إعلان

 الصيام والصحة العامة

الصيام والصحة العامة

08:50 م الخميس 07 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: أ.د. إبراهيم عطية قنديل

عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية

الصيام مأخوذ من الصوم، مشتق من صام يصوم صوما، وصياما، ويعني: مطلق الإمساك، والإمساك يكون عن أي فعل أو أي قول،كان بترك الطعام والشراب، والنكاح.

والصوم في اصطلاح الشرع:

عبارة عن إمساك مخصوص وهو الكف عن قضاء شهوة البطن، وشهوة الفرج، من شخص مخصوص، وهو أن يكون مسلما ظاهرا من الحيض والنفاس، وفي وقت مخصوص وهو ما بعد طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس بصفة مخصوصة، وهو أن يكون على قصد التقرب.

فمعنى الإمساك عن شهوتي الفم والفرج، أو ما يقوم مقامها، مخالفة للهوى وطاعة المولى في جميع أجزاء النهار، بنية قبل الفجر، أو معه إن أمكن فيما عدا زمن الحيض والنفاس، وأيام الأعياد.

والصيام الواجب: يدل عليه الكتاب والسنة والإجماع:

فمن الكتاب: قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون.

فقد دلت الآية الكريمة على وجوب الصوم بصفة الخبر مع عدم القرينة الصارفة للأمر عن ظاهره إلى غيره.

ومنه أيضا قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.

وفي هذا دلالة على أن من أدرك شهر رمضان مقيما غير مسافر لزمه صيامه.

ومن السنة:

ما ورد عن عبدالله بن عمر قال رسول الله  :" « بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ ».

ومنها ما روي عن أبي هريرة  قال رسول الله : «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمِّىَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ ».

والمعنى فإن حال بينكم وبينه - أي معرفة بداية الشهر- غيم، فأكملوا العدة ثلاثين يوما، وفي هذا الدلالة الواضحة، بحسب صيغة الأمر على وجوب الصوم، كأحد أركان الإسلام.

ومن الإجماع:

ما أجمعت عليه الأمة من غير نكير، وأنه لم ينقل لينا خلاف في شأن وجوب صوم رمضان عن أحد من الأئمة، فيجب على البالغ العاقل الحاضر الصحيح إذا لم يقم فيه الصفة المانعة من الصوم، وهي الحيض والنفاس للنساء، وهذا لا خلاف فيه.

أما عن حكمة مشروعية الصوم:

فقد ذكر أهل العلم أن الصوم كله بركه، ورأس هذه البركة أنه مشتمل على عبادة للمولى عز وجل وما خصه الله سبحانه بالأجر العظيم، ولأهميته من الدين بأحد أركانه، وصيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام فضلا عما فيه من راحة للنفس والجسد، وأنه يسد على الشيطان منفذه، ويعود الإنسان الاعتدال والتوسط في المأكل والمشرب، وفي ذلك وقاية من الكثير من الأمراض التي قد تصيب الإنسان بسبب الإفطار في المأكل والمشرب.

وقد أرشدنا الدين الحنيف إلى ما فيه راحة البدن والنفس في الصوم من صوم الفرص وهو شهر رمضان المعظم، وصوم التطوع وما أكثره، لكل ما سبق كان للصوم آثاره الواضحة للرعاية الصحية.

فقد ذكر أهل الطب والتخصص في شأن مدى تأثير الصوم على الصحة العامة للصائم مما يدل على الفوائد المتعددة التي تعود على الصائم بالنفع العام في بدنه، ومعنوياته، ووروحانيته، وفي قربه من رب العالمين، وقد أجمل الإمام ابن القيم هذه الفوائد النفسية والجسدية، في كتابه الطب النبوي حيث قال: "وَفِي الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ وَرِيَاضَةِ الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ مَا لَا يَدْفَعُهُ صَحِيحُ الْفِطْرَةِ، فهو جُنَّةٌ مِنْ أَدْوَاءِ الرُّوحِ وَالْقَلْبِ وَالْبَدَنِ، مَنَافِعُهُ تَفُوتُ الْإِحْصَاءَ، وَلَهُ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ، وَإِذَابَةِ الْفَضَلَاتِ، وَحَبْسِ النَّفْسِ عَنْ تَنَاوُلِ مُؤْذِيَاتِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ بِاعْتِدَالٍ وَقَصْدٍ فِي أَفْضَلِ أَوْقَاتِهِ شَرْعًا، وَحَاجَةُ الْبَدَنِ إليه طبعا، فِيهِ مِنْ إِرَاحَةِ الْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ مَا يَحْفَظُ عَلَيْهَا قُوَاهَا، وَفِيهِ خَاصِّيَّةٌ تَقْتَضِي إِيثَارَهُ، وَهِيَ تَفْرِيحُهُ لِلْقَلْبِ عَاجِلًا وَآجِلًا، وَهُوَ أَنْفَعُ شَيْءٍ لِأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَالرَّطْبَةِ، وَلَهُ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ فِي حِفْظِ صِحَّتِهِمْ، َفهُوَ يَدْخُلُ في الأدوية الروحانية والطبيعية ...فَأَحَدُ مَقْصُودَيِ الصِّيَامِ الْجُنَّةُ وَالْوِقَايَةُ، وَهِيَ حِمْيَةٌ عَظِيمَةُ النَّفْعِ، وَالْمَقْصُودُ الْآخَرُ: اجْتِمَاعُ الْقَلْبِ وَالْهَمِّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَتَوْفِيرُ قُوَى النَّفْسِ عَلَى محبته وَطَاعَتِهِ" .

ومن فوائد الصوم -فضلا عما سبق- أنه يقوي النشاط الذهني والعقلي للصائم، ويخلص الجسم من الدهون والكولسترول الزائد في الجسم ويقي من مخاطر الإصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين، ويقلل من مستوى السكر في الدم، ويقي الجسم من مخاطر السمنة، والبدانة، والتخمة، ويعالج اضطرابات الهضم، ومشاكل الأمعاء، ويعالج التهاب الكلى الحاد، ويخلص جسم الإنسان من كثير من السموم، وما انتشر في كثير من الأطعمة.

كما أن الصوم يسبب انصهار السموم في الجسم، مما يؤدي إلى زيادة الأحماض الدهنية الحارة، في الدم، فتصبح هذه الأحماض هي المصدر الرئيسي لطاقة الصائم، فيؤدي إلى ضبط مستوى السكر في الدم، الذي يترتب على نقصه الشعور بالإعياء.

كل هذا بالإضافة إلى ما يشعر الصائم بقربه من ربه –سبحانه وتعالى- وارتفاع معنوياته، بما يؤدي إلى زيادة واضحة في داخل جسم الإنسان من الهرمونات النافعة مثل الأندروفين الذي يعزى إليه تحسين الأداء البدني، وقلة الشعور بالإعياء، والإجهاد.

هذا ومن تمام الفائدة كان لا بد من لفت أنظار المسلمين إلى فضل صيام الأيام البيضاء من كل شهر على الرعاية الصحية للإنسان، فيما نبه الشارع الحكيم على أفضلية صوم ثلاثة أيام من كل شهر مما يسمى بالأيام البيضاء، وهي أيام ثلاث من أول الليل إلى آخره، وهي أيام ثلاث عشر، ورابع عشر، وخامس عشر، وهي ذات الليالي التي يكون القمر فيها من أول الليل إلى آخرهن وهي الوسط من كل شهر، فقد ورد عن أبي هريرة  قال: أَوْصَانِى خَلِيلِى -- بِثَلاَثٍ بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَىِ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ" .

وروي عن النبي  : « يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلاَثَ عَشْرَةَ ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ ».

فقد ورد الأمر بصيام الأيام البيضاء بالصيغة الصريحة أفضل من الفعل صام، فصم وهذا الأمر الوارد في الحديث للندب على نحو ما، قال به أكثر أهل العلم، وهو قول عمر وابن مسعود وأبي ذر وآخرون من التابعين، وبه قال الإمام الشافعي وأصحابه، وابن حبيب من المالكية، وأبي حنيفة وصاحباه، وأحمد، وإسحاق رحم الله الجميع- ورضي الله عن الصحابة والتابعين .

فقد ذكر أهل العلم أن الدراسات الحديثة أثبتت أن هناك علاقة قوية بين العدوان البشري والثروة القمرية، وأن جاذبية القمر التي تسبب المد والجزر في البحار والمحيطات، وتسبب أيضا المد في أجسامنا عندما يبلغ القمر أوج اكتماله في الأيام البيضاء دون غيرها من أيام الشهر، فأصبح معروفا أن للقمر في دورته تأثيرا على السلوك الإنساني، حيث يبلغ الاضطراب في السلوك الإنساني أقصى مداه في الأيام التي يكون القمر فيها بدرا (الأيام البيضاء)( )

إعلان

إعلان

إعلان