبا فاحلبها.
ودعا الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- الله ومسح ضرعها وقال:” اللهم بارك في شاتها فتفاجت ودرت لبنًت، فدعا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- بإناء لها فحلب فيه حتى امتلأ، فسقاها فشربت حتى رويت، ثم سقى صاحبه حتى ارتوا، ثم شرب الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم وقال:” ساقي القوم آخرهم شربا “ فشربوا جميعا، ثم انطلقوا.
قصة سُراقة بن مالك :
ارتحل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه بعد ما مالت الشمس وكانت قريش قد رصدت مئتي ناقة لمن يقبض عليهما، فطمع سراقة ابن مالك في المكافئة وخرج في أثر النبي وصاحبه حتى أدركهما، وأوشك أن يقبض عليهما، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: :"اللهم أكفنيه بما شئت .. اللهم اصرعه عنا".
وما أن انتهى النبي من دعائه حتى غاصت قدما فرس سراقة في الصخر، فقال سراقة: إني أراكما قد دعوتما عليَّ، فادعوَا لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب واضلل الناس عنكم، فعفا عنه النبي ووعده بسواري كسرى مكافئة له عند فتح فارس.
ولما عاد سراقة قال له أبو جهل: إنه بلغنى أنك كذاب، وجدتهم وتركتهم. قال سُراقة: ياأبا الحكم:
لو كنت شاهداً لأمر جوادى .. إذ تسيخ قوائمه
لعلمتُ ولم تشك بأن محمداً .. رسول من الله فمن يقاومه
ومرت الأيام وأسلم سراقة بعد فتح مكّة وحنين، وفتحت بلاد فارس وجاءت الغنائم في عهد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ، فأعطاه عمر سواري كسرى تنفيذًا لوعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم.
فيديو قد يعجبك: