الزوج الاتكالي .. صداع في رأس الزوجة!
الزوج في الحياة الأسرية هو محور ثباتها ومركز فلكها وقدوة أفرادها، ولذلك أسند الله تعالى مهمة القوامة إليه، فقال جل شأنه: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}.. [البقرة:228] والدرجة ما يرتقى عليه في سلم أو نحوه، وصيغت بوزن فعلة من درج إذا انتقل على بطء ومهل، يقال: درج الصبي، إذا ابتدأ في المشي، وهي هنا استعارة للرفعة المكنَّى بها عن الزيادة في الفضيلة الحقوقية، وذلك أنه تقرر تشبيه المزية في الفضل بالعلو والارتفاع، فتبع ذلك تشبيه الأفضلية بزيادة الدرجات في سير الصاعد، لأن بزيادتها زيادة الارتفاع، ويسمون الدرجة إذا نزل منها النازل: «دركة» لأنه يدرك بها المكان النازل إليه.. [التحرير والتنوير:2/401] والمعنى: أي وللرجال على النساء منزلة زائدة من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف والقِوامة على البيت وملك الطلاق.. [التفسير الميسر]
وقال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.. [النساء:34] وقوّام: صفة مبالغة، وهو الذي يقوم بالأمر ويحفظه، مشتقّة من القيام المجازي الذي هو مجاز مرسل أو استعارة تمثيلية، لأنّ شأن الذي يهتمّ بالأمر ويعتني به أن يقف ليدير أمره، فأطلق على الاهتمام القيامُ بعلاقة اللزوم، يقال: هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها، وفي الحديث: «أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن» ، والباء في بما للسبب، وما مصدرية أي: بتفضيل الله.
وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي، ولذلك قال: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} فجيء بصيغة الماضي للإيماء إلى أنّ ذلك أمر قد تقرّر في المجتمعات الإنسانية منذ القدم، فالرجال هم العائلون لنساء العائلة من أزواج وبنات. وأضيفت الأموال إلى ضمير الرجال لأنّ الاكتساب من شأن الرجال، فقد كان في عصور البداوة بالصيد وبالغارة وبالغنائم والحرث، وذلك من عمل الرجال، وزاد اكتساب الرجال في عصور الحضارة بالغرس والتجارة والإجارَة والأبنية، ونحو ذلك، وهذه حجّة خطابية لأنّها ترجع إلى مصطلَح غالب البشر، لاسيما العرب. ويَنْدُر أن تتولّى النساء مساعي من الاكتساب، لكن ذلك نادر بالنسبة إلى عمل الرجل مثل استئجار الظئر نفسَها وتنمية المرأة مالاً ورثتْه من قرابتها.. [تفسير البحر المحيط:3/193 وغيره].
قال القرطبي: فهم الجمهور من قوله تعالى: {وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواماً عليها، وإذا لم يكن قواماً عليها كان لها فسخ العقد لزوال المعقود الذي شرع لأجله النكاح. وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة، وهو مذهب مالك والشافعي.. [الجامع لأحكام القرآن:5/169].
وقال الشنقيطي: وإذا علمت ذلك فاعلم: أنه لما كانت الحكمة البالغة، تقتضي أن يكون الضعيف الناقص مقوماً عليه من قبل القوي الكامل، اقتضى ذلك أن يكون الرجل ملزماً بالإنفاق على نسائه، والقيام بجميع لوازِمهن في الحياة. كما قال تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.
إن هذا النص - في سبيل تنظيم المؤسسة الزوجية وتوضيح الاختصاصات التنظيمية فيها لمنع الاحتكاك فيها بين أفرادها، بردهم جميعاً إلى حكم الله لا حكم الهوى والانفعالات والشخصيات- يحدد أن القوامة في هذه المؤسسة للرجل؛ ويذكر من أسباب هذه القوامة: تفضيل الله للرجل بمقومات القوامة، وما تتطلبه من خصائص ودربة، وتكليف الرجل الإنفاق على المؤسسة. وبناء على إعطاء القوامة للرجل، يحدد كذلك اختصاصات هذه القوامة في صيانة المؤسسة من التفسخ؛ وحمايتها من النزوات العارضة؛ وطريقة علاج هذه النزوات -حين تعرض- في حدود مرسومة [في ظلال القرآن:2/117]
موضوعات متعلقة:
- ذهبيات السعادة الزوجية وطرق الوصول لها
فيديو قد يعجبك:
اعلان
باقى المحتوى
باقى المحتوى
إعلان