زواج المتعة .. متى بدأ وكيف انتهى؟
بقلم – هاني ضوَّه :
نائب مستشار مفتي الجمهورية
موجة جديدة من الجدل بدأت الأيام الماضية بسبب زواج المتعة، وذلك يعد تصريحات فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف التي أكد فيها أن الأزهر والأهل السنة جميعهم يرفضون الفتاوى التي تقول بإباحة زواج المتعة، داعيًا مَن يفتي بذلك أن يتقي الله في دينه وفي بنات المسلمين.
تصريحات فضيلة شيخ الأزهر
وعندما تكلم فضيلة شيخ الأزهر عن زواج المتعة فصل فيه تفصيًا مبينًا أسباب تحريمه عند أهل السنة، فقال في حديثه بالفضائية المصرية: "إن علماء أهل السنة يشترطون في ركن «الصيغة» مِن بين ما يشترطون: أن تكون مؤبدة، فإذ اقترنت الصيغة بما يدل على أن الزواج مؤقت أو محدد بفترة معينة فالعقد باطل، والمؤقت على قسمين: ما ذكر فيه لفظ يدل على التزويج كأن يقول لها: تزوجتك على ثلاثة أشهر أو ستة ويكون ذلك أمام شاهدين فتقبل، أو يكون بلفظ المتعة سواء قدرت فيها مدة أو لا، حضره شهود أو لا، كأن يقول: أتمتع بك مدة كذا فتقبل، وهذا هو زواج المتعة، والعقد باطل بإجماع أهل السنة في الحالتين".
وأوضح فضيلة الإمام الطيب أن الشيعة الإمامية خالفوا أهل السنة، وأباحوا نكاح المتعة والزواج المؤقت، وقد ذهبوا مذهبهم هذا اتباعًا لروايات عندهم وفهم خاص بهم لبعض نصوص القرآن، لكن علماء السنة فندوا كلامهم ونقضوه.
وقال فضيلة شيخ الأزهر: "إذا أردتم أن تبرروا لمذهبكم مذهبكم فابتعدوا عن القرآن؛ لأن القرآن ليس لكم فيه كلمة واحدة، تدل على أن هذا الزواج مباح، وبالتالي فإن الزواج المؤقت ونكاح المتعة عقدان باطلان عند أهل السنة، لأن حكمة الزواج التي ذكرها القرآن هي السكن والمودة والرحمة، والزواج المؤقت ينتهي بانتهاء المدة فأين السكن فيه؟!، ولذلك يقول الشيخ شلتوت عن زواج المتعة: إن الشريعة التي تبيح للمرأة أن تتزوج في السنة الواحدة أحد عشر رجلًا وتبيح للرجل أن يتزوج كل يوم ما تمكن من النساء دون تحميله شيئا من تبعات الزواج إن شريعة تبيح هذا لا يمكن أن تكون هي شريعة الله رب العالمين ولا شريعة الإحصان والإعفاف»، مؤكدًا أن الأفاضل من علماء الشيعة الإمامية رغم قولهم بنكاح المتعة إلا أنهم لا يرضونه لبناتهم، لأنه يزري بهم.
وأوضح الإمام الأكبر أن الفتاوى الشاذة- من بعض دعاة الفضائيات- التي تبيح نكاح المتعة بأي شكل من الأشكال فيها خيانة لأهل السنة والجماعة الذين أجمعوا على حرمته، فمثلا عند قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ} لا يخلو تفسير واحد من تفاسير القرآن الكريم دون أن يفسر ويبين أن نكاح المتعة أو ما يسمى زواج المتعة حرام عند أهل السنة بالإجماع، وهذا ما عليه الفقهاء المُحدَثون من أساتذة الشريعة وعلمائها الأمناء على دينهم من أمثال الشيوخ العلماء الكبار المتضلعين من الفقه والأصول والتفسير والحديث كالشيخ شلتوت والشيخ أبوزهرة والشيخ على حسب الله والأستاذ زكريا البري، وكل أساتذة الشريعة في كليات الحقوق وكليات الشريعة والقانون بالأزهر ممن يعتد بآرائهم، وهم مجمعون على فساد الزواج المؤقت، أو نكاح المتعة وهو حرام، وهذا ما قرره جمهور المسلمين من أيام النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى وقتنا هذا.
وختم فضيلة شيخ الأزهر حديثه بأن معالجة مشكلة العنوسة ومشكلة الشباب غير القادر على الزواج ليس بأن نفتيهم بنكاح المتعة، فهذا يعد خيانة لفقه أهل السنة وخيانة للعلم، محذرًا من اتباع الفتاوى الشاذة التي تبيح هذا النوع من النكاح، مؤكدًا أن الأزهر يقول إن زواج المتعة حرام وأنه قرين البغاء.
رسالة من مرجع شيعي إلى شيخ الأزهر:
وبدأ الجدال بعد أن دافع أحد المراجع الشيعية وهو ناصر مکارم الشیرازي عن "زواج المتعة" قائلاً في رسالة مطولة وجهها إلى شيخ الأزهر إنه جائز، مؤكدًا أن زواج المتعة لیس لقضاء الشهوة بل هناك حاجة عاطفیة ملحة أیضاً لعلها لا تقل أهمیة من إطفاء نار الشهوة! – بحسب قوله-.
واعتبر الشیرازي في رسالته لشيخ الأزهر أن زواج المتعة هو نفس الزواج الدائم إلا أنه قد استثني منه بعض الشروط، وهذا لیس أمراً مستغرباً- على حد تعبيره-.
وأشار المرجع الشيعي إلى أن نکاح المتعة لم یکن وسیلة لاستغلال المستهترین والشاذین جنسیاً، مضيفاً أنه لا یجوز الا من دفعته الضرورة لیلجأ إلی هذا النکاح کما لو کان الإنسان بعیداً عن أهله وخشي أن یقع في الفجور لو لم یستعن بذلك علی نفسه أو کان أعزباً ولم یتمکن من الزواج الدائم مع حاجته الملحة جنسیاً.
كيف بدأ زواج المتعة وكيف انتهى:
كان زواج المتعة متبعًا في الجاهلية بشكل مألوف، ولما جاء الإسلام وانتشر تدرج في إلغائه كعادته في فطام النفس الإنسانية عما ألفته واعتادته من أمور كتدرجه في تحريم الخمر، فكان زواج المتعة جائزًا في بداية الدعوة للضرورة وفي نطاق ضيق يصل إلى حد الضرورة، وذلك أثناء سفر الرجال في الغزوات الطويلة، وعدم صبرهم عن النساء فأباح لهم المتعة في هذا الظرف الطارئ.
ثم أعلن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الكلمة الأخيرة فيه فحرمه في كل الأحوال تحريمًا قاطعًا ونهائيًا، وكان سيدنا عبد الله بن عبَّاس يجيزه في حالات الضرورة، فلما رأى أن الناس أساءوا تطبيق فتواه تابع بقية الصحابة على تحريمه في كل الأحوال، فأصبح زواج المتعة حرامًا إلى الأبد.
والمعتمد في دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف وعند علماء أهل السنة أن زواج المتعة حرامٌ شرعًا؛ لما ثبت من نسخه وتحريمه تحريمًا مؤبدًّا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ، أَلَا وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رواه ابن ماجه.
وجاء نهى الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله لزواج المتعة أكثر من مرة بلغت (6) مرات في ست مناسبات مختلفة ليؤكد النسخ والإلغاء، وكان ذلك في مواقع ستة: أحدها في غزوة خيبر، والثانية في غزوة تبوك، والثالثة يوم فتح مكة، والرابعة بعد ذلك في عام الفتح، والخامسة في عمرة القضاء، والسادسة في حجة الوداع.
وأعلن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريمه عام الفتح؛ أي: في آخر أيامه صلى الله عليه وآله وسلم بشكل قاطع وواضح لا جدال فيه، فعن سبرة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائماً بين الركن والباب وهو يقول: "يا أيها الناس، إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة؛ فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً". رواه الإمام مسلم في صحيحه.
فيديو قد يعجبك: