أفضل الإيمان: الصَّبر والسَّماحة
روى أبو يعلى في "مسنده"، وابنُ أبي شيبة في "مصنَّفه" عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - سُئِل: أيُّ الإيمان أفضل؟ قال: «الصَّبر والسَّماحة». وهو حديثٌ حسنٌ ثابتٌ عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بما له من شواهد.
وقد يقول قائل: لما كان الصَّبر والسَّماحة بهذه المنزلة العليَّة من الإيمان وبهذه المكانة الرَّفيعة من الدِّين؟
والجواب: أنَّ الصَّبر والسَّماحة خُلُقَان في النَّفس يَحتاج إليهما العبد في مقامَات الدِّين كلِّها وفي جميع مصالحه وأعماله، فلَا غنى له في شيءٍ من ذلك عن الصَّبر والسَّماحة، ولهـذا فإنَّ هذين الخُلُقين الفَاضلين يُحتاج إليهما في جميع مقامَات الدِّين.
ولهذا يقول العلَّامة ابنُ القيِّم - رحمه الله تعالى - في "مدارج السالكين" - وقد أورد هذا الحديث، مُبيِّنًا مكانة هـذا الحديث العظيمة ومبيِّنًا أيضًا مدلوله ومعناه -: "وهذا من أجمع الكَلام وأعظمه بُرهانًا وأوعبه لمقامات الإيمان من أوّلها إلى آخرها؛ فإنَّ النَّفس يُراد منها شيئان:
* بذْل ما أُمِرت به وإعطاؤه، فالحامل عليه السَّماحة.
* وترك ما نُهيت عنه والبُعد منه فالحامل عليه الصَّبر". انتهى كلامه رحمه الله.
وقد سُئل الحسن البصري - رحمه الله تعالى - وهو أحد روَّاة هذا الحديث قيل له: ما الصَّبر وما السَّماحة؟ قال: "الصبر عن معصية الله، والسماحة بأداء فرائض الله - عز وجل -"؛ رواه أبو نعيم في "الحلية".
وإذا تأمَّلت في هذا الحديث العظيم وفي دلالته العَظيمة تجد أنَّه حديثٌ جامع للدِّين كلِّه؛ لأنَّ المؤمن مأمور بأفعال وطَاعات وعبادات متنوِّعات، وهذه كلُّها تحتاج إلى سماحة نفس.
والسَّماحة في أصل مدلولها: السُّهولة واليُسر والسَّلاسة.
فمن كانت نفسه سلسلةً سهلةً سمحةً انقاد للأوامر وامتثل الطَّاعات ولم يتلكَّأ ويمتنع.
ومأمور أيضاً بالانكفاف عن المعاصي، والبُعْد عن المناهي، وتجنُّب المحرَّمات، وهذا يَحتاج إلى صبر.
الصبر:
حبس النَّفس ومنعها، فإذا كان لا صبر عنده فإنَّ نفسه تنفلت ولا يتمكَّن من الامتناع عمَّا نهاه اللهُ عنه.
وبهذا يُعلم أنَّ من لا صبر عنده لا يستطيع أن يقاوم، ومن لا سماحة لديه لا يستطيع أن يقوم.
نعم من لا صبر عنده لا يستطيع أن يُقاوِم النَّفس من رعونتها عند حلول البلاء، ولا يستطيع أن يقاوم النَّفس من انفلاتها عند دواعي الشَّهوات والأهواء.
ومن كان لا سماحة لديه لا يستطيع أن يقوم؛ لأنّ نفسه غير السمحة لا تنهض للقيام بالأوامر والاستجابة لداعي الطَّاعات، فإذا دُعيت نفسه إلى طاعة شحَّت، وإذا أُمرت بفضيلة تأبَّت، وبهذا يكون من المحرُومين.
فمن لا صبر عنده ولا سماحة لا يتأتى له النُّهوض بمصالحه والقيام بأعماله والامتناع عمَّا ينبغي عليه الامتناع منه.
فما أحوجنا إلى أن نكون من أهل الصّبر والسّماحة لتنهض نفوسنا قيامًا بطاعة الله - جلَّ وعلا -، ولتمتنع نفوسنا عمَّا نُهيت عنه من المحارم والآثام، والتَّوفيق بيد الله وحده لا شريك له، فنسأله سبحانه ونلجأ إليه وحده متوسِّلين إليه بأسمائه الحُسنى وصفاته العُليا أن يمنَّ علينا بهذا الإيمان العظيم: الصّبر والسّماحة.
المصدر: موقع بيت الإسلام
فيديو قد يعجبك: